تاريخ الإسطورة أم أسطورة التاريخ ؟!؟

” 2 ”
صلة الماضى :
فى الموضوع السابق تناولنا مسألة التاريخ والخرافة , وأبنا ان التاريخ صنعه أناس ليناسب أمزجتهم وأهوائهم فدونوا أحداثا م على حافة الأحداث الإنسانية وربطوها بأشخاصهم فأنتجوا بما يسمى التاريخ . . واوضحنا ايضا أن التاريخ نسج رواياته على حواشى الأساطير والخرافات الشعبية بعد إلتهامه لها .
فى حين ..
أن الباحثين توصلوا إلى أن الرواية التاريخية ? خاصة فى المجتمعات المتمدينة – يروج لها أفراد , بما فيهم التجار . حيث كان مروجوها يطرحون أسئلة يعتقدون أنها توليدية او توليفية بين الأسطورة والرواية ولايستطيعون أن يجيبون عنها بكيفية مقنعة لأنفسهم . وعلينا جميعا ان نعترف كباحثين ونقاد أن : زمان الأسطورة مخالف لزمان السردية التاريخية بل الأسبق والأشمل والأكثر حيوية وإبداعا , حيث أن الأسطورة لاتعنى بتتابع الأحداث فى سياقها الزمنى بقدرما كانت تهدف إلى الكشف عن الثابت من خلال التغيير العابر للظواهر , إجتماعية كانت أم طبيعية وفى كثير من الأحيان تربط الظاهرة الإجتماعية كالزواج والخفاض والحصاد بالظواهر الطبيعية كالقمر والنيل . وبما أن هدف الأسطورة مغاير لهدف السرد أو الرواية التاريخية , بل تتساكن معه فى كثير من الأحيان دون أن تسلب التاريخ خصوصيته الأكثر تجهما , ومن هنا يمكن أن نفهم سر التشابه ما بين الأسطورة وفلسفة التاريخ . بحيث نستطيع أن نقول : إن هذه ورثت تلك بعد أن تبلور وعى الإنسان بتدوين أحداث تاريخه . هيغل وشلنغ قد قررا بعد رصدهم وتحليلهم للتاريخ المادى للشعوب : ” أن مضمون الأسطورة هو مضمون الفلسفة ” . وقد ابانا أن الإختلاف يكمن فقط فى مستوى الوعى والتعبير إذ تستعمل الفلسفة المفهوم العقلى , بينما تلجأ الأسطورة إلى التمثيل المجازى . وعند هيجل أن فلسفة التاريخ لاتختلف فى مضمونها عن فلسفة الفن .
فلسفة التاريخ العربى :
تناولت الكثير من المؤلفات التى تنا ولت نصوصها فلسفة التاريخ العربى , ومن خلال فهمى لها أنهم دوما ما تطرح سؤالا ملحا هل لنا نحن العرب فلسفة تاريخية تميزنا عن الشعوبية ” المستعربين من غير العرب ” وبقية العناصر الأخرى ؟ بحثا لتعلية قيمة الفكر العربى . وإذا ما صدق او صح التماهى الذى ذكرناه آنفا عن تطابق البنية الفنية فى الرواية الأسطورية وتشابه السرد فى فلسفة التاريخ وما تحمله مدلولاتهما معا عن هم ملح حول المصير , البداية والنهاية , التحول والإستقرار دون أى إرتباط بوقائع التاريخ , يجوز لنا القول إنه لاتوجد فلسفة تاريخ واحدة فى الفكر العربى الإسلامى , بل فلسفات متعددة . لأن الدعوة الإسلامية كانت مفتوحة حيث لافرق بين عربى وأعجمى إلا بالتقوى والكرم الطائى . ولذا لايمكن أن نستخرج من كل قطعة ” إلهية /أدبية ” تنظر إلى المصير : من الشعر الجاهلى مثلا أو القرآن أو من الحديث أو من القصص الشعبى , كما نجد فلسفة تاريخية واعية بذاتها ومفصلة عند كبار فقهاء الباطنية والمتصوفة . وهذا بالفعل ما قرأت عنه فى أغلب كتب التاريخ العربى ” ادبيا كان أم دينيا ” ? حيث كانت كل قراءة من هذا النوع لها جاذبيتها ومسوغاتها . ولكنها لم تسعفنا على فهم وقائع التاريخ العربى لبلورتها وإعادة صياغتها لفهمها بشكل يحقن دماء الأمة العربية المراقة بشكل يدعو للإستغراب . حيث يتضح وبشكل صارخ أن هناك بون شاسع ما بين السرد الأدبى حتى فى مفرداته اللغوية الإسلامية وما بين الوقائع التاريخية للأمة العربية . والدليل على ذلك أن هناك على سطح الواقع العربى المعاصر العشرات بل المئات من النحل والطوائف والملل جميعها تتمسك بالحق الإلهى وتدعى الحاكمية . أما فيما يتعلق بنشأة التأليف التاريخى العربى نلاحظ بداية ان القرآن يفرق بين الأخبار والأساطير أى بين ” التاريخ والأحاجى ” , مع أن الأسطورة تعنى لغويا عند اليونان خبر من شاهد الحادث , إذن يمكن أن نفترض أن المسلمين الأولين , عندما شرعوا فى تدوين أخبار الرسول ” ص ” بعد إختيارهم لتقويم خاص بهم , مثلا التقويم الهجرى , أو مثلا يؤرخون من قبل وفاة الرسول ” ص ” أو من بعد الوفاة , كانوا يهدفون إلى تأسيس علم لايشبه الأسطورة , خاصة أن الإسلام نشأ فى مجتمع إزدهرت فيه التجارة وعرف الكتابة وأسلوب العقود . رغم ظهور عنصر الأسطورة فيما بعد عند عرب الجنوب .
وفى الختام يمكننا القول أن الأسطورة هى تسجيل كامل لتاريخ السرد الوجدانى على مسارات التاريخ الإنسانى . بينما التاريخ عبارة عن تدوين للشق الآخر من حياة الإنسانية واعتقد جازما انه عندما بدأ الإنسان يعى ويؤرخ لبطولات نفسه والتى ريما لاوجود لها مثل الأسطورة بدأت مع ذلك الصراعات والتضادات : الخير والشر , الحرب والسلام , الطهر والنجاسة والأصل والتقليد .
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..