محمود عبد العزيز….فمن سيحرس الانهار فى عرس نهار الموت؟

محمود عبد العزيز….فمن سيحرس الانهار فى عرس نهار الموت؟
مجتبى سعيد عرمان
[email][email protected][/email]
تفجع معجبو الفنان الشاب محمود عبد العزيز برحيله الباكر ومع الفجر الفضى..ومحمود جاء فى ازمنة الإنهيارات الكبرى وصعود التيار المتأسلم للسلطة التى عملت على تلويث كل ماهو جميل, بدءا بالغناء الجميل الذى عملت أجهزة السلطة الإعلامية على تلويثه وهى العملية التى اطلق عليها ” التأصيل” وخصص لها مؤسسات وكادر وموارد مالية وبشرية. أيضا الراحل محمود عبد العزيز جاء مدفوعا بحلم ما يمكن ان نطلق عليه جيل المؤسسين فى مجال الغناء الجميل, من لدن جيل حقيبة الفن والتى إجاد أدائها وبشكل يدعو الى الإعجاب والدهشة وهو صاحب الحنجرة الذهيبة والصوت الندى. وعليه حاولت السلطة ومرتزقتها إحتواه وبشتى الاساليب- الترغيب والترهيب وهى الاساليب التى تجديها كما تجيد الكذب والتدليس ولكن اختار الشاب الممتلىء حيوية وفعالية ومقدرة على الثأثير الغير محدود إختار السباحة عكس التيار- وهو ما فشل فيه الساسة الذين يدعون معارضة النظام ولكن رأيناهم ناموا مع العدو وليس الجيش المهزوم..وهو الشعب بمجموعه واوجاعه واحزانه.
المدهش فى الامر أن اعلام النظام حاول تصويره وكأنه راهب وليس فنان تغنى بالغناء الجميل وعمل على ترديد اغانى معظم القامات الفنية فى سماء الإبداع السودانى- والإتجاه مؤخرا الى المديح( وهو شىء جميل بصوت محمود).. وسوف لن ينسى محبى الراحل محمود عبد العزيز المتاعب والمواقف التى وضعته فى عداء مع السلطة واخرها حادثة ود مدنى التى قضى فيها ليلة داخل السجن وذلك لعدم دفع غرامة تحطيم الجماهير للمسرح فى ود مدنى لعدم تمكنه من الحضور, وهذا المبلغ يمكن ان تدفعه السلطة لتوطين البدو والرحل السياسيين لتصنع كوم من أحزاب الفكة, دعك من جوكية البنوك الذى سرقوا مليارات الجنيهات وعملوا على تحطيم وتدمير الإقتصادى الوطنى وبيطار تقف شاهدا على حجم هذا الدمار…ومشروع الجزيرة العملاق الذى هوى ليس ببعيد عن الاذهان. وأيضا سوف يتزكر معجبى محمود وفنه وعارفى فضله حادثة الضرب التى تعرض إليها فى مدينة الفاشر وأمام جماهيره التى يحبها ويقدرها…وكم اعجبنى الموقف النبيل الذى قام به حينما تم إطلاق سراحه من سجن ود مدنى وأمره الضابط المسؤل بان يخرج من الباب الخلفى..فرد عليه ” أولادى” منتظرين منذ الامس بالخارج لذى ينبغى على رد التحية وبإحسن منها, وفعلا خرج إليهم وعانقهم عناق حارا ? عناق المحب للمحبوبة. وهذا ما يميزه عن ( مطربين) ومن نفس الجيل..أحدهم جاء الى إحد المهرجات المسخ الذى تقيمه السلطة..أظنه مهرجان البقعة محمولا على كرسى وكأنه فرعون زمانه..
