عميد الجالية الهندية في السودان: نقوم بعمل سري في السودان منذ (50) عاماً.. وهؤلاء من أطلقوا عبارة “الفيلم هندي ولَّا ناكل باسطة”

لأكثر من ثلاث ساعات طوَّف عميد الجالية الهندية شاندو لال في تذكر سنينه الخوالي في السودان، بدأ حديثه أمام جمهور منتدى “كباية شاي ” بمقر صحيفة “التيار” ليلة أمس الأول “الخميس” منبهاً إنها من المرات القلائل التي يتحدث فيها مع الجمهور وطلب السماح في حالة كان الحديث غير منظم، وما هي لحظات حتى بهر (شاندو) الحاضرين بسرد تاريخي دقيق وذاكرة وبديهة حاضرة.. وإلى التفاصيل:

الخرطوم :نورالدين جادات
نظام إداري دقيق
شاندو استرسل : نجاح المشاريع في الهند يرجع إلى المراقبة والمراجعة اللصيقة فتجد أن مدير البنك يراقب العملاء ويخبرك أنك قد صرفت في هذا الشهر كذا وإذا شعر بأنك في مشكلة يبادر لك بمشاركتك في حلها سواءً أكان عبر عقود أو تمويل، كنا نستعجب فهو فقد يسألك المدير عن حاجتك إلى سيارة بالأقساط عبر التمويل، ولاحقاً (يتلحوك) فقد يسألك كل 15 يوماً، حتى يطمئن على سير القرض في ما خصص له، وماهو أكثر من ذلك لايوجد مدير بنك يركب عربة فجميعهم يركبون الدراجات النارية المواتر، اللواءات في الجيش يتم ترحيلهم بـ(البيجو) أما العقيد والعميد فيركبون المواتر ولا يظهرون في الشوارع وهكذا.
جامعة الخرطوم
شاندو قال إن هناك أكثر من 20 زيجة، تمت الآن بين الهنود والسودانيين، وذكر هاشم أحد المتداخلين أن جامعة الخرطوم خصصت إحدى قاعاتها لإطلاق اسم شاندو عليها، شاندو أضاف: تبرَّعت لجامعة الخرطوم بـ 3000 وتواصلت مع أحد المسؤولين بكلية الآداب وأخبرته بموافقتي على توصيل الكتب حتى الجامعة، عدد مقدَّر من الكتب كذلك تبرَّعت بها لجامعة الأحفاد فهي لها فضل على أسرتي وبنتي .
سر هنود أم درمان
أول هندي وصل للسودان كان في العام1857م، وكانوا في مناطق كسلا، القضارف، سواكن لا أحد منهم جاء للخرطوم إلا في العام 1898م، أول هنود جو من سواكن للخرطوم، في بداية الأمر احتاروا في تصنيفها هل هي دولة شرقية ولا غربية كلهم شغالين للجيش البريطاني، كذلك وجدوا معسكرات الجيش فلم تكن وطنية، لكن بمجرَّد أن زاروا أم درمان وجدوها مدينة بها أسواق وبيع وشراء، لذلك سكن جميعهم فيها، كثيروون يتحدثون عن تغيير أم درمان لكن في نظري أنها لازالت تحتفظ برونقها فنحن اتعودنا عليها مهما كان بها من حفر فهي بلدنا وعشنا فيها، ولم تتغيَّر الطباع ، فأنا مررت بتجربتي اغتراب في سعودية والكويت فقلت في نفسي، إن ما أواجهه في هذه البلاد لا علاقة له بالعرب ولا المسلمين، الهند كذلك هي دولة مسالمة فالهنود لا يميلون للنزاعات والمشاكل، فهم غير متعصبين فالهنود المتزوِّجين من سودانيات يأتوا إلينا في بيوتنا وياكلوا ويشربوا ونسائنا يعلموهن العادات والأكلات الهندية، فالتعصب هو أس المشاكل وهو البجيب المشاكل، حسب تقديري الشخصي، مشكلتنا في السودان
نعمل الأشياء ولا نحافظ عليها فيجب أن يتغيَّر سلوكنا هذا، أما فيما يخص السينما ففي السابق كان الأطفال الذين يعملون في الشوارع في مهن جانبيه من مسح الأحذية والبيع المتجوِّل فهم يتجوَّلون في أم درمان وفي الفترات المسائية إما يذهبوا لحضور فيلم هندي في السينما وفي حالة توقف السينما يشترون بقيمة الفيلم (باسطة) ومن هنا جاءت المقولة (الفيلم هندي ولا ناكل باسطة).
