مقالات وآراء

الفرق بين التغيير وعبادة التغيير، كالفرق بين إتباع رسالة النبي وعبادة شخص النبي!

الفرق بين التغيير وعبادة التغيير! تماماً كالفرق بين إتباع تعاليم الأنبياء والعمل بمقتضى حكمتهم، وما بين عبادة الأنبياء وتقديسهم والطواف حول أضرحتهم وقبورهم، فالأولى إصلاح وتحرير للناس من عبادة الناس، والثانية انتكاسة و “رِدةٌ فكرية”، وعودة لعبادة الأوثان وتقديس الأصنام بمباركة الأحبار والرهبان الجدد، وهو ذات الفرق بين أداء الشعائر الدينية تقرباً لله تعالى، وما بين عبادة وتقديس الشعائر الدينية في ذاتها، بين التجارة الفردية مع الله، والمتاجرة بتدين الجماعة.

عندما يصبح التغيير في ذاته صنماً نعكف له ساجدين ليقربنا إلى المدنية زُلفاً، فإننا حينئذ نكون قد أبدلنا الفكر الديني الوظيفي البائس، بفكر ديني وظيفي أكثر بؤساً (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)، وإذا نظرنا لاسم الجلالة في هذه الآية باعتباره يتضمن سننه تعالى كلها (وإن من شيء إلا يسبح بحمده)، تلك القوانين الأزلية التي تنتظم كل شيء، ويستوي فيها الكافر والمؤمن، وبالتالي يصبح مبدأ “فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) قاعدة مطردة وفاعله في هذه الدنيا قبل الآخرة، فسنعلم حينها بأن الدنيا ليست جنة الكافر وإنما جنة “المؤمن” بسنن الله تعالى وقوانينه في الأرض، وإن كان بوذياً أو يهودياً.

لقد آن لنا أن نفهم أن هذا الدين لم يأت ليُجيِّش مشاعرنا وعواطفنا من أجل محاربة العالم أو ليعيننا على تحمل حياة الجوع والفقر والبؤس والعيش على هامش الحياة، وإنما جاء ليعلمنا كيف نتصالح ونتوافق مع هذا العالم، فالدين الذي لا ينتج حياة كريمة هو دين فاسد ولا حاجة لنا به، والدين الذي لا يُسعد الناس هو دين فاسد ولا حاجة لنا به (منْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، لقد آن لنا أن نفهم أن الدين هو فهم الحياة الدنيا والانخراط في سننها من أجل الآخرة (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)، الدين ليس انقطاع عن الحياة وإنما هو الحياة في أرقى تجلياتها.

أيها المواطن السوداني.. إذا لم نفيق من هذا التنويم المغناطيسي الذي يضرب على آذاننا منذ السلطنة الزرقاء وحتى اليوم، فإننا سنعمل فقط على إعادة انتاج البؤس في كل مرة، فالعقلية السياسية السودانية عقلية “دينية وظيفية” بامتياز، سواء كانت في أقصى اليمين أو أقصى اليسار، فكلاهما يضع برامجه والدين حاضر بقوة في فكره باعتباره أداة “وظيفية”، سواء لاستقطاب الآخر أو إقصائه، فقد توافق الاتحادي والأمة والإخوان المسلمين على مشروع دستور عام 1968م الإسلامي، وانقلاب مايو اليساري لم يكن إلا “فعل معاكس” مساوٍ لسابقه في المقدار ومضاد له في الاتجاه، حتى الحزب الجمهوري، اختلافه عن بقية الأحزاب أنه جمع بين الضدين في رؤية “اشتراكية إسلامية”، لاحظ سيدي “بعيداً عن الحكم على النظرية” حضور الدين في المشروع السياسي.

إذا أردنا أن نبني هذا الوطن علينا أن نستيقظ من ثباتنا و”بلادتنا” وأن نحرر الدين أولاً من براثن السياسة والحكومات لينصلح ضمير الناس، وأن نعيد الدين إلى حياة الناس ليصبح “ملكية اجتماعية” ينتظم حياة الناس ويتخلل مبادئهم الأخلاقية وشعائرهم الدينية، يمارسه الناس في البيوت وفي الطرقات تقرباً لله رب العالمين بدون أي خوف ولا وجل من الحكام والدعاة والأرباب والرهبان، وأن يصبح الدين كما أراد له الله تعالى (إن هو إلا ذكر للعالمين، لمن شاء منكم أن يستقيم)!

لا تجعلوا المناهج التعليمية أداة للتغيير، ولكن اجعلوا التغيير منهجاً لتغيير المناهج التعليمية وتصحيحها، ولا تحاربوا الدين الوظيفي بأدوات الدين الوظيفي، أفلا تعقلون! يا لجان تغيير المناهج، رغم الجلبة والضوضاء التي تثيرونها فإنكم مازلتم تفكرون من داخل صندوق “الدين الوظيفي”، فكروا بعقولكم جيداً لا بعواطفكم، فإننا نريد تغييراً لا مجرد عملية “إحلال وابدال”!

صديق النعمة الطيب
[email protected]

تعليق واحد

  1. ((علينا أن نستيقظ من ثباتنا و”بلادتنا”)) ؟؟!
    سُباتنا سُباتنا- سُباتنا – من سَبَتَ يَسْبُتُ فهو مُسْبِتٌ : راحَةُ أو نوم، حالة تحدث في فصل الشتاء لبعض النباتات والحيوانات، وتسمى أيضًا البيات الشتويّ أو البَيَتان الشتوي؛ حيث تفقد النباتات أوراقها وتتوقّف عن النموّ، أمّا الحيوانات فتخلد إلى النوم في انتظار عودة الربيع.
    وأما السَّبَتُ فهو سَلَّة كبيرة، عادة ما يكون لها غطاء.
    عليه، لا توجد ثُبات ، أما بَات فمعانيها واضحة.
    أما السَّباتة فعاميّةٌ معروفة في حفلات أعراس زمان وهي بُسُطٌ أو مفارشٌ (بُرُوشٌ – شِمَال – جمع شمْلة) تُفرَش لجلوس النساء والفتيات للحفل. وهي كذلك جمع سَبَت بمعنى سلّة بغطاء كما تقدَّم كسِلالِ الفلاحين الصعايدة يحملون فيها منتجاتهم إلى السوق.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..