والمتتبع للراحل محمود يجده أنه تقرب لجمهوره عن طريق المفردة البسيطة وملبسه البسيط الغير متكلف, لذا جذب إليه قاعدة عريضة من جماهير الشباب ومن الجنسين وهم ( أى تلك الجماهير) كما أسلفنا تشكل الجيل المفعم بالمرارة فى هذا الغسق المدلهم وبعد أن تركت الدولة الرسالية الارض مرتعا للنهب والفساد وتزوير الذاكرة الفردية والجماعية وذلك عن طريق تكوين فرق همها الاول والاخير غشل آدمغة الشباب والدفع بهم الى محرقة الحرب الاهلية والتى إزداد سعيرها مع بدايات التسعينيات, بينما شيوخ الدولة الرسالية تتمطق شفاههم ويسيل لعابهم لريع البترول المختلط بدماء المهمشون والجوعى …ويتتطاولون علينا نحن عباد الله المساكين فى البنيان( وبرضو وبنعمت ربك فحدث).!! علاوة على ذلك, تلك الجماهير كما عبر مصطفى حجازى هى من جيل الهدر, ومن جانبنا نضيف هو جيل سلبت منه انضر سنوات العمر..الكادح فى مراراته وجوعه وتشرده وحلم خروجه من الوطن المنتهب من قبل العسكرتاريا ورجالات الدولة الكبار( اظن انه لا يوجد كبير كما قال الراحل الدوش: كبير فى الحلة غير الله إنعدم) . والشىء الاخير وفى خضم إنتعاش التيارات السلفية التى حاولت وماتزال تحاول جر الشباب إليها فقد لاحظت التأثير الضخم لهذا العملاق وهو ما يعادل بالنسبة لى كل تأثير الحركات السلفية وتلفزيون السلطة الرسمى الذى يحاول جذب الشباب الى تلك الحركات وأسلامها الكار لآخرين, حتى لو كان هؤلاء الآخرين هم من نشروا الدين الإسلامى بتسامحهم وقربهم الى نفوس الضعفاء وحنيهم عليهم..وكيف لا فالمؤمن سمحا إذا باع واشترى..اللهم ارحم محمود عبد العزيز بقدر ما أطربنا فى صحراء الإسلام السياسى وعصور الإنحطاط والظلمات واغفر له بقدر رفضه الإغراءات والإنتهاوية التى تلبس لبوس الفن..وانزل عذابك على الافقاقين وملوثى حياة الشعوب ومداحى المتوكل. طيبت حيا وميتا.
( العنوان من قصيدة لعبد الوهاب البياتى- قصائد من المنفى)
محمود.. مفتون بيك.. ومفجوع عليك!
مزمل ابو القاسم
سكت الرباب قبال يقول كلماتو بي شوق يهمسا.. علمنا أشواق العصافير للمغارب والمسا
عامل كيف يا الخضرت مواسم الريد.. وداعاً الحوت.. ود البلد.. الطيب.. المتواضع.. الحبوب.. المبدع
* (سكت الرباب قبال يقول كلماتو بي شوق يهمسا.. لما النغم الكان بدغدغ فينا احساس واتنسى.. علمنا أشواق العصافير للمغارب والمسا.. سكت الرباب يا حليلو عاد.. حسو الحنين الما بقول همس الشفايف والعيون.. لغة الأصابع.. الرعشة ساعة يلمسا.. فقدت ليالي الشوق النجيم.. زيّن صفاها وآنسا.. أحبابنا كيف.. سائلين عليك.. قالوا الربابة يا ناس قست.. خلانا لي نار القسى.. وا خوفي من طول الطريق.. امشيهو كيف بين المغارب و المسا.. سكت الرباب).
* (سكت الرباب).. همد الجسم النحيل وصعدت الروح الطاهرة إلى بارئها.
*
مات محمود بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس بموهبته الفذة وصوته الرخيم وحنجرته الندية.
* أثار جدلاً كثيفاً بنبوغه المبكر، وموهبته الاستثنائية.
* عاش مثيراً للجدل.. وأتى موته مصحوباً بالجدل.
* جمل ليالينا بحنجرة مطواعة، وأدهش صاحب الصوت الندي محبيه بأعماله البديعة وأغنياته الجميلة وألحانه المبتكرة وجرأته في الأداء بمضمون جديد، شكل مدرسة فنيةً أسرت قلوب الملايين من عشاق فنه الذين تعصبوا له إلى درجة الوله.
* ينتظرون لقياه بفارغ الصبر.. يتحلقون حوله ويهتفون له بوله المحبين، يمزقون ملابسهم طرباً، يخرجون عن طورهم كلما رأوه، ويتسلقون مسارحه بهستريا لذيذة كي يحظوا بلمسة من يده الحنونة.
* أصدر الحوت 35 ألبوماً غنائياً وهو ما زال مصنفاً في فئة فناني الشباب، ضرب بها رقماً قياسياً و(فات الكبار والقدرو)، بل ظل الأكثر جرأة في مواجهة قاعدته العريضة بحفلاته الجماهيرية التي نافس الإقبال عليها مباريات القمة في قوة الجذب.
* مات (الحوت) وسابنا (في عز الجمر).
* سافر ود البلد.. الطيب.. البسيط.. المتواضع.. الحبوب.. المبدع.
