غازى العتبانى ومفهوم الوطن و المواطنة

كشفت المقابلة الاخيرة التى اجراها غازى صلاح الدين العتبانى مع جريدة المصري اليوم و التى نشرت على موقع “الراكوبة” عورة ادعياء الاصلاح وضعف حجتهم , ان العتبانى المنبوذ من الطاغوت الذى صنعه بنفسه اظهر عن عقلية تؤكد استحقاقه هو و مجموعته للرفض و عدم القبول من المعارضة و الشارع العام باعتباره شريك فى هندسة و تنفيذ سياسات الانقاذ لمدة قاربت الربع قرن استبيح فيها الوطن و المواطن , كذلك ان ما ذكره غازي منشد الاصلاح شكلا لا جوهرا و مدعى التغير السطحي فى مقابلته يدعم فرضية استحالة تقويم المشاريع السياسية المرتبطة بالدين , وان تجربة الاسلام السياسي الانقاذى تبرهن كل يوم عدم امكانية نجاح اى مشروع ديني فى مخاطبة قضايا المواطنة و القومية و ان فكرة اصلاح هذه النظرية الفاشلة ما هو الا محاولة تسويق نفس البضاعة فى اغلفة جديدة .
و هذا ما اثبته لنا غازى فى تصريحه لصحيفة المصرى و الذى قال فيه, ان أهم الأسباب التى دفعته ومجموعته للتوقيع على ما يسمى «مذكرة الإصلاحيين»، التى كانت سبباً رئيسياً لفصلهم من الحزب الحاكم فى أكتوبر الماضى؟ هى صُدمتنا من الطريقة التى تعاملت بها الحكومة مع مواطنين يطالبون بحقوقهم الدستورية , و ساءنا أكثر أن ترتبط تلك الممارسات بدعوى عريضة بالاحتكام إلى الشريعة الإسلامية، فكان لابد من صيحة ضمير وقد أطلقناها فى وقت كان يُطاح فيه بالرؤوس “منقول بالنص”.
غازى كان اعمى و اصم و ابكم طوال ربع قرن , لم تثير حفيظته الجرائم التى ارتكبت فى جنوب السودان قبل ان ينال استقلاله و لم تستفز مشاعره فظائع دارفور و لم يحرك سكون ضميره سلاح التجويع الذى يستخدم فى جنوب كردفان و النيل الازرق و مجزرة بورتسودان و كجبار , لكن حرك قلبه المتحجر مجزرة سبتمبر , لقد سقط فى سبتمبر 200 من الشهداء الاماجد فى الخرطوم , كان هذا العدد كافى ليعلن غازى عصيانه على ولى نعمته فى حين ان العدد يعتبر صغير مقارنة بأرقام ضحايا الانقاذ فى بقاع اخرى من السودان , ملايين الانفس البريئة قتلت بطريقة ابشع من ما شهدناه فى الخرطوم و الاف النساء اغتصبن باسم الشريعة و المشروع الحضاري فى وقت كان غازى متنفذا فى السلطة .
حمل تصريح الرجل اهانة و استفزاز لمشاعر ذوى ضحايا الانقاذ من خارج ولاية الخرطوم الذين يقدم لهم غازى نفسه كمصلح مخادع يبتغى الظفر بالسلطة ليس الا , و يستشف من تصريحه بجلاء انهم بالنسبة له فى مستوى البهائم النافقة لا تستحق ادنى اهتمام الا بقدر تجنب عفونتها و نتانتها , و يبين انه يتخذ معيار غير أخلاقي وربما عنصري فى تقسيم المواطنين السودانيين على فئة تستحق تعاطفه و اخرى اقل مرتبة فى سلم الادمية و الانسانية , و الا ما هو المبرر الذى جعل غازى يسكت بل يشارك فى ازهاق ارواحهم طوال هذه المدة و فجأة من غير مقدمات صحى ضميره بسبب مجزرة سبتمبر التى كما قلنا لم تتجاوز مجمل حصيلتها من الضحايا عدد من يقتلهم الجنجويد و القوات الحكومية فى يوم واحد فى دارفور .
الم يسمع غازى بما حدث يوم 27 فبراير 2004 فى مدينة طويلة بشمال دارفور المدينة الامنة الغنية المأهولة بالسكان و التى حولها مليشياته وقتها بين ليلة وضحاها الى خرابة تسكنها القطط و الكلاب الضالة الان , هل يعرف غازى كم نفسا قتلت فى ذلك الهجوم؟ اكثر من 200 شخص من طويلة و ضواحيها , و كم امرأة اغتصبت ؟ عشرات , و كم من الاموال و المقتنيات نهبت ؟ (50) شاحنة وسيارة , و كم بيتا حرق مئات , و تشرد 35 الف بعد ان فقدوا مدخرات العمر , ببساطة ياغازى ما حدث فى طويلة من فظائع لو تعلم تفوت بألاف المرات ما حدث فى الخرطوم فى هبة سبتمبر.
