ثقافة وآداب، وفنون

صديقنا الغارق في غفوته الأخيرة

صديقنا الغارق في غفوته الأخيرة
(1)
يا سادنَ المحبّة،
محمد المكيُّ إبراهيم،
يا ابنَ مدينة الأبيّض الغرّاء، “فحل الديوم”،
وابنَ حيّ القُبّة،
حفيد سيدي الوليِّ إسماعيل،
سيد الضريح، صاحب الرايات
في ألوانها التُّقَى، تيّاهة، ومُشْرَئِبَّةْ،
مقرُّ الأولياء الصالحين، الصادقين رغْبَةً
والخاشعين رهْبَةْ!
أهل الذكر والقرآن،
والمدائح الرقراقة اللحون،
في الحياض العذْبَةْ،
بين الحمائم الوَرْقاءِ، والبَلَوْمِ،
والعنادل المُنْكَبّة،
ترشف من كؤوس خمرة التصوف المعتَّقِ
المَمْزوجِ باللُّطْفِ وبالأناقَةِ المُنْصَبَّةْ!

(2)
وَهْجُ العذوبة في الشِّعْرِ أغْفَى
ونَهْرُ الرشاقة في اللفظ غاضْ!
وصَوَّحَ دَوْحُ الأغاني
وكنْتَ تُغَنِّي لمستقبل الجيل،
ذا مستقبلُنا، وقد صار ماضْ!
حاصرَتْنَا الكوابيسُ مِنْ كُلّْ فجٍّ،
فلاَتَ اغْتِماضْ!

فكيف الجزالةُ تَسْري
وتَرْوِي جفاف الحروف الغَوافِي،
وكيف حرير النعومة تزهو
وتكسو قوام القوافي
وقد أفرخ اليأس فينا وباض!

بلى،
يا أُثَيْلاتِ دوحتنا في الهجيرِ انْتَحِبْنَ،
ويا نخلَنا، والبساتينُ،
والزرعُ والضرعُ،
ويا باسقاتِ الفخامةِ أنْدُبْنَ،
غادَرَ الأيْكَ بُلْبُلُهُ، والبوم ينْعَبُ،
ما عاد يغشى الحبورُ الرياض!
إحْطَوْطَبَ الدَّوْحُ، وانفرط العقد،
وانهمر الجَدْبُ والمَحْلُ،
والخوفُ والرُّعْبُ، والحُزْنُ
زاد، وأرْبَى، وفاض!

أيُّهَا الشاعِرُ الضّخمُ،
مزّقنا الوَهْمُ،
شاخَتْ عرائسُ الشِّعْرِ يا سيدي
فاقْضِ ما أنْتَ قاضْ!

(3)
تدْنُو حِسانُ القصائد بين يديك،
على غَنَجٍ في دلالْ،
وتأتيكَ تَرْفُلُ، مختالةً في الحرير،
على فُرُشٍ مِنْ لَآلْ،
وتمْضِي على مَهَلٍ ناعِسٍ،
يغْرِينَنَا بالمقالْ!
ما بين صحْوٍ ولهْوٍ
وبعضنا ما يزال،
مضين كالطيف عَجْلى،
كالطَّيْفِ، أو كالخيالْ،
ترَكْنَنا في ذهولٍ،
وكُلُّنَا في خَبالْ!

ويُلْقَي علينا السؤالْ!
سفائنُ الشوق غَرْقَى
قَصَدْنَ عروس الرمال،
والسافياتُ مِن الرِّيحِ تَتْرَى،
هزّتْ هُبُوبُهُنَّ الجبالْ،
والنِّياقُ العِتاقُ غاصَتْ،
وساخَتْ سيقانُهَا في الكَلالْ،
ومالتْ بِهنَّ الظِلالْ،
والنُّجُومُ الحَيارَى توَارَتْ،
وقدْ أمْعَنَت في الضَّلالْ!
أيُّهَا التِّيهُ مَهْلاً،
ما بَيْنَ آلٍ وآلْ،
كُلُّ المَطايا عَطَاشَى،
وكُلُّ مَنْجَىً مُحَالْ!

خَفِّفِ السَّيْرَ، رِفْقاً،
بالحاملاتِ الثِّقَالْ،
فإنَّ مُهْجَتي في المَطَايا،
مخْبُوءَةً في الرِّحالْ!

(4)
يا حادي الركاب عندما الخطوب تَكْفَهِرُّ،
والنكوصُ سُبَّةْ!
يا ريِّقَ الغِناء بالتفاؤل الوضيء،
في حنادس اليأس الضرير
في اللَّيالي الصَّعْبَةْ!

يا صادِقَ الدُّعاءِ نَجْدةً
للمنتظرين الواقفين مُدّة.
عند الحواجز العنيدة المُمْتَدَّةْ،
مستقبلين جَحْفَلَ الضَّحايا،
وسطوة المنايا،
والموت بالشظايا،
والحِمَمِ المُرْتدَّةْ.
والذين أفْلَتُوا من الكمائن المُعَدّة!
الصابرين شدّةً،
والجاهزين عُدّةْ.
يواجهون الرعْبَ حينها، والرُّعْبُ جاثمٌ،
بِبَسْمَةٍ ووَرْدَةْ!
الراكزين موقفاً، والثابتين
عند محنة البلاء بالتُّقَى،
وبالمودة،
الصامدين شدَّةً، والجاهزين عُدّةْ!
أيمانُهم يقينُهُم، لا تعتريه رِدّةْ!

(5)
يا صاحبي
سبقتنا للخيّرين منزلاً،
فهل لنا من صُحْبة؟
هناك، حيث سيدي جمال، حيث شيخنا المجذوبُ،
حيث عبد الحي، والعليُّ المكُّ،
والصلاح والصديقُ، والنور والكمال والأحبّةْ
وهؤلاء النخبة،
كيف وجدتهم في جنة الفردوس،
حيث ما يزال من أريجهم يحفنا
ومن غنائهم يزفنا،
فصيروا لنا المنايا رغبة!

عالم عباس/ جدة/ 20/10/2024

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..