* صنف نفسه مع العمالقة، ووضع قامته (على صغر سنه) مع أساطير الغناء السوداني ورحل معهم، مخلفاً إرثاً فنياً خالداً يستعصي على الاندثار.
* لكأنه تمثل سيرة مصطفى سيد أحمد وغيره من المبدعين الذين اعتصروا أيامهم واختصروا أوقاتهم ليثروا الضمائر والعقول ويأسروا القلوب بإبداعهم قبل أن يرحلوا مبكراً مخلفين لوعة لا تفنى.
* رحل محمود في نفس اليوم الذي ودعنا فيه مصطفى.. فتأملوا المفارقة!
* عاش الحوت عمر الوردة، ورحل مثل النسمة.
* ترنم بالقديم فأطرب.
* وشدا بالجديد فأدهش.
* أسر جيل (الحقيبة)، وفتن جيل (النت).
* اختصر أمزجة كل الأجيال بحبالٍ صوتية تحاكي مزامير دواؤد في روعتها.
* قال (كلمته) ببساطة ورحل بكل وداعة.
* مات (توأم روحي) وفات.. قبل ألقاهو وترسى الروح.. يسرح في المآسي يروح.
* كنت براك جرح مقروح.. قلباً بالأنين مجروح.. وجيت الليلة يا سيدي.. بقيت لي روحي توأم روح.
* غنى محمود (زينوبة) فأطرب البشر والشجر والحجر، وجعل محبي المردوم يهتزون طرباً ونشوة.
* عاش (شايل جراح) ورحل (في غفلة رقيبي).
* (موت بريدو).
* من للمسارح بعدك يا حوت الفن والذوق الرفيع؟
* من بعدك للمولهين بحبك وعاشقي فنك؟
* من لمن ظلوا يتدافعون للقياك ويشبكون أياديهم بإشارة (الحواتة) المعهودة.
* محبوك (باقية ليهم الروح عزيزة).
* (في بالي.. حبيبي يا غالي كيف أنساك)؟
* محمود (عامل كيف يا الخضرت مواسم الريد)؟
* أشبعتنا حزناً وأسلت دمع الدم من المآقي الراعفة.
* الحوت (بحسّك).
* (هو الاختار دنيتو وهو المخير في اختيارو.. جايي يعمل تاني أيه)؟
* رحل وخلانا مع (اللالايا لألأ في جبينها.. والضواية ضي الرتينة).
* يقولوا جافي.. نقول حنين.. يقولوا نافر.. نقول رضينا.
* الوداع يا نشوة الروح.. الوداع.
* آسرني يا مياس.
* لي سنين مشروق بي همك.. يا المشروق بكل الهم.
* هسه كيف أنا أنهل منك.. يا الظمآن في عمق اليم؟
* جيتا تاني تكوس حناني.. ما خلاص ريدك نسيتو.. سبتو ذُلك وامتهاني.. وجيتا تاني!
* بحسك (لوعة) في جواي.. عرفتك وإنت كنت معاي.
* (كنت معايا ظاهر.. كل ما أتوه بلاقيك في العمر سلوى).
* بريدك يا صباح العيد.. ويا طلة قمر في سمانا بعيد!
* محمود شبابك (مفتون بيك).. وجمهورك مفجوع عليك!
* لا خطاوي الشوق بترحل.. لا الأماني البينا صارت وارفة.
* محمود في القلب.
* سكت الرباب.. وتفجرت ينابيع الحزن من نبع السحب.. وسرت مع أمواج النيل في مقرن النيلين.
* يا سيدي بترجاك.. ترحم قليب دابو.. عرف الهوى الغلاب وما اتحدابو!
* مانع رسايلك لي.. أكتب شنو الحاصل.. إن شاء الله المانع خير!
* (مع السلامة).. (يا عُمر)!
آخر الحقائق
* أحب الحوت المريخ بصدق وتعصب له بوله عجيب.
* ظل يجاهر بحبه للمريخ في كل المحافل دون أن يخشى من تأثير ظهور انتمائه على شعبيته.
* أحبه المريخاب.. وعشقه الأهلة رغم علمهم بحقيقة انتمائه للأحممر.
* ظل يشارك في كل مناسباته ويرتبط بعلاقات قوية مع رموزه وأقطابه ولاعبيه.
* حرص رحمة الله عليه على المشاركة في مهرجان الفرح المريخي بلقب الدوري قبل الماضي وحضر إلى الإستاد مرتدياً الأحمر الكامل وشارك في الفقرة الرئيسية متبرعاً.
