الخطابة في مواجهة الإقتصاد

بسم الله الرحمن الرحيم
كتب الكاتب طارق الحميد بجريدة الشرق الاوسط قبل فترة وبالتحديد العدد(12475) موضوع عن القمة العربية التنموية الإقتصادية والإجتماعية في دورتها الثالثة التي استضافتها الرياض، وركز في تحليله المميز عن نوعية الخطابات المقدمة من الرؤساء او من ينوبون عنهم، ولأحظ الكاتب أن الدول ذات الإقتصاد القوي داخل المنظومة العربية مثل المملكة العربية السعودية والكويت تميزت خطاباتها بالكلمات القليلة وإنسجامها مع مفهوم الإقتصاد الذي يعني بالخطط المحددة والأهداف الواضحة والأرقام الحقيقية، بعكس دول أخري يعاني إقتصادها من صعوبات ويحتاج للدعم ولكنها تسرف في الخطابة والكلام وذكر بالنص( بينما نجد أن عدد كلمات خطاب إحدى الدول العربية التي في حاجة ماسة للدعم قد تجاوز الألفين وأربعمائة كلمة!) والمقصود بهذا الكلام واضح ولا يحتاج لذكاء، وهو ممثلنا القسري في هذا المحفل الإقليمي، غصباً عن إعتماد الكاتب علي التلميح وإستخدامه لغة دبلوماسية أعتقد انه قصد منها عدم جرح شعور شعب مبتلي بهذه النوعية من الحكام، إمتثالا لمقولة الفيهم مكفيهم! وبعيدا عن مقصد الكاتب او حتي تغليبنا لحسن الظن(وهو ما يعتبر غفلة في حقنا في الإطمئنان لهذه الجماعة الضالة والمضلة، منذ وصولها الي السلطة في الثلاثين من يونيو 1989م ، وهذه الأرقام بالرغم من انها محايدة إلا أنها اصبحت تحمل في أحشائها وجع السنين وطعم المرارة والهزيمة والإنكسار، وتؤرخ لبداية الإنهيار الذي يبدأ بالإنسان، حريته وكرامته ومعيشته، ولا ينتهي بالدولة، وظيفتها تماسكها، بل حتي وحدتها لم تنجُ من التخريب المنظم حينا والعشوائي في أحاين أخر، وهو أخطر لأنه يحمل شبهة حسن النية المفضية بدورها ل(عفا الله عما سلف)، وهكذا يعاد مسلسل إنتاج المآسي والكوارث بإستمرار وتتحكم المهازل في مسيرة تاريخ البلاد و تتساقط عليها المحن كأمطار الخريف، وتتخطفها العورض من كل إتجاه) المهم ألم تتبع هذه الجماعة منذ إستيلائها علي السلطه نهج الخطابة والشعارات كوسيلة سهلة وذات عائد سريع لفرض سيطرتهم المحكمة علي البلاد، بل الأسوأ من ذلك انهم إعتمدوا علي الخلط المنهجي(هنالك تحفظ علي إستخدام كلمة منهج لوصف ما يجري وما يصدر عن هولاء!) في إدارة هذه البلاد، فتمت إدارة الإقتصاد بعقلية السياسة وأدواتها، وإدارة السياسة بعقلية الأمن وأدواته، والدبلوماسة بعقلية الإعلام وأدواته، وهكذا التعليم وغيره، أي عبارة عن خلط مروع يدل علي غياب أي مشروع حقيقي في جعبتهم او مخيلتهم الفقيرة والعاطلة عن الإبداع عند قيامهم بإنقلابهم المشؤوم لحكم هذه البلاد، ويعكس قصور معرفي يعجز عن الإحاطة بواقع هذه البلاد وتعقيداتها، وهو قصور لأ تخفيه كثرة الدرجات العلمية التي تتفاخر بها كوادرهم او حصولهم عليها من ارفع الجامعات، والدليل الأساليب العشوائية والبدائية التي إديرت بها هذه البلاد والبعد عن التخطيط السليم والنفور من الشفافية والمشاركة، وعدم تطبيق الأساليب والمناهج العلمية التي درسوها ونالوا علي ضوءها إجازاتهم العلمية علي ارض الواقع، او علي الأقل محاولة إختبارها وتجريبها او حتي تعديل بعضها بما يتناسب مع ارض الواقع، والسعي بإخلاص لمعالجة إشكالات الواقع المحيط وطرح بدائل حلول تتلاءم مع الإمكانيات المتاحة، وهو السبب الأساسي والغاية التي من أجلها أجبر دافع الضرائب البسيط للإسهام في دفع التكاليف الباهظة للحصول علي هذه الدرجات العلمية في ظروف بالغة الصعوبة يعيشها وما زال! لكن أن تستبدل كل تلك الدرجات والتضحيات بمجموعة هتافات وشعارات وتعبئة للعواطف للحصول علي أكبر قدر من التهليل والتصفيق، ظناً بأن ذلك