آبيي: ما وراء الأزمة

آبيي: ما وراء الأزمة
فيصل محمد صالح
تقتضي طبيعة المهنة أن نكتب ونتحدث في قضايا الساعة، وليس من قضية ساخنة مثل آبيي، وكثيرا ما تظن فينا بعض المنابر والفضائيات ظنا حسنا، فتدعونا لنعقب ونرمي بآرائنا هنا وهناك. لكن ما أن يسألونني عن آبيي حتى أبدأ بالقول”مشكلة آبيي بطبيعتها معقدة” وهذا قول أؤمن به تماما.
هناك قضايا ومشاكل عالقة بين الشمال والجنوب، أو في الشمال، بسيطة في منشأها ومسبباتها، لكن سوء الظن المتبادل والإهمال ونقل التوترات من ملف لملف آخر أضر بها، وعقد نهاياتها، لكن قضية آبيي، ومع ماشابها من هذه الظلال أيضا، إلا أنها تبدو لي معقدة جدا، وتحتاج لأطنان من حسن الظن والنية والصبر الطويل حتى تجد الحل المناسب.
كما أن كل التدخلات الدولية في موضوع آبيي كان مجرد حراك على الحواشي، لا المتون، ولعب على الأطراف، بعيدا عن جوهر المشكلة. البروتكول الأول الذي تم توقيعه في نيفاشا سقط في أول اختبار، عندما اندلع الخلاف بين الحكومة ولجنة الخبراء، ولم تقم له قائمة، وكان واضحا أن السبب في ذلك قلة معرفة الخبراء بتعقيدات المشكلة وتعدد اللاعبين بها. ثم ذهب الطرفان إلى لاهاي للبت في نقطة جزئية، وهي: ما هي بالضبط حدود المنطقة المسماة آبيي، سواء كانت تتبع للشمال أو الجنوب. وحدد الحكم الحدود الإدارية لمنطقة آبيي، لكنه لم يقترب من السؤال الجوهري: لمن تتبع، لأن هذا لم يكن من اختصاص هيئة التحكيم الدولية.
ثم جاءت الأزمة الأخيرة، هاجم الجيش الشعبي القوات المسلحة، فدخلت آبيي واحتلتها، وحدث ما حدث، وجاءت اتفاقية أديس أبابا لتعيد الوضع إلى ما كان عليه، قوات الحكومة شمال آبيي، وقوات الحركة جنوبا، وفي آبيي تتحكر القوات الإثيوبية. هذا كله ترتيب مؤقت للفصل بين القوات وعودة النازحين، أما حل المشكلة فلا يزال بعيدا.
قلت في مجلس اجتماعي أننا نحتاج لرؤية جديدة واقتراحات عبقرية لحل قضية آبيي، وأن كل الأفكار القديمة عاجزة وعقيمة، سواء كانت من جانب الوسطاء أو من طرفي المشكلة، فانبرى لي السفير الدكتور حسن عابدين مذكرا بمقال كتبه قبل فترة طالب فيه بوضع حد لرحلة المسيار أو المرحال الطويلة والعقيمة عن طريق مشاريع توطين للمسيرية ومواشيهم وثروتهم الحيوانية.
وقبل أيام وجدت في موقع “سودانايل” مقالا للدكتور أحمد هاشم، الذي تقول سيرته إنه باحث في كلية الملكة ميري في لندن، وسكرتير مؤسسة كردفان للتنمية، جذر فيه هذه الفكرة وسندها بدراسة علمية ساهم هو شخصيا- مع آخرين- في إجرائها قبل سنوات للإجابة على سؤال : هل ما زالت هنالك جدوى اقتصادية واجتماعية للرعي المتنقل فى هذا العصر؟ وكانت إجابته، المستقاة من الدراسة العلمية هي لا.
وخلصت الدراسة التي أنقل منها بالنص ” إن الرعي المتنقل ليست له جدوى اقتصادية للبقارة على مدار العام، بل على العكس يشجع على اقتناء سلالات من البقر؛ خصلتها الوحيدة هى القدرة على تحمل الجوع والعطش ومقاومة الأمراض، بالإضافة لمشاق الترحال لآلاف الكيلومترات، وهذا بدوره يؤدي إلى تقليل إنتاج الألبان واللحوم والعجول”. ولم يكتف الدكتور هاشم بذلك، لكنه دعا لإجراء مزيد من الدراسات حول قضايا ومشاكل أخرى لها علاقة بالرعي المتنقل، حقوق ملكية الأرض الفردية والجماعية وتوفير المياه بحفر عشرات الآلاف من الآبار الجوفية، واتباع سياسات تؤدي إلى الاستقرار والعيش فى سلام بين المواطنين والنهوض بالتنمية الاقتصادية والبشرية.
كذلك يجب النظر فى أنجع السبل لاستقرارالرعاة وبناء القرى والمدن الحديثة وإدخال السلالات المنتجة للألبان واللحوم والصناعات الغذائية، على أن يتم تمويل مثل هذه المشاريع من نصيب الولاية من عائدات البترول الذى يجري تحت أراضيها.
مثل هذه المقترحات يمكن أن تكون مؤشرات على رؤى وأفكار جديدة، تتجاوز العقم والجدب الفكري والسياسي الذي نعيشه منذ سنوات.
الاخبار
الأستاذ الكريم فيصل محمد صالح
ياخي يا ريت لو وقفنا مع نفسنا مرة واحدة فقط
ونظرنا حولنا
مثل هذه الحلول التي يقدمها الدكتور الجليل أحمد هاشم هي التي رفعت بلاد الله وصعدت برفاهية أهلها
الحلول المبنية على البحث العلمي والتحليل
حلول إن قدر لها التنفيذ بتجرد لن تكون فقط حلولا للمشكلة بل مدخلا لخير كثير أولم يقلالله تعالى: عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
لكن من يستمع لمثل هذا الكلام؟!!!!!!!!
عموما، نحمد لكم صدق التوجه وتحري الحق
راجين أن يمدكم الله وغيركم من الكتاب الحريصين على بلادنا بالقوة والإرادة على تبيان الحق