* في مطلع التسعينات حزن محمود على شطب أبطال جيل مانديلا وحرص على تكريم جمال أبو عنجة وإبراهيم عطا بحفل جماهيري أقامه في حديقة أم درمان، وتبرع بالدخل كاملاً للنجمين.
* عندما ينتصر المريخ كان الحوت يرتدي قميص المريخ ويطوف به على أصدقائه المقربين.
* كان محمود رحمة الله عليه حريصاً على إظهار حبه للمريخ، بل نال عضوية النادي ودفع رسوم العضوية لمدة عشرين سنة مقدماً.
* لذلك أتى حزن الصفوة عليه مضاعفاً.
* أمس أغلق النادي أبوابه حزناً على الحوت وخف كل رواد النادي نحو منزل الراحل لأداء واجب العزاء.
* خلال الأيام الماضية لم تنقطع اتصالات أهل المريخ بأهله ومرافقيه في الأردن.
* حرص الريس جمال الوالي على المساهمة في تكاليف العلاج.
* وكان أحمد الباشا أكثر نجوم المريخ حرصاً على الاطمئنان على صحة الحوت رحمة الله عليه.
* لذلك اقترح كثيرون تأجيل مهرجان الغد حزناً على محمود.
* واقترح آخرون أن ينظم المهرجان في وقته وأن يتم ترديد أغاني الحوت دون سواها، مع تخصيص أول فقرة للراحل المقيم.
* سترفع جماهير المريخ صور الحوت في المدرجات.
* ونتمنى أن تبث الإذاعة الداخلية للإستاد أغنياته منذ وقتٍ مبكر.
* ونرجو أن يتم بث مشاركته في آخر مهرجان للمريخ على الشاشات المكبرة.
* جادت قريحة الأخ صلاح عثمان كرار بأبيات جميلة في رثاء محمود قال في مطلعها: (البحر حزين عليك يا الحوت.. وكل كمنجة وكل فلوت.. ما قلت مودع وداير أفوت.. مليت الدنيا وفي راحتي أموت.. يا صاحب الفن الراقي الكان منشود.. يا الهاشي وباشي وديمة ودود.. زي طفل رضيع يا دوب مولود.. يا راقي مهندم صورة وصوت.. حاسين بوجودك وإنت مغادر وما موجود.. ما تشيلي هم وشالت همك يا محمود.. مات الفن واترمل بعدك كل رباب وعود).
* فقده لا يعوض، وحزننا عليه لا يفنى.
* خف الآلاف من محبي فن الحوت إلى منزل الراحل وتناثرت الدموع في كل مكان.
* سيطر الحزن على الحشود، وتعالت أصوات النحيب.
* تعددت حالات الإغماء وافترش الآلاف سفلت شارع المزاد وهم ينتحبون بحزن دافق.
* اللهم تقبل عبدك محمود في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
* (تسهر معاك في ليل أسى وتسير معاك درباً قسى.. يعوضك الله روح بالفيك.. منو الغير الله عاد بجزيك)؟
* (أنا الطولت مفتون بيك.. بشوف آمالي كلها فيك.. تبقى معايا وأبقى ليك).
* ومن السعودية أرسل شاعر المريخ الطيب عبد الرحمن أبياتاً رثى بها الحوت وقال فيها: (يا رب العباد ويا كريم الجود.. يا الكرمك عريض تب ما اتعرفلو حدود.. طالبين مغفرة وعفوك المعهود.. للعبد الضعيف ود عبد العزيز محمود).
* تدافع محبو الحوت نحو مطار الخرطوم بمئات الآلاف وتسوروا جدرانه واقتحموا المدرج رغبةً منهم في تشييع الجثمان.
* تفشى الحزن وانفرط عقد النظام في ليلة حالكة السواد.
* بكى الحواتة حتى ابيضت عيونهم من الحزن.
* نعزي كل محبيه ونخص الزميل الحبيب هيثم كابو بعزاء حار لأنه أخلص لصديقه ورافقه حتى آخر لحظة.
* كتب عنه أجمل المقالات بعنوان (كيف صار محمود حوتاً).
* حظي محمود بتشييع مهيب، يليق بموهبته الفذة وبحب أهل السودان له، وبلوعة الحواتة على فراقه المر.
* نال تشييع الملوك.
* مساء أمس فاض الحب مع الحزن في شوارع الخرطوم.
* وسال الدمع مدراراً من القلوب قبل المآقي حزناً على الحبوب.
* محمود في القلب.. محمود في الخاطر.. محمود في وجدان كل أهل السودان.
* لن ننساك يا حوت.
* آخر خبر: (مع السلامة.. مع السلامة).