فالهند دولة عرفت بالسينما وإنتاجها الغزير لذلك تجد الإقبال عليها كبير جداً في الهند، حيث تكون السينما مزدحمة باستمرار، فالعدد الكبير يتوجب عليك التنوع، فهناك مسرح باللغة الإنجليزية ومسرح بالعربية ولغة الأردو، عدم وجود مهتمين في السينما هنود بالسودان أثر في عدم إنتاج أعمال، فالجالية في السودان صغيرة جداً جداً، الجالية في أم درمان يبلغ عددهم ألف و400 هندي، في بورتسودان حوالي 80، في الدامر 5، القضارف 3، في بعض المدن كانت أعدادهم كبيرة، لكن الظروف الصعبة أجبرتهم على العودة لبلادهم، كذلك نجد الاحتفال بالتراث السوداني من قبل الهنود موجود فهناك هنود كانوا بالسودان موجودين -حالياً- بأمريكا يحتفلون بأعياد السودان من عيد رمضان، ومن لندن يطلبون منا إرسال المنتجات السودانية من جبنة وآبري وغيرها، فهم منتسبين للسودان بشدة.
تأثير ولكن!
شاندو أضاف: هناك أمور كثيرة تساءل عنها الناس على رأسها المحرقة، فهي فعلاً موجودة وليست في الهند فقط الهنود أكثر كمية، فهناك الصينيون ومئات الكوريين وجزء كبير من الأروبيين، والسويسريين وأو الألمان، جزء من التعاليم الهندية كان بوذا، فهو هندي ويفتخر الهنود كذلك بأنهم لم يخرجوا لغزوا أحد بالسيف، بل غزوه بالفكر وهو الفكر البوذي من الهند لبورما، البوذيون في العالم الآن يقارب عددهم الـ(2) مليار، لازال ذلك ممارس قراية وفكر .
أنت هندي ولا شنو؟
الطرفة التي يتداولها الكثيرون (أنت هندي ولَّا شنو)؟ أول مرة أسمع بمثلها كان في الأفلام المصرية ( ليه فاكرني هندي) اليوم بعد 50 عاماً، هناك من يرددونها وهي لا تدل على شيء. السودانيون لا نجد منهم غير الاحترام لكن عدد من الهنود غادروا السودان لأنه يحتاج لتعويدة فهم من مومباي ودلهي يعيشون في وضع أفضل من ذلك.
ماذا عن التميُّز؟
شاندو يضيف: في محور آخر نجد أن العدد الكبير للمواطنين في الهند يجعل المنافسة صعبة جداً لما أنت في دولة تعدادها كبير أن لم تكن الأحسن فسترهق ولن تستطيع العيش، لذلك تربوا على العيشة الكمالية من ناحية أخرى الهند فطنت أن الإنجليز تركوا في الهند أشياء ممتازة فهم من قاموا ببنائها وطوَّروها من سكة حديد وغيرها، ففي السابق كان السودان يبتعث الفنيين في مجال السكك الحديد للهند، الآن هناك 6 ملايين نسمة، موظفين في السكة الحديد، في إحدى المرات قابلت طبيب شهير يدعى دكتور قلندر، فذكر لي أنه في إحدى المرات كنا نحتاج لخبير أمراض جلدية فلما صدر الإعلان بذلك وقع الاختيار علي هندي عمره 60 سنة، لم يتم تعيينه في الرياض، بل تم تعيينه في الأقاليم البعيدة وعمل لفترة قضى عامين وفي العام الثالث تحدث مع إدارته بأنها آخر سنة له وسينتقل إلى بلده، بعد البحث اتضح أن الطبيب يتقاضى أعلى مرتب في المنطقة ولايمكن زيادته، لذلك تم التواصل مع الأمير الذي وافق على زيادة راتب الطبيب من مخصصاته، لكن الطبيب خاطب وزارة الصحة بقوله من فضلكم أنا طبيب وزوجتي طبيبة، أنا وزوجتي قررنا نبني منزل لنا في الهند ونستطيع أن نصرف على الأولاد ومدارسهم، لكن لا نستطيع فعل بناء بيت ونحن نعمل في الهند، لذلك أنا لست بحاجة إلى زيادة الراتب، شكراً لكم ولكرمكم. في إحدى المرات أنا ذهبت إلى السوق، فقالت لي إحدى البائعات: إن الهنود من الصعب جداً أن يشتروا فهم يتسوَّقون ويقلِّبون البضاعة، لكن دون أن يشتروا شيئاً قلت لها، إن الهنود يعرفون جيداً قيمة القرش فالأسر تعيش بأقل مايمكن وتوفر من ذلك.
