(وما أدراك ما الحكر )

تحقيق : أسماء ميكائيل اسطنبول

عندما يذهب أي مواطن من ملاك سكان ولاية الخرطوم إلى مصلحة الأراضي بغرض تسجيل منزله إذا كان تم البيع أو الشراء أو نتيجة لهبة يتفاجأ برسوم باهظة (ومتفاوتة من منزل إلى منزل تصل إلى 40 مليوناً وأخرى 38 مليوناً وأخرى 67 مليوناً وهكذا) ولابد من تسديدها ولا خيار، ثم بعد ذلك يتم إجراء التسجيل للمنزل، فهذه المبالغ فرضتها الحكومة على معظم مساكن الخرطوم وتجدد من فترة إلى أخرى، ولكن مقابل ماذا ؟ فإذا وضعنا احتمال أن تكون هذه الرسوم من أجل تقديم خدمات، فالكل يعلم أن معظم الخدمات يقوم بدفعها المواطن سواءً كانت كهرباء أو مياه أو تعليم أوصحة.. إذاً بأي وجه حق تأخذ الحكومة هذه المبالغ التعجيزية من المواطن ؟ والشيء المعلوم لدى الجميع أن معظم أراضي الخرطوم السكنية والتي تدخل تحت دائرة هذه الرسوم التي تسمى بالحكر من سكان درجة ثالثة وثانية ?أيضاً- معظمهم من الطبقة الأقل، فمن واجب الدولة أن توفر سكناً للمواطن يليق بأدميته كإنسان وهذا حقه الذي يكفله له الدستور والشرع فهذه الرسوم ليست شيئاً مبتكراً، بل موجود منذ أكثر من 40 عاماً، ولكن كانت رسوماً رمزية ومقابل خدمات تقدم للمواطن، فهنالك حالات كثر عجزت عن تسديد تجديد رسوم الحكر الذي يعتبر ملك منفعة للحكومة، ولكن ماهو الحل ؟ ففي هذا التحقيق التقيت ببعض الحالات التي تفاجأت عندما ذهبت إلى مصلحة الأراضي من أجل تسجيل ملكها نتيجة لإجراء معين فعجزت عن تسديد رسوم تجديد الحكر، لأن المبالغ كانت تعجيزية.

40 مليوناً.. رسوم حكر
فأول امرأة التقيت بها كانت من سكان منطقة السجانة تجاوز عمرها الثمانين عاماً، وزوجها تخطى الخمسة وتسعون عاماً، وهو مقعد لا يستطيع الحركة ولديهم ابنة واحدة ومريضة ?أيضاً- ونسبة لمشاكل الورثة والوراث باعت نصيبها في ورثة السجانة وقامت بشراء نصف منزل في منطقة الامتداد الدرجة الثالثة ووضعت كل نصيبها مما ورثته في شراء نصف هذا المنزل بالامتداد، وعندما ذهبت من أجل تسجيل نصف المنزل تفاجأت بأن هناك رسوماً لابد من دفعها تسمى رسوم حكر، وتقول الحاجة عائشة السماسرة خدعوني ولم يخبروني بأن هناك رسوم حكر تدفع لمصلحة الأراضي إلا عندما ذهبت لتسجيل المنزل فأخبروني بأن هناك رسوماً تسمى رسوم حكر وهي 40 مليوناً، وتجدد بعد كل فترة من الأعوام، وإذا لم أدفعها لم أستطع تسجيل المنزل باسمي، ومنذ ثلاثة أعوام وحتى هذه اللحظة لم أستطع تسجيل نصف المنزل، فمن أين أجد الـ40 مليون ؟ وكل ما أملكه وضعته على هذا المنزل، ولا أملك غير كشك صغير نسترزق منه، وإذا أردنا بيعه نصف هذا المنزل لشخص آخر سيطلب مننا تخليص الحكر ?أيضاً- و منزلي عبارة عن منزل عادي جداً جداً ويقع في نص الحلة وليس ناصية ولا يقع بالقرب من مصلحة حتى نقول موقع استثماري، فهذا ظلم وربنا لا يرضى بالظلم.

