الفريضة الغائبة في مواجهة النظام

بسم الله الرحمن الرحيم
جربت القوى المعارضة للنظام كل الأسلحة التي أتيحت لها في مختلف جولات النظام والمعارضة منها ما هو متصل حتى تاريخه ومنها ما تجاوزته الأحداث..فقد اختلف زخم كل منها ..فالعمل المسلح على اختلاف الآراء حوله شهد مداً وجذراً وفقاً لمجريات الأحداث والظروف المحيطة..وهو ما زال متواصلاً من قبل مكونات الجبهة الثورية..والعمل السلمي بدوره شهد نفس وتائر الصعود والهبوط في الخط البياني..من مفاوضة للنظام أطواراً ومقاطعته أطواراً أخرى..وقد كان لكل منهما دور متكامل في الضغط على النظام من جهة ..وتعريته من جهة أخري..في موازاة ذلك كان العمل الابداعي والذي شهد نفس الصعود والهبوط..ولو أنه شهد انحساراً واضحاً بع أن غيب الموت فرسان الشعر المتمثل في شاعر الشعب محجوب شريف..والفارس الراحل حميد..لكن أنشطة الآخرين ظلت متباعدة على قوتها مثل القدال وهاشم صديق والذي يحمد له احياء هذا الجانب من آن لآخر..وبقية التجارب من كبار الشعراء تحديداً في العامية الأكثر تأثيراً على القطاع العريض تكاد تختفي وتكون موسمية..أما الفصيح فلا تغفل مساهمات الأستاذ فضيلي جماع وتأثير الفصيح عموماً لا يقارن في جماعيته على العامي..ويكاد فن الكاريكاتير محصوراً في إبداعات عمر دفع الله..وربما تكون الصحف الاليكترونية مثل الراكوبة وغيرها ومواقع التواصل الاجتماعي صاحبة القدح المعلى في ذلك ..كونها المواعين التي تحمل كل أنشطة القطاعات السابقة..ولكن أضعف الحلقات هنا يتمثل في النشيد والغناءالوطني المعارض للنظام..فبالمقارنة مع معارضة نظام مايو الذي كان مجرد دعوة وردي أو محمد الأمين لأنشطة الروابط والاتحادات الطلابية في الجامعات يعطي زخماً كبيراً خاصة في ظل ريادة الطلاب للعمل المعارض عكس الواقع الموضوعي الآني الذي صار نشاط الطلاب ذا كلفة مباشرة على اقتصاديات الأسر بعد تحملها نفقات الاعاشة على أقل تقدير دعك من الكتب وغيرها ..ذلك عكس تحمل الدولة لتلك في عهد مايو..لذلك كانت أخبار تحرك الجامعات مصدر فخر للأسر رغم القلق..أما الآن فأصبح مصدر إزعاج وهم ّلزيادة الكلفة على جيوبها..وهذا من أخبث سياسات النظام في التحوط من معارضة الطلاب..
وإذا دلفنا إلى ما عنونا به المقال يجدر بنا الوقوف على بعض طبائع النظام في هذا المجال ..فقد بدأ النظام اصولياً في كل ما له علاقة بالغناء حتى خفنا على تراثنا المحفوظ في الإذاعة..والكل يذكر كيف تم إيقاف كل ما فيه ذكر للخمر مثلاً..ولم يكن موقف دعاته مختلفاً عن السلفيين..مع التجوز في النشيد والمديح..والذي كان لقلة مبدعي الحكومة ..دوره في انتهاك حقوق الملكية الفكرية بسرقة الالحان من الأغاني وتلبيس المديح والأناشيد فيها مثل( يا سودان هنيئاً المسروقة من دنيا الريدغريبة) وعشرات الأمثلة الأخري التي يمكن اعتبارها سرقة بالاكراه للقمع المصاحب في البداية..ولكن الأغنية العاطفية قد انتصرت على سياسات النظام حتى وصلت درجة الانفلات ..ولو أنها نتاج موضوعي لصفة أخرى للنظام وهي الرأسمالية الطفيلية..فإذا كانت الرأسمالية تسعى إلى التملك ..فقد كانت الرأسمالية الطفيلية رائدة استهلاك هذا المنتج..والذي صنع نجوماً ذوي وضع اقتصادي مميز من المغنين..ولكن ظل النظام مفلساً في هذا الجانب مع مفارقة غريبة..هي أن انهماك الحركة الاسلاموية في صراع السلطة والمال..جعل الفكر السلفي هو العائد للسيطرة على مجال الدعوة..والحرب على الفنون..حتى اضطر رئيس النظام في بعض الأحيان للتدخل شخصياً كما حدث في برنامج أغاني وأغاني.غير أن الرأسمالية الطفيلية لم تكتف بالاستهلاك فقط ..بل السعي إلى تملك تراثنا الغنائي داخل مواعين النظام حسب حاجته مثل تبني مهرجانات الغناء والتسوق وليالي العاصمة المثلثة لاستغلالها لإلهاء الشعب وامتصاص آثار الضيق البين في الأوضاع..وأصل هنا إلى حقيقتين هامتين في تقديري وهما؟
1/ عدم تحمل النظام لأي مظاهر للفرح والابتهاج والاحتفال خارج إطاره..ونشر ألف فرد مباحث كما أعلن في احتفالات رأس السنة بدعوى محاربة الظواهر السالبة أقرب دليل على ذلك
2/فقر النظام وعجزه عن انتاج أي إبداع ذا بال يناسب شعاراته طوال سني حكمه..دعك من ضعف قدرته على انتاج فقه يعارض ما لدي الفكر السلفي المسيطر في راهن النظام هذا.
تأسيساً على ما سبق فإن أهم أدوات المعارضة الممكنة للنظام تتمثل في الغناء الوطني القادر على الانتشار لدي أوسع نطاق..حيث أن غياب فنانين مؤثرين بعامل الوفاة ..قلل تأثيرهم..أما الكورالات الموجودة ..فهي صفوية وبعيدة عن ذائقة الجمهور الأعرض..
والذي لا يجب حصره في الجامعات وخريجيها..وإذا قرئ هذا مع غياب فضائية للمعارضة..يكون الواقع أفدح.
عليه أرى أن يكون العلاج في التعامل المباشر المضاد للحقيقتين أعلاه كما يلي:
1/ انتاج اناشيد بكلمات وألحان بسيطة تتجنب الإطالة ليسهل انتشارها..ولن يعفي التاريخ فنانين معارضين من عدم الاسهام وانتظار الغناء لانتصار الثورة دون العمل لها.ولفناني الشباب البعيدين من احتواء آليات الرأسمالية الطفيلية دورهم الرائد والمطلوب
2/ تنشيط مجالات الأنشطة الترفيهية خارج إطار أجهزة النظام..فأداء أغنية وطنية أو نشيد في الميدان العام أوقع أثراً من مخاطبة مهما كانت جهتها كذلك في الجامعات والمدارس..وانتزاع هذ الحق وتعدده سيورط النظام في الاستخدام المفرط لقانون النظام العام .. إضافة للعمل على إنشاء إذاعة للمعارضة لإذاعة هذه الأنشطة..حتى تتمكن من فضائية..فهل تنشط الهمم وتتعدد المساهمات فيما هو متاح مثل اليوتيوب؟ أتمنى ذلك.
[email][email protected][/email]