كافٍ لإرضا الجماهير او تخديرها مدي الحياة، فهذا هو الوهم بعينه او الخسران المبين الذي بانت نتائجه باسرع ما يتخيل اقل متشائم لديه اقل إحساس بخطورة ما يجري ويدور طوال هذه السنوات العجاف. ولأ يعني هذا القول أن هنالك جهة محددة تمتلك المعرفة الكاملة بالواقع ولديها الحلول الجاهزة لمعالجة إشكالاته، ولكن المقصود إتاحة الفرصة للجميع للمشاركة وتبادل الآراء وتلاقح الأفكار وإيجاد أبعاد أخري للرؤية او مداخل متعددة للحلول اوتجاوز حالة الصراع العبثي المفتوح، لأن ذلك يُمكِّن من مقاربة المشاكل وتكوين أكبر قدر من الإجماع او الإقتناع، يساعد في التركيز عليها وبالتالي وضع أفضل الطرق والأساليب لحلها عبر مراحل تراعي ظروف ومقدرات البلاد، وكل ذلك لا يتم إلا عبر توفر الحريات بمعناها الواسع، وإعداد الظروف المناسبة لإيجاد حاضنتها ومنظمتها أي نظام ديمقراطي كامل الدسم، تحت مظلة دستورية تسع حاجات ومخاوف الجميع، وتشجيع علي التداول السلمي للسلطة مع فصل كامل للسطات وإنزال السلطة القضائية منزلتها اللائقة من الإحترام والتقدير، مع إيلاء وضع خاص للمحكمة الدستورية لأنها تشكل صمام الأمان ضد اي محاولات لتداخل السلطات او تغول بعضها علي الآخر، وبالتأكيد إحترام قيم العمل والإنتاج ودعم العمل المدني والطوعي والتشجيع علي الإنخراط في مناشطه وإهتماماته كثقافة عامة، تضمن صلب المناهج التعليمية المنفتحة بدورها علي العالم والشاخصة ببصرها للحاق بركب التقدم والريادة.
بالعودة الي واقعنا وحاضرنا ولحظتنا الراهنة هنالك قضية أخري أظنها غائبة عن هذه الجماعة او من يكتب هذه الخطابات بالتحديد، وهو بالتأكيد يماثل اخوانه في الدين اقصد في التنظيم ، في طريقة التفكير والرغبات، اي خطابات المشاركة في المناسبات الخارجية، فهو ينطلق من مسلمة او فرضية أن الآخرين(في الخارج) غائبة عنهم حقائق الأوضاع في الداخل وأن خطابه يمثل حقائق يراد إيصالها للخارج( مغمض العينين) وهم بالتالي سيصدقون هذه الخطابات وما فيها من معلومات، ويبنون عليها مواقفهم وقراراتهم ودعمهم، وهو المهم بالنسبة لهذه الجماعة. وهذا في الحقيقة وهم وغفلة وسذاجة لطالما إفتروضها في الآخرين الأغبياء! والمؤكد أن لهذه الدول وسائلها وطرقها وهي غالبا وسائل أكثر واقعية وعلمية ومنهجية للحصول علي معلوماتها أو أغراضها، ولأ ينتظرون من الآخرين التصدق بها عليهم او تقديمها لهم مجانا علي طبق من ذهب، ونضرب مثال بسيط بالمملكةالعربية السعودية وهي دولة نختلف معها سياسيا وخاصة طريقة الملكية غير الدستورية التي تُحكم بها وتَحكم الأسرة المالكة في كل مداخيل البلاد وتوظيفها للسيطرة علي كل البلاد كهدف اولي وحصري، ولكن ذلك لا يمنع أن السعودية نجحت في إنجاز بني تحتية وخدماتية متطورة بالتركيز علي الكفاءات من كل ارجاء المعمورة مع توفير بيئة العمل الجيدة والرواتب المجزية، وكل ذلك خلق طبقة من رجال الأعمال لهم مشاريع ناجحة وقدرات إستثمارية متطورة، وبالتالي يعرفون كيفية توظيف أموالهم ، واي جهة او مكان يقدم لهم جاذبية استثمارية تحفز علي تحقيق نسبة عالية من الأرباح مع ضمانات الأمن والإستقرار لأطول مدي، وبعضهم كما هو معروف خبر واقع السودان الحالي وبيئته الإستثمارية وعاش قصصه وتجاربه الخاصة مع بعض ولاة الولايات، وهذه النماذج بالذات مصدر موثوق للمعلومة لمتخذ القرار داخل المملكة بصفة عامة وللمستثمرين السعودين بصفة خاصة ولغيرها من الدول، وكذلك السفارات التي تمثل عيون لتلك الدول ومراكز لتقديم المعلومات والخدمات لدولها ومواطنيها وهي بالضرورة علي علم بحقيقة الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية وبالتالي فهي اقدر علي