(ينابيع)

الحقيقة حلوة مَرة
محيي الدين حسن محيي الدين
من هو صاحب المثل أو المقولة الشهيرة (الحقيقة مُرة)؟.. ومن أين جاء وخرج إلينا بها؟.. وكيف لنا أن نؤمن بهذه المعادلة المجافية للحقيقة؟؟!!.. كيف تكون الحقيقة كذلك؟؟.. وكيف يكون الليل نهاراً والنهار ليلاً؟.. كيف نرى البياض سواداً، والسواد بياضاً؟.. كيف نرى المرأة في ثوب رجل.. والشيخ صبياً؟.. كيف نلبس الكذب جلباب الصدق ونلوّنه حسب أمزجتنا بلون أبيض وآخر أسود؟!..
الكذب هو الكذب مهما تلون بأزهى الألوان، والحقيقة هي الحقيقة ولكنها على الدوام تظل (حلوة مَرة).. ولو أصر غيري على أنها مُرة.
لا أدري لماذا ـ دائماً ـ أسبح ضد التيار؟!.. لماذا تقع عيناي من أول وهلة على الشوك قبل الندى عند رؤية الورود والأزهار؟ّ.. لماذا قلمي سيّال وميّال إلى النقد أكثر من المدح والإطراء؟؟!!.. لا أملك إجابة قاطعة، غير أني أحب التفاؤل والإيجابية وأكره التشاؤم والسلبية وأبحث عنهما بكل حواسي محاولاً التخلص من هذه الشوائب والطفيليات الضارة من حولنا..
مذ كنا أطفالاً وحتى يومنا هذا يتفاخر الأطفال بأن والده أكبر سناً من عمه أو (سين) من الأقارب.. ووالدته أكبر من خالته، أو (صاد) من الجارات حتى لو كان عكس ذلك.. ويتفاخر (زيد) من الأطفال بأنه أكبر من (عبيد).. و(هند) بأنها أكبر من (هاجر).. ولا تقبل (رباب) إذا قيل لها أنها أصغر من (رحاب) جارتها الباب بالباب أو قريبتها (مآب) ببري اللاماب.. حتى الآباء كانوا يزيدون في عمر أبنائهم ليتمكنوا من تسجيلهم في المدارس مبكراً!!.
بعد سن المراهقة أو مرحلة الشباب الأولى يحدث النقيض.. فلا أحد يملك الجرأة والشجاعة بأن يبوح بعمره الحقيقي.. ولو بدت عليه علامات وخطوط التجاعيد ويلحظ ذلك من عينه به رمد.. وعلامات الوهن والمرض قد أخذت ما أخذت، واشتعل رأسه شيباً.. يصر ويتمسك بأنه ما زال في ريعان الشباب إن لم يكن في عمر الزهور.
البحث الدائم عن الشباب والنضارة بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة في مجتمعنا العربي تحديداً أصبحت غاية وليست وسيلة.. الفنانون والممثلون واللاعبون ليسوا وحدهم من ينكرون حقيقة أعمارهم، بل ينطبق ما يسمونه (الحقيقة مُرة) وما أسميه (الحقيقة حلوة) على كل فئات المجتمع، رجالاً ونساء.. شيباً وشباباً.. كتّاباً وأطباء.. علماء وجهالاً.. ساسة ومهندسين وصحافيين.. إلخ، وبعضهم لهم (صور ثابتة) لا تتغير في الوثائق الرسمية وفي الإعلام بكل أنواعه وأشكاله.. صور عمرها تزيد على السنوات العشر لا تكبر شخصياتهم إن لم تصغر.. مع أن العرف والقانون لا يقران بالصور القديمة ويلحان ضرورة تحديثها كلما تطلب الأمر من تجديد الثبوتات المهمة.. الأمر لم يقف عند هذا الحد بل تعداه إلى الإضرار بالصحة مع سبق الإصرار والترصد عندما يخفى العمر الحقيقي للطبيب المعالج.. وما الزحف الخطير والكبير في ارتياد العيادات التجميلية وما يحدث بها من شد وجذب وزرع وحصد وشفط وتكبير وتصغير وحذف وإضافة وتفتيح وتعتيم وتفليج وتضخيم وتنحيل وتنحيف إلا هروب من الحقيقة الحلوة قبل أن يكون مهلكاً للأموال والأبدان.. وأثبتت كل التجارب العلمية أن الإضافات والمركبات الكيميائية لإبر وأصباغ ومساحيق التبييض بها نسبة عالية جداً من المواد المسرطنة.. لماذا نستعيض جمالاً مؤقتاً بأمراض فتاكة ومميتة؟؟!!.. والله خلقنا في أحسن تقويم وأحسن صورة ولو أراد لجعلنا أمة واحدة وبلغة واحدة ولون واحد وطول واحد وعرض واحد وحجم واحد وجمال واحد..
لا أدري لماذا نخاف من أعمارنا الحقيقية حتى بين (الزوجين) وقد أفضى بعضنا إلى بعض ربما لأكثر من نصف قرن يوجد تزوير واضح وفاضح.. وعندما يسأل فلذات أكبادنا ببراءة عن أعمارنا نجيبهم ولكن بعد تردد وتخفيضات قد تصل إلى (50%)!!.. هل الخوف نابع من أن متوسط أعمارنا بين الستين والسبعين وان أي زيادة تقربنا إلى الحفرة التي نرجوها أن تكون روضة من رياض الجنة.. ماذا نستفيد من إنكار الحقيقة والتسويف وخداع أنفسنا بعدم ركوب القطار والتزود بخير الزاد وأن نمكث طويلاً في محطة الشباب الدائم التي لا يجب مغادرتها إلا في غفلة.. وما أخطر هذه الغفلة..
وأعود ثانية وأقول يجب أن نعترف بأن الحقيقة (حلووووووووووة) مَرة وليست مُرة كما تعتقد وكثيرون معك!! وكل عام وأنتم بألف خير بمناسبة قرب قدوم شهر رمضان المبارك.. وما المشروب المفضل لدى السودانيين (حلو مُر) لا يحمل عندي من اسمه إلا الجزء الأول.
** خطوط حمراء: من صفات المنافقين الذميمة إذا خاصم فجر.. لماذا دوماًُ نحقد حتى على الجد والوالد والولد والأخ والعم والخال.. الجدة والوالدة والبنت والأخت والعمة والخالة لو تميزوا عنا ولو بشيء يسير كما حدث للدكتور جمال الوالي أكثر رؤساء الأندية العربية شعبية من بعض الرموز المحسوبة على الرياضة السودانية؟؟!!..
** كلام من دهب: مسؤول يوقف صفقة مشبوهة لتوريد (600) جرار زراعي لدارفور.. نريد أن تكون عيوننا مفتحة دائماً..
** كلام من خشب: مصرع 12 سودانيا في مطاردة بين مهربي بشر وحرس الحدود الليبية، تم التعرف على سبعة وثلاثة مجهولين وخمسة يتلقون العلاج وبعضهم لا يحمل أي ثبوتات أتساءل من المسؤول؟!
ـ وأنا أهم بختم مقالي أيقنت بما لا يدع مجالاً للشك بخطئي وتوهمي بأن الحقيقة حلوة.. لأن اختلاف الرأي وقول الحقيقة خاصة مع من بيده القلم كارثة محدقة وهنا تعتبر الحقيقة مُرة ومُرة جداً جداً جداً.
[email][email protected][/email]