الناقد أحمد شوقي يفكك الـ«تابو» في سينما جيل الثمانينيات في مصر

القاهرة ـ «القدس العربي» من رانيا يوسف: في كتابه الجديد «محظورات على الشاشة: التابو في سينما جيل الثمانينيات»، الذي صدر حديثاً ضمن سلسلة آفاق السينما التابعة لهيئة قصور الثقافة، يغوص الناقد أحمد شوقي في عوالم خمسة من مخرجي فترة الثمانينيات. لا شك أن هذه الفترة التي جمعت بين هؤلاء المخرجين أثرت بشكل واضح في أعمال كل منهم، وهي الفترة التي عاش فيها الشعب المصري مرحلة الانفتاح اقتصادياً والانغلاق فكرياً. وقاوم مخرجو هذا الجيل هجمة التشدد التي ضربت المجتمع المصري، بعد اغتيال الرئيس السادات وقاوموا أيضاً موجة أفلام المقاولات التي ازدهرت خاصة مع انتشار الفيديو في مصر.
يضم الكتاب خمسة فصول، خصص الكاتب كل فصل منها لقراءة بعض أفلام مخرجين صعدوا إلى القمة وأثروا فترة الثمانينيات بأعمالهم. أعاد الكاتب تحليل الأفلام. في البداية دخل الناقد إلى عالم المخرج داوود عبد السيد، الذي يلقب في الوسط السينمائي المصري بفيلسوف الصورة السينمائية، وعاد الى بدايات عبد السيد في أول أفلامه «الصعاليك»، ليؤكد أن الفيلم يخفي فيما وراء الصورة والحوار تحليلا اجتماعيا وسياسيا مفصلا لما لحق بالمجتمع المصري، الذي يسمي بمثلث التغيير، أي حقبة الانفتاح.
يقول شوقي عن داوود عبد السيد: «المخرج أعلن تحيزه لمنظومة القيم الكلاسيكية التي تعلي العلم والفن والذكريات فوق الماديات المسيطرة على المجتمع، ويعلن موقفاً سيستمر أيضاً، وهو اعتبار الجنس جزءا لا يتجزأ من صميم الحياة البشرية».
يتخذ الكاتب من فيلم «الصعاليك» أول أعمال المخرج عبدالسيد، نموذج لتحليل هذه المشاهد وإعادة تفكيكها وتوضيح مدلولاتها الدرامية بما يتناسب مع سياق الأحداث. ويشير الكتاب إلى أن العلاقات الخمس في الفيلم، التي تدور خارج إطار منظومة الزواج، تحمل سمات شبه ثابتة. وينتقل الكاتب إلى عمل آخر للمخرج نفسه، وهو فيلم «البحث عن سيد مرزوق»، الذي يعتبره خطوة أضافها عبد السيد لمشروعه السينمائي، وهي تجوله بين الطبقات بسهولة، ففي «الصعاليك» قدم عبد السيد شخصيتي «عمر ومرسي»، من صعاليك المدينة المعدمين، ينتهزان فرصة الحراك الاقتصادي والسياسي ليكونا ثروة، ثم ينتقل في البحث عن سيد مرزوق إلى الطبقة المتوسطة التي بدأت تتآكل بفعل هذا التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
يتجول الكاتب في أعمال داوود التالية، ربما أهمها فيلمه الأشهر «الكيت كات»، ويصف المؤلف هذا العمل بلوحة فسيفساء، ترتكز على عدة أحداث وشخصيات تجتمع لتكتمل الصورة، ويرى أن هذا العمل يجسد بشكل واضح قيمة تحطيم التابو ليس فقط الجنس، ولكن تحطيم كل القيود، أبرزها قدرة الشيخ حسني الكفيف على مواجهة الحياة بهذا القدر من الإدراك والقوة، التي دفعته إلى قيادة دراجة بخارية.
في الفصل الثاني يدخل المؤلف إلى عالم المخرج محمد خان، الذي ينتمي إلى مدرسة الواقعية الجديدة في السينما المصرية، بل يعتبر أحد مؤسسيها، واصفاً أسلوبه بالديــــناميكية والتطــــور وملامسة التغيير ومحاولة استيعاب كل جيل، في فيلمه «الثأر» يشير الكتاب إلى أن هذا العمل ارتبط بالتابو السياسي، لجيل عاصر إنجازات النظام الناصري ثم عاد وتمرد عليه بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967، ويتجلى هذا التحول في فيلمه الثاني «الثأر» الذي يحكي قصة شاب عائد من الحرب، فاصطدم بواقع أكثر حدة.
ويصف شوقي صورة الأنثى، في سينما محمد خان، قائلاً: «بالنظر لصورة المرأة التي تهمشها منظومة قيم المجتمع وتحرمها من قدرتها على الاختيار بداية من المشاهد الأولى لفيلمه «ضربة شمس» مروراً ببطلة فيلم «الرغبة»، وحتى فوزية في فيلم «طائر على الطريق»، الشخصيات النسائية رغم الظلم الواقع عليهن إلا أن الضعف لم يكن أبداً من صفاتهن
ينتقل الكتاب في الباب الثالث إلى سينما المخرج الراحل عاطف الطيب، الذي يصفه مؤلف العمل بأنه أغزر أبناء جيله إنتاجاً، رغم وفاته منذ عشرين عاماً، ويعد فيلم «سواق الأتوبيس» الذي أخرجه عام 1982 أحد كلاسيكيات السينما الواقعية، ويري المؤلف أن هذا الفيلم يعتبر وحدة مكتملة لم يحطم بها الطيب تابو سياسيا فقط لكن «الفيلم في حد ذاته حطم كل التصورات الفنية والاجتماعية».
ويصف تجربة المخرج خيري بشارة في الفصل الرابع من الكتاب بأنها تتمتع بخصوصية التنوع والابتكار وتوظيف الخيال ومحاولة ولوج عوالم أخرى غير تقليدية والمحاولة المستمرة للتجريب كانت من أهم سمات سينما بشارة، ويشهد الكاتب على تحليل أحد أهم أفلام بشارة «العوامة 70» الذي أنتج عام 1982، ويجد الكاتب هذا الفيلم من أهم الأفلام التي طرقت باب التغيير في أسلوب السرد، واندماج الرؤية الواقعية والرمزية معاً.
ويختتم الكتاب مع أعمال المخرج الراحل رأفت الميهي، الذي قدم أول أفلامه «عيون لا تنام» عام 1981 متأثراً بموجة الواقعية السائدة في هذا الجيل، لكنه سرعان ما نفض يده من هذه المدرسة ودخل إلى منطقة أخرى وظف فيها الخيال والكوميديا في كسر التابوهات، واعتبر الميهي نموذجا لأشهر مخرجي سينما الفنتازيا في السينما المصرية على الإطلاق، يصف الكاتب التجربة السينمائية الأولى للميهي في فيلم «عيون لا تنام» بالنموذج المثالي لتحويل النص الأدبي إلى عمل سينمائي.
ويخلص الكتاب إلى التأكيد على الدور الذي لعبه جيل مخرجي فترة الثمانينيات في مسار السينما المصرية، مؤكداً على أن هذا الجيل ساهم من خلال وجوده على تحطيم أسلوب الصناعة، والأهم تحطيم التابوهات الثلاثة «الدين والجنس والسياسة»، على اختلاف أساليبهم ورؤيتهم وموضوعاتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..