صناعة الديكتاتور 2-2 البشير نسخة جديدة في عباءة دينية

في الثلاثين من يونيو عام 989 1 فوجيء الناس فجرا بمارشات عسكرية اعقبها بيان “هام ” من خلال الراديو والتلفزيون كان صاحبه العميد عمر حسن البشير, البيان يعلن إستيