الصغار الكبار.. والكبار الصغار

عشنا وشفنا كتير بالعين المجردة دون الحوجة للعدسات اللاصقة والمجهرية.. والأكثر إندهاشاً ووضوحاً أن هنالك الكثير من عقليات وتصرفات الكبار يجعلك تجزم بأنهم صغار في كل شيء إلا الشيب (الأبيض) الذي يكسوهم.. لكن قلة قليلة ونادرة جداً من الصغار هم في الأصل كبار في كل شيء إلا سنهم العمري وسنهم اللبني (الأبيض) ومفيش أبيض أحسن من أبيض، بيد أن هؤلاء الصغار الكبار يملكون قلباً (أبيض) أبيضاً ناصع البياض عكس الكبار الصغار الذين يتحول لديهم درجة اللون (180).
بالصدفة المحضة تشرفت من خلال البرنامج الرياضي الذي يقدمه المبدع الأستاذ رضا (الجمعة الماضية) برؤية الأبطال الحقيقيين الأبطال الصغار عمراً.. الكبار قدراً.. حقاً كانوا كباراً في كل شيْ.. في تحمل المسؤولية.. حب الوطن.. الغيرة من الشعار.. الرجولة المبكرة و(بيها فاتوا الكبار والقدرهم).. حوّلوا تخلفهم بهدفين والمباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة في دقيقة (رمشة عين) لتعادل مذهل ثم انتصار.. وأعادوا للأذهان ذاكرة أسطورة الكرة السودانية سامي عزالدين (مافي دقيقة سامي يجيبها).. كبار المريخ والمنتخب والهلال لم يبكوا لخسارة وضياع بطولة أو إهدار هدف أو إحراز آخر لأنهم (متعودة دايماً)، لم يفرحوا بنصر لأن النصر عنهم ببعيد.. الأداء كان مقنعاً.. تنفيذ الركلات الترجيحية كانت باحترافية متناهية.. صاحب الرقم (10) أحرز هدف التعادل بفن فريد وعندما أضاع الركلة الأولى بكى وعاد ثانية وأحرز ركلة البطولة بثقة مفرطة لم نشاهدها في الكبار الصغار ثم بكى.. لا فرق بين بكاء الفرح وبكاء الحزن لأن دموع الرجال غالية وخاصة الصغار الكبار.. الكل كانوا كباراً.. البطولة (ج) القطرية التي تنافست عليها أحد عشراً منتخباً أبدع خلالها أحد عشر كوكباً سودانياً كبيراً.. حسب ما فهمت عبر البرنامج أن البعثة تكونت خلاف الأجهزة الفنية والإدارية من أحد عشر لاعباً!! لا أدري حقيقة الأمر، كيف لمنتخب يسافر بدون احتياط وبدون حساب لوقت (الزنقة) إن صدقت أذناي.
المساندة الجماهيرية الكبيرة من الجالية السودانية بقطر والاستقبال المبهج بمطار الخرطوم والحفاوة الرئاسية والتوجيه لجهات الاختصاص برعاية هؤلاء الأبطال ومن في حكمهم في الولايات كافة والـ (200) ألف درهم والـ (5) ملايين لكل لاعب آمل وأتمنى أن تصل لهذه البراعم وإن كانت غير موازية لجهدهم.. كل هذه التشجيعات المادية والمعنوية وإن صغرت ولم يبلغ الجزاء الأوفى في حق الأبطال الصغار الكبار يشكرون عليها.. نطمع أن تشمل الرعاية المادية والمعنوية أسرهم لأني استيقنت من مصادر عليمة وموثقة وردتني من أرض المحنة ومن قلب الجزيرة أن كل أسر البراعم فقيرة ومعدمة ومتعففة ولا تسأل الناس إلحافاً.. وأن والدة أحد اللاعبين الأبطال الأفذاذ تمتهن (عواسة) الكسرة الشريفة لمجابهة غول المعيشة، وأن ذات السيدة كانت تقوم مقام الدولة وترعى البراعم وتمد بـ (مديدة الدخن) و(الحلبة) معسكر الصغار الكبار دون من ولا رياء ولا أذى ودون أن تنال مليماً واحداً حباً وفداء وتضحية وضريبة طوعية للوطن الذي يطاردها بضريبة معاكسة تدفعها جبراً وقهراً من عملها البسيط (العواسة)، ألا تستحق هذه الست والكثيرات من الستات، ليست بينهن ست البنات ولا الباشاوات وإنما هن بسيطات قنوعات يكفي أنهن ستات (شاي) جلبن كأس (ج) ورفعن اسم السودان عالياً خفاقاً.
شكراً لمدني مصدر الـ (ينابيع) والإبداع في كل المجالات والتخصصات.. شكراً لكل من ساهم بالإنجاز بالقليل والكثير.. نبارك للسودان ونقول: (اللي ما عندو كبير يشتري صغير.. بس صغير كبير).
[email][email protected][/email]