ربما هناك عذر يتعلل به غازى لحجب تعاطفه عن هؤلاء البشر , مثلا عدم مشاهدته لهذه الفظائع , او انه كان مشغول بنعيم السلطة و المال بحيث لم يقرأ التقارير التى تحدثت عن قتل 400 الف مواطن سوداني دارفورى او ربما اطلع عليها لكنه صنفها فى خانة المؤامرة الامبريالية الصهيونية المعادية للإسلام او اعتبر الضحايا متمردين رفعوا السلاح ضد الخلافة الاسلامية و امير المؤمنين , و لو سلمنا جدلا بهذه الحجج الافتراضية, ماذا يا غازى عن مجزرة طلاب الجزيرة بود مدنى الذين اغتيلوا بدم بارد فقط لانهم طالبوا و بطريقة سلمية عن حقهم فى العلم و المعرفة , طالبوا بتنفيذ اتفاق سلام منحهم شروط تفضيلية كان غازى احد الذين هندسوا نصوصه, لقد شهد الكل بان تلك المجزرة كانت عنصرية صرفة بتدبير و اصرار منظم من الاجهزة الامنية و حتى يومنا هذا لم يقدم فيها احد للعدالة رغم اللجان التى شكلت , هل بلغتنا يا صحاب صحوة الضمير ما هو المعيار الذى تبنى عليه مواقفك من القضايا الوطنية.
ليس مستغرب ان يخرج علينا غازى بهذا التبرير الفج و هو ابن نظام و حزب قلص و لا زال يقلص من مساحة الوطن , كيف لا و غازى كان جزء من منظومة تنظر للوطن بعيون رجال الاعمال الذين وصلت بهم الجراءة حد ان يرسموا له خارطة للاستثمار السياسي فى ما عرف بمثلث حمدي , لكن صدر غازى اصبح اكثر ضيقا من اخوه حمدي حيث اختزل الوطن فى الخرطوم و بتعبير ادق الوطن بالنسبة له المنصة التى تنتصب عليها قدميه و ان الموطنين الذين يستحقون تعاطفه هم فئة قليلة من سكان ولاية الخرطوم , و بذلك لا اجد فرق بين تعريف غازى للمواطنين الذين يجب ان لا تراق دمائهم و بين مفهوم من يناهضه مثل البشير الذى يستبيح سفك دماء بعض المواطنين بشكل انتقائي.
ربما كان السيد الغازى يتربص و يتصيد الفرص ليقفز من سفينة الانقاذ الغارقة لا محالة , و المثل الشعبي بقول “المتسبل تبكيه الريشة” , فكانت ريشة بسبتمبر السانحة التى استغلها غازى من غير حرج ليبكي بحرقة و يغسل بدموعه اياديه الملطخة بدماء الابرياء من كل بقاع السودان , و هذا ما يفسر عقليته القديمة التى لا تزال تظهر بوضوح فى حواراته , و تؤكد ان الرجل لم يخضع مشروعه لمراجعات و لم يغير من منهج تفكيره , اذن ما فائدة الاصلاح اذا كان غازى لا زال يفكر بنفس الطريقة و يحلل بذات الادوات القديمة و يتبنى المشروع ذاته بإضافة شوية “رتوش” كلامية , الاصلاح الاصلاح الاصلاح , ما معنى هذه الكلمة ياغازى هل تعنى تبديل الجلد السياسي اما تعنى التلون بطريقة انتهازية لاجل كسب مزيد من الفرص فى المستقبل , هل الاصلاح تكتيك جديد للالتفاف على خاصرة الوطن مرة اخرى .
على اى حال ياغازى السودان بشكله الحالي هو الوطن رغم عنصرية البعض و سكانه من كل الشعوب السودانية التى لا زالت تقاوم من اجل البقاء و تتفادى بإصرار عنيد آلة الابادة الانقاذية هم مواطنون فى نفس درجة و مرتبة اخوانهم من سكان مثلث حمدى و تحيزاتك الاكثر انحسارا , فاى شخص لا ينظر الى السودانيين بمنطق المساواة فى الكرامة و الانسانية و المواطنة و يفاضل ما بين دمائهم و يقيم ارواحهم على نحو مناطقي عنصرى هو شخص غير مؤهل اخلاقيا لتولى شؤونهم و كذلك السياسي العاجز فى التعبير عن قضايا شعبه بشكل عادل فى الاوقات الصعبة يفقد اخلاقيا مشروعية تمثيلهم فى وقت لاحق و اى مشروع سياسى لازمه الفشل لمدة 25 عام يكون قد استنفد كل الفرص بما فيه الكفاية للحكم عليه بالبوار و يعتبر مشروع فاشل فاقد للكفاءة و الاهلية و ان اصلح.
8 يناير 2014
[email][email protected][/email]
ماذا تقصد عندما قلت (هذا الغازى) . يا أخى بطل عنصرية.
كل من ولد في السودان فهو سوداني. سر قوة الولايات التحدة الأمريكية أنهم يمنحوا جنسيتهم لكل وافد بالطرق القانونية و بالضرورة لكل مولود في الأراضي الأمريكية يعني أولاد البوتاني و السوداني لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات زي أولاد تاس كيندي و ناس يوش مما يعطي أولاد المهاجرين الجدد الشعور بالأنتماء للأمة الأمريكية.
ماذا كان سيحدث للسعوديين لو أنهم جنسوا كل المولدين بأرضهم؟ في أعتقادي كانوا سيكونوا أمة أفضل و أقوى.
لو عندكم آراء مخالفة لغازي أطرحوها في سوق الرأي لنتفق معكم أو لا نتفق!!!