الشرف السياسي.. والنفط

زمان مثل هذا

الشرف السياسي.. والنفط

الصادق الشريف

? قضية رسوم النفط بين الشمال والجنوب ركبت الطريق السريع.. الطريق المؤدي إلى الأزمات.. تلك الأزمات التي تأتي بالوصاية الدولية.. ليس لصعوبة التوصل لاتفاق بشأنها.. ولكن لسببٍ رئيس.. ثمّ سببين فرعيين. ? السبب الفرعي الأول هو اعتماد المدخل السياسي بديلاً للاقتصادي لفهم المشكل والتعامل معه.. وفي هذا المدخل تختلط صراعات الإرادات السياسية للطرفين بمشاعر قديمة يعتقد كل طرفٍ من أطرافها أنّه سيفقد (شرفه السياسي).. إذا تنازل للطرف الآخر عن دولار واحد. ? كما أنّه ليس صحيحاً أنّ الطرفين يحتاجان لحلّ مشكل الرسوم بصورة عاجلة.. فقضية النفط لا تمثل أساس بقاء أيِّ من الطرفين في سلطتيهما.. وهذا هو المهم.. فالجنوب لا يملك أيّ موارد على الإطلاق.. على الإطلاق.. سوى موارد النفط.. والسؤال بالنسبة له (أن يكون أو لا يكون).. لكن ليس بمعناه الاقتصادي بل بتوابعه الأمنية. ? فدولة الجنوب الوليدة ليست مسؤولة مسؤولية كاملة تجاه مواطنيها.. بمعنى أنّها لا تقدم لهم خدمات تعليمية وصحية ومياه وكهرباء.. ولا يعتقدنّ أحدٌ أنّها (ملوية اليدين).. وتحتاجُ عاجلاً إلى أموال النفط لمقابلة تلك الخدمات.. كلا.. فالجنوب يحتاج نفطه لدعم مجهوده الحربي.. وصنع (الجدار العازل) أمنياً حول جوبا والمدن الكبرى.. ولا يحتاج عائدات النفط لتنفيذ مخططه الاقتصادي.. لذلك يستطيع أن يصبر.. ويصابر.. حتى آخر رصاصة في مخازن الجيش الشعبي. ? الأمرُ مشابه هُنا.. فالحكومة وبسياسة التحرير أصبحت غير مسؤولة بصورة مباشرة عن الشعب.. بعد أن تحررت من كلّ القيود الخدمية التي تربطها به.. وأصبحت (تاجراً) يبيع السكر والكهرباء والمياه والمحروقات للمواطنين.. ويتربح في تلك السلع.. التي هي في الأصل (خدمات). ? ومع ذلك فحكومتنا السنية تعودت على الصرف.. لا سيّما الصرف السيادي. وتعتقد اعتقاداً جازماً بأنّ الصرف السيادي (وحفظ هيبة الدولة).. هو الذي يبقيها على قيد الحياة.. وليس رضاء المواطنين بالخدمات المقدمة إليهم (والتي يشترونها بحرِّ مالهم). ? لهذا فـ (دولتا السودان) ليستا في عجلة من أمرهما لحسم قضية رسوم البترول.. فَـ بالنسبة لهما (الفورة مليون) على سياق النكتة الشهيرة. ? على هذا فإنّ إعلان حكومة الجنوب بإغلاق التصدير في غضون أسبوعين.. لا يعدو كونه (بالونة اختبار).. لمعرفة ردّ فعل الطرف الآخر.. وذات القياس يجري على تصريحات مسؤولي الشمال بموافقتهم على إيقاف التصدير. ? السبب الفرعي الآخر هو أنّ قضية النفط ما زالت ترتبط بقضيتي (الحدود وأبيي).. والجنوب يعتقد انّه إن توصل لاتفاق حول البترول.. لن يملك (كرت ضغط) على الخرطوم فاعل في ذينك القضيتين. ? أمّا السبب الرئيس فيحكي عنه التاريخ.. لأنّه امتدادٌ له.. وهو ذلك القدر القوي الذي يجعل السياسيين السودانيين مشدودين إلى تاريخ حافل بإدمان الفشل.. قدر لم يستطيعوا منه فكاكاً.. كأنّما النجاح هو إساءة لذلك التاريخ.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..