نعى وعزاء: وداعا أبو زيد محمد صالح.. والى جنة الخلد

منذ لحظة فراقك لهذه الدنيا الفانية، والحزن يخيم على الجميع، وقد ظللت افكر فى ماذا اقول لك وشريط طويل يدور فى خلدى.
لقد جف القلم وتوقف البنان عن التسطير من جراء زحمة الافكار وتدافعها فى ذهنى، فى تنافس حول الفوز بافضلية تعديد خصالك التى وردت فى ذاكرتى.. وليس امامى الا صورتك التى تحكى تاريخ جيل. تحكى تاريخا طويلا من النضال الوطنى والكفاح من أجل رفعة الوطن السودان.. وتحكى الانجاز الكبير الذى يخفيه وجهك الباسم الجميل.. يخفيه طيب المحيّا ولين المظهر وتختزنه سريرتك الصلبة. هذا النضال والاجتهاد لايمكن ان تحتويه الكلمات، بل وتعجز عن تصويره وتعديد مناقبه الذاكرة !
فماذا أقول لك عن نضالاتك الطلابية وانت على اعتاب المرحلة التعليمية الثانوية.. تلك التى قدتها انت وزملائك حسين بيومى السائح وعبدالله عبد الكريم الجاك وزملائكم فى قيادة تنظيمات الجبهة الديمقراطية.. وتلك التى واصلتها فى جامعة الخرطوم بقيادتك فى اتحاد جامعة الخرطوم ممثلا لها مع زملائك..وفى قيادتك فى رابطة الطلاب الشيوعيين المتحالفة معها فى تناسق تام مع الحركة الطلابية بعيدا عن العنف..و قدمت مثالا حيا للحركة الطلابية النظيفة المسالمة فى نضالها من أجل تحقيق آهداف وأحلام الشعب والوطن، فى تخريج جيل من القادة الذين تحملوا هذا العبئ منذ الاستقلال.. والحفاظ على هذا الصرح التعليمى العظيم، والمنارة التى لاغنى عنها فى نهضة وتطور البلاد ..
ماذا أقول لك أيها الاقتصادى البارع ، ورجل الخدمة المدنية العريقة.. وقدأهلتك خبراتك ومفهومياتك لقيادة وزارة المالية وكيلا لها متعاونا مع العديد من الوزراء، منهم السيد سيد احمد طيفور وزير الانتفاضة 85 والسيد عمر نور الدائم وآخرين -عليهم الرحمة .. فلم تكن هناك “دولة عميقة” كالتى تحدث عنها وزير المالية الاسبق فى الحكومة الحالية..فلا تجنيب ولا بترول ولامعادن أو ذهب. كما عملت فى قيادة الخدمة المدنية كادارى اولا، وكوزير لوزارة الخدمة والاصلاح الادارى وفى فترة البرنامج المرحلى تحت حكومة الصادق 1986- 1987 لاحقا..هذا بعد دورك الكبير فى نضال الشعب من اجل استعادة حريته وديمقراطيته فى ثورة اكتوبر 64 الظافرة، وانتفاضة ابريل 85 العظيمة التى يحتفل بها ثوار ابريل هذه الايام .. ولا أنسى تمثيلك للخريجين والمهنيين فى البرلمانات الديمقراطية..
ماذا أقول لك، وقد اوتيت من الوعى والحكمة والتجرد بحيث لم تخلط آراءك السياسية او انتماءاتك الحزبية فى تعاملك، أو تسمح لها بالتاثير على مسيرتك وعملك كرجل خدمة مدنية..وكقائد فى طليعة القوى الوطنية والتنظيمات الدمقراطية المتعددة الانتماءات..فالحياد كنت انت، وقدراتك كانت الاساس فى تقدم وسلاسة مسير الخدمة المدنية ، بالذات فى المواقع التى عملت بها كوزارتى المالية والتخطيط الاقتصادى، مدافعا عن استقلالية وحيدة وقومية الخدمة المدنية..
ماذا أقول اذ أن الحقل الرياضى ايضا كان قد وجد نصيبا من عطائك وخبرتك، يا ابن بحرى البار. سوف يفتقدك الرياضيون، وتفتقدك المنتديات الرياضية.. ونفتقد روحك الرياضية، وسماحتك، وقفشاتك الدعابية التى لا تتقاطع، مع حزمك وعزمك وجديتك..
لقد كنت مثالاللشيوعى الجيد الملتزم، والقائد الذى يعتز بسودانيته، ويعمل من أجل وطنه وشعبه..أفنيت زهرة شبابك فى كل ماقمت به من اعمال، وما حققته من انجازات فى فى العديد من الاوجه.. بل كنت متمنيا وتعشم فى تقديم المزيد لوطنك السودان، رغم ما تعرضت له من مثبطات، وماعانيته من جراء ذلك من فصل واعتقال وتعذيب.. وانت من كان يشغل دلك المنصب السامى فى الخدمة المدنية، وفى وزارة المالية، مع مساعدك موسى ابراهيم وبقية الفريق من اركان حربك، الذين ايضا قد امتدت لهم يد التشريد والاعتقال والتصرفات التى لا تمت بصلة لهذا الشعب..تميزتم بالشفافية والامانة فى العمل، وطهارة اليد واللسان، لا فساد ولاإفساد ولا تفريط فى مصلحة المواطنين أو لعب بمقدرات البلاد..
ما استوقفنى هنا، تفانيك واصرارك الاستمرار فى نهجك فى خدمة قضايا الشعب.. حتى بعد ان قذف بك جهاز الامن فى الشارع بعد اهانتك و تعذيبك، بالدرجة والصورة التى اخفت ملامحك ولم يتعرف عليك صديقك المهندس محمود بشير جماع وزير الرى الاسبق، والذى التقطك لينقذك بعربته حتى المنزل !
ماذا اقول لك – وانت على الرغم مما عانيته – كنت تصر على مواصلة عطائك، غير : ” إذا كانت النفوس كبارا، تعبت فى مرادها الاجسام “.. نم مرتاحا فى قبرك فان من تعدى عليك هم الاقزام !
يا الهى ! لقد تذكرت اننى عندما قابلتك قبل سنوات، ذكرت لى انك تفكر فى اصدار كتاب تعكس فيه كل خبراتك وانجازاتك، لتستفيد منها الاجيال القادمة وتقتدى بها. لا أريد أن أسال، ولكن أتمنى ان تكون قد وضعت ولو القليل عن ذلك فى مذكراتك، وقد كنت قد ذكرت لى تفاصيل ما تم لك من مضايقات و تعذيب بواسطة جهاز الامن..
العزاء الحار لنا ولجميع افراد الاسرة، العزاء للاخ الكريم محجوب محمد صالح، ولكل الاهل والاصدقاء وللشعب السودانى فى هذا الفقد الكبير، والمصاب الجلل..والبركة فى ذريته وزوجته المكلومة..و ” انا لله وانا اليه راجعون “.. (صدق الله العظيم).
هاشم محمد احمد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..