رسوم عالية جداً
محمد يعقوب أعمال حرة كان منزعجاً جداً عندما التقيت به قال: قبل خمسة أعوام عرضنا منزلنا بمنطقة الخرطوم 3 من أجل البيع، وكان هدفنا تقسيم المبلغ فيما بيننا،لأننا أصبحنا أسرة كبيرة نحن أربعة أخوة، اثنان ذكور واثنان إناث وكل فرد لديه أسرة، وأسرة كبيرة ضاق علينا بيت الأسرة الكبير وكل واحد ظروفه أسوأ من الآخر، وهناك التزامات مدارس وغيرها فلا خيار أمامنا غير بيع منزل الورثة، فتفاجأنا بأن هناك رسوماً لابد أن تدفع، وكانت رسوم عالية جداً قدرت بـ 38 مليوناً، ويقال عنها رسوم حكر تدفع للحكومة، وعندما احتجينا في مصلحة الأراضي قالوا هذه الرسوم بعد التخفيض، لأن الفترة التي حضرتوا فيها إلى مصلحة الأراضي فيها تخفيض رسوم، وإذا تأخرتوا عن دفع المبلغ وأتيتوا بعد شهر 12 سوف تصل الرسوم إلى 45 مليوناً، فعلى أي أساس تفرض الحكومة هذه المبالغ ؟ وكيف تحددها ومقابل ماذا؟ فهذا المبلغ كبير جداً بالنسبة لنا رغم أن منزلنا يقع في شارع عادي جداً ولا شيء يميزه عن بقية المنازل.

آخر إجراء
أسرة كبيرة تتكون من أربع أخوات يقمن في بيت والدتهن ولديهن خمسة من الأخوة الذكور، اثنان من الأخوة يقيمان مع الأخوات في ذات المنزل بأطفالهم ومعهم أمهم التي تجاوزت الخمسة وتسعون عاماً، وخوفاً من المشاكل التي تعيشها هذه الأسرة قررت الوالدة أن تهب نصف بيتها لبناتها اللائي لم يتزوجن بعد خوفاً من المشاكل، وحتى تأمِّن لهن إقامة طيبة ومستقرة – تقول -إحدى الفتيات- سمية محمد – وبكل حسرة: كنا على أمل، لأن هذا المنزل سوف يضمن لنا الاستقرار، فعندما قامت والدتي -والحمدلله مازالت بصحة جيدة – بعمل كل الإجراءات التي ممكن أن تضمن لنا نصف البيت وهو في منطقة القوز بالخرطوم، تفاجأنا عندما ذهبنا إلى مصلحة الأراضي من أجل إتمام إجراءات التسجيل بأن هناك مبلغ 67 مليوناً، رسوم حكر وعندما استفسرنا من الموظف قال: إن هذه الأراضي عليها رسوم حكر، وتجدد كل فترة من الزمن وأن منطقة القوز هذه تخطت الثلاثين عاماً، ويجب تجديد حكرها ومبلغ الـ67 مليوناً، هذا بعد التخفيض، لأن في هذه الفترة مصلحة الأراضي خفضت رسوم الحكر 50% وبعد التخفيض هذا المبلغ المفترض دفعه هو الـ67 مليوناً، فمن أين نسدد هذا المبلغ ؟ وكل الإجراء الذي نريد عمله تسجيل هبة فقط، فأول خطوة نعملها نسدد رسوم الحكر ثم بعدها هنالك رسوم هبة تدفع مرة أخرى، فهذا مبلغ خرافي جداً وتعجيزي في ذات الوقت، وعندما أحتجيت للموظف قال: ممكن أن تقابلي مدير الأراضي بفرع الخرطوم، وبالفعل عندما دخلت المكتب وقابلت المدير وشرحت لها مشكلتي، قالت: هذا آخر إجراء ولا يوجد حل آخر لا إعفاء ولا أقصاد وآخر فرصة لتسديد هذا المبلغ عند نهاية العام، فإذا حل عام جديد ولم تسددي سوف يعاد الحساب من أول جديد وسيكون بالزيادة 67 مليوناً، فما هو الحل ؟ ونحن لا نملك شيئاً، فإذا كان المنزل معروض للبيع ممكن نقول نسدد من رسوم البيع، ولكن المنزل عبارة هبة حتى نضمن الاستقرار وعدم التشرد من أخواننا.