فتجد أن التاجر يلبس سفنجة وبنطلون واحد ويكون يحمل القروش، لكنه حريص على قضاء أموره وديونه .
تفوُّق
شاندو قال: في ذات مرة كنت في زيارة لبنك النيل المشرق بالخرطوم فوجدت 3 هنود عند سؤالي عنهم ذكروا لي أنهم مبعوثين من رئاسة البنك فهم خبراء لتغيير الشفرة من (نورمل) انترنت لكود لتعامل بنكي، مع العلم أن البنك أصحابه عرب، لكن نجدهم أتوا جاهزين للخليج بعلم كافٍ.

تعلم اللغة
فيما يختص بتعلم اللغة فالهنود غير متزمتين فهي لغة واحدة تسمى اللغة الهندية ومعظم شعب الهند يفهموها، أما فيما يخص التعليم فإن أي تعليم فني أو قانوني أو علوم المراجع فهي بالإنجليزي، لأن مسألة التعريب كانت ترتبط بتناول الفائدة من ذلك، فإذا عرَّبنا فإننا نكون علمنا أبناءنا وأصبحوا خبراء في العلوم لكنهم صالحين فقط داخل الهند ليس خارجها، لكن اللغة يتم تدريسها في كل المدارس، فهنالك 27 لغة، معترف بها وآلاف اللهجات وكل منطقة تعلِّم لغتها لأطفالها، إضافة لـ(الإنجلش) مع العلم أن هنود السودان يتحدثوا (قجراتي)، فأنا والدي كان يقتطع زمناً غالياً لتعليمي اللغة ساعتين حتى تعلمنا الأساسيات وانفتح علينا الحديث باللغة الهندية.

فاللغة لو اتشبعت بها منذ طفولتك ستحبها، قبل فترة ذهبت إلى المركز الفرنسي لتعلم اللغة لأني كنت فاضي ما عندي شغلة فذكرت لي إحدى المسجلات عن لماذا أتعلم اللغة في هذه السن؟ فقلت لها: مابقيت من حياتي سأمارسها وبعد فترة ذهبت لها اتحدث الفرنسية وأخبرتها أني علمت نفسي فتفاجأت وقالوا لي إذا أردت منحة فيمكن أن نوفرها لك فشكرتهم وطالبتهم بتقديمها للشباب.
شاندو ذكر: المجتمع العربي غير معد لمسألة التسويق والبيع والشراء، فأنا أردت كتاباً واتصلت عليه من السودان وأخبرته أني سأحوِّل المبلغ ويرسل لي الكتاب، فقال لي هذا (ما يضير) حتى جئت لأبنائي وطالبتهم بالبحث عنه ووجدته لاحقاَ.
السودان والسياسة
نحن سودانيين بالميلاد وجميعهم مواطنين بالميلاد، ففي السابق كان القانون بأن أي شخص يثبت أن والده دخل قبل سنة 24، يُعطى الجنسية بالميلاد، تم تعديله بأن أي شخص في السودان قبل 56 يُعطى الجنسية بالميلاد كذلك، أما فيما يتعلق بالعمل السياسي فقد اجتمع أجدادنا قبل استقلال السودان كبار الجالية قالوا نحنا أقلية مافي واحد يعمل في السياسة، لأننا لن نستطيع التأثير على شيء وستسبب لنا مشاكل إذا كنا محزَّبين، وحتى الآن مافي هندي منتمي لحزب في السودان وانتماؤنا للوطن الكيان.
على مدى كل السنين التي قضيناها بالسودان هناك حركة في السر ومن دون علم عبر زيارات ننفذها كل أسبوع لدور دور رعاية المريضين عقلياً، المسنين في ميدان عقرب، المسنات في السجانة، دار البنات فاقدات السند جوار دار المايقوما، ولم يتغيَّبوا منذ (50) عاماً، وذلك أقل مانقوم به تجاه المجتمع.