تقييم الوضع الإستثماري وغيره من الأوضاع بالداخل وإبلاغ دولها بذلك، وهي بالتأكيد علي علم بما يجري علي سطح إعلامنا بالرغم من التعتيم والمضايقات من قضايا الفساد الطافحة، وقد وصلتها مقالات وإرشيف الكاتب الشجاع الطاهر ساتي الذي يعتبر متخصص في هذه القضايا، وأهمية الأستاذ الطاهر انه شاهد من اهلها لن يستطعوا المزايدة عليه، إضافة الي أنه لم يتقيد بسلاسل أيديولوجية او تنظيمية تخرس لسانه او ترهب قلمه او ترغب قلبه او تدفعه الي تبرير أخطاء ظاهرة كضوء الشمس في بلادي الإستوائية، و ايصا الملف الضخم للفساد الموجود علي موقع حريات، وهكذا يمكن القياس علي أمثلة لأ حصر لها، يضاف الي ذلك عدم الإستقرار السياسي والحروبات وكلها تشكل عوامل طاردة للإستثمار. ودعونا من دعوة الغريب للإستثمار في بلادنا، لماذا يستثمر قادة الجماعة او التنظيم أنفسهم أمولهم بالخارج؟ وأين ذهبت أموال البترول المهولة التي تحصلوا عليها؟ علما بأن معظم المشاريع التي تم إنجازها وتصديع رؤوسنا بها، تم ذلك عن طريق القروض كما ذكر الكاتب المميز بابكر فيصل بابكر في مقال منشور، وهي قروض ربوية مهدوا لها البيئة بفتاوي تبيحها وتعفي إسلاميتهم المزعومة من الحرج! لذك يصعب تصديق حرص هذه الجماعة علي موضوع الإستثمار في الداخل إلا إذا كان الموضوع عبارة عن فخ يراد منه النصب والإحتيال علي الآخرين عن طريق التمويه والخداع، او المراد تبيض وجه النظام المشوه في الداخل عن طريق الظهور بمظهر من يطرح المبادرات والمشاريع والبرامج لجذب الإستثمارات من الخارج وكله من أجل عيون الجماهير الطيبة والمؤمنة. لكل ذلك لن يستقيم ظل الشعب وتتحسن أوضاعه ويتخلص من معاناته وترتقي تطلعاته طالما ظل عود النظام أعوج ويتغذي علي الشعارات ويتبني الأنقسامات داخل المعارضة، والمحاباة لبعض المكونات داخل الوطن، ويتفنن في خلق مبادارات الإصلاح والمشاركة الوهمية، وإصراره العجيب علي أن يسدر في غيه غير مكترث لتصاعد دخان التململ من بين الضلوع المحترقة بالصبر الذي يحمل إنذار تأجج نيران الغضب في الدواخل والتي عند إندلاعها الي الخارج لن ترحم أحد وتكفينا سوريا واحدة!
والخلاصة ليست هنالك فرصة لخلاص الدول الفاشلة، سواء بتقوية إقتصادها بجلب الإستثمارات او بغيرها من المصادر حتي لوظلت الأموال تتدفق عليها من السماء، طالما أعتمدت في بقائها علي التسلط والقهر ونفي الشعب والتمكين للفهلوة والشعارات والخطب الحماسية التي قد تنكر الواقع او تزيفه وتخدر الجماهير لبعض الوقت، ولكنها بالتأكيد تعجز عن تغيير الواقع او إعادة إستيعابه و بنائه وتركيبه علي أسس جديدة، لصالح القاعدة العريضة من الجماهير لتعوضها صبر الحرمان والعدم والفاقة التي عاشتها طويلا، بل بالعكس من ذلك تعمل تلك الشعارات علي مفاقمة مشاكل الواقع وإختلالاته بانكاره مرة، وبالهروب الي الأمام من مواجهة مطالبه الملحة مرات أخر، والنهاية الحتمية لهكذا نظام هي إرهاق العباد وتحطيم البلاد وذهاب ريحه وليست حالة الصومال منا ببعيد. قيام هذه المجموعة بإنقلاب خطأ وإستمرارهم في الحكم خطيئة ولكن إنتظار أن يصلحوا أنفسهم او يأتي خير منهم فهو الخطأ الأكبر. ما أمتع أن نستحضر مقطع للراحيل المقيم حميد من قصيدة سيرة السرة بت عض الكريم في هذا المقام
عدَلت نعال
مقلوبة
في الجيهِة اليمين
حدَرت يسار
زمناً.. مُو .. دا
الحيكومة
كانت بت حلال
بي حالَة
بي حرب الجنوب
بي قِلَّة المال
في الجيوب
كانت رخيًّة العيشِة
إلا تَرَا العوين
الكِبْرُوا مليَّسين!؟
عِلمُن يطير!؟
إن كان هُو ما صلَّح عوج؟!
ما فادنا شي؟!
ومَحق القبيل
لمّينا هين في هين في هين!؟!
عبدالله مكاوي
[email][email protected][/email]