رسوم تعجيزية
وبعدها التقيت بالأستاذ المحامي صلاح أحمدون، فسألته عن الحكر رد قائلاً: هو قانون قديم بدأ منذ الاستعمار وحينها كانت القوانين إنجليزية والأراضي فى ذلك الوقت مقسمة رغم أنها ملك للحكومة إلا أنها مقسمة إلى ملك منفعة وملك عين، فالعين مثل الأراضي الزراعية وملك المنفعة يتمثل في الأراضي السكنية والمحلات التجارية (الحكر) بمعنى مقيَّد بفترة زمنية محددة، وعادة ما تمنح الحكومة عقد إيجار للمواطن، وكان يجدد بعد كل 25 عاماً وبرسوم رمزية جداً مقابل خدمات تقدمها الدول للمواطن، وتعدل هذه الرسوم بموجب مدير الأراضي والمسجل العام على حسب قانون الأراضي وتسجيلها، وفي عام 1925 ورد عليها تعديلات (كلما يرى مدير عام الأراضي ووزير التخطيط ) فإذا هناك شخصاً أشترى أرض ويريد تسجيلها لابد من تجديد الحكر، ويشمل الحكر مناطق كثيرة في الخرطوم مثل منطقة الخرطوم 3 ومنطقة القوز والامتدادات والصحافات والأندلس والأزهري، أما الأندلس والأزهري تجدد كل عشر سنوات، فالحكومة ضغطت على المواطن في فرض رسوم الحكر هذه، كما ضغطت عليه في أشياء كثيرة جداً، ولأن الدولة ليست بها صادر فلذلك اعتمدت على كل وارد وخاصة رسوم الحكر أصبح من الإيرادات الأساسية الممكن تعتمد عليها الدولة، ولكن المناطق التي تدخل تحت دائرة الحكر هذه مواطنوها بسطاء وأصحاب دخل محدود فمن أين لهم بهذه الرسوم التعجيزية ؟.

حق شرعي ودستوري
وفي ذات السياق عندما التقيت بالأستاذ علي عمر أبو المعالي المحامي أول ما ابتدر حديثه قال: من واجب الدولة أن توفر سكناً للمواطن يليق به كإنسان، والقانون خصص كيفية استحقاق كل مواطن لمسكن، مثلاً الشخص المتزوج له الأولوية من الأعزب والمقيم في العاصمة له الأولوية في المسكن من المقيم في الولايات وهكذا، وهذا من واجب الدولة على المواطن، أما الحكر الذي يتمثل في فرض رسوم باهظة على المواطن وهي غير مبررة قانونياً، لأن المواطن غير مستفيد منها ولا تعود عليه بخدمات، لأن الدولة شبه رفعت يدها من الخدمات التي يحتاج إليها المواطن من مياه وكهرباء وتعليم، المواطن يقوم بدفعها كاملة وهذا الحكر يتنافى مع الدستور، لأن السكن حق المواطن الذي كفله له الدستور والشريعة الإسلامية، والحكر رسومه عالية جداً أثقلت الحكومة بها كاهل المواطن البسيط والزمته بتسديدها، ومعظم أراضي الخرطوم عليها حكر، وهي في نهاية الأمر مساكن شعبية وسكانها بسطاء، فمنذ عام 1972 كانت كل الأراضي منفعة عين، أما مابعد عام 1972 كل الأراضي أصبحت ملك منفعة وهي ما تسمى بالحكر، ويمثل عقد إيجار لمدة ابتدائية عشر سنوات أو خمس سنوات على حسب عقد الحكر الذي يتم مابين الحكومة والمواطن ويتجدد على حسب العقد والرسوم المتفق عليه، وكانت رسوم بسيطة يستطيع المواطن دفعها، وكانت تعود عليه في شكل خدمات، ولكن حالياً هذه المبالغ التي تدفع لايوجد لها مقابل من خدمات، ومن حق أي مواطن القيام برفع دعوة دستورية تقتص له بإبطال رسوم هذه الحكر، لأن المسكن حق يكفله الشرع والدستور للمواطن وعلى الدولة تأمين هذا الحق.

تخفيضات لا وجود لها
توجهت نحو مصلحة الأراضي بالخرطوم وفي معيتي أكثر من سؤال فوجدت صعوبة في بداية دخولي ثم التقيت بأحد الموظفين كان يقف خلف كاونتر من القزاز سألته أريد الاستفسار عن رسوم الحكر وهل ممكن أن تعفى ؟ رد قائلاً: أولاً يا أستاذة رسوم الحكر لا تعفى لأي شخص، نحن الموظفون الذين نعمل داخل مصلحة الأراضي وتسدد كاملة إلى خزانة الدولة حتى إذا كتبت طلب إعفاء وقابلت المدير العام للأراضي ؟ قال: لا يمكن لأنهم متشددين جداً في رسوم الحكر هذه، فقلت له: والشخص غير المستطيع من أين يدفع وهي رسوم باهظة جداً ؟رد: لا علم لي، ولكن ممكن أن تحاولي مقابلة المدير، ولكن لا أمل، ثم قال :ولكن في هذه الأيامات توجد تخفيضات، قلت له: هذه المبالغ الكبيرة حتى بعد التخفيضات؟ رد: بصراحة هذه التخفيضات لا وجود لها لأنها تضاف إلى الايصالات بطريقة غير مباشرة من غير أن يشعر بها المواطن، ويقال له: توجد تخفيضات حتى المستطيع يسرع لتسديد الرسوم وتجديد الحكر.

رفضوا هذا الاقتراح
وبالفعل لم أستطع مقابلة المدير العام ولكن التقيت بمسؤول آخر بمصلحة الأراضي، فعندما طرحت له مشكلة الحكر التي يواجهها المواطن في مناطق معينة، قال: متفهمون حجم المشاكل التي يوجهها المواطن في تسديد رسوم الحكر وهي مبالغ كبيرة جداً ولا يستطيع المواطن البسيط تسديدها وتحدثنا مع الجهات المسؤولة وطلبنا منها إيجاد حلول لمشكلة الحكر، واقترحنا خيارات من ضمنها أن يسمح للمواطن أن يسجل كل من كان له تسجيل أرض في مصلحة الأراضي إلى أن نبحث حلولاً لهذه المشكلة، ولكن رفضوا هذا الاقتراح فتكونت لجنة حاليا حتى تجلس وتتفاكر مع الجهات المسؤولة ومحاولة إيجاد حلول لأن هذه الرسوم فوق طاقة المواطن.

التيار

تعليق واحد

  1. المحامي يبدو انه غير ملم بمعنى حكر (ملك منفعة) وملك حر حسب قانون تسوية وتسجل الاراضي لعام 1925 أعتبر أن كل قطعة ارض زراعية او سكنية تم تسجيلها في اسم المواطن قبل صدور هذا القانون فهي ملك حر واي ارض لم تسجل قبل هذا التاريخ واقصد به تاريخ قانون تسجيل وتسوية الاراضي فلا يتم منح الملك الحر زراعية كانت ام سكنية

  2. اتقوا الله يا ياوالى الخرطوم ويا رئيس الجمهورية . الم تسمعوا : من شق على أمتى , شق الله عليه فى الدنيا والآخرة . تفسدون وتسرقون اموال الدولة وتتغاضون عن الحرامية والمفسدين وكمان تشقوا على المواطنين ؟ اللهم ببركة هذا الشهر المعظم اشقق عليهم فى الدنيا والآخرة وصلى وسلم اللهم على محمد .

  3. يا الدولي واضح انك لا تفقه اي شي لافرق بينك وبين المحامى (اذا سلمنا جدلا بان ما نقل عنه صحيح ) فكلكم جهله الصحفيه والمحامي والمعلق حتى المسؤولين لا يفقهون شي والله يكون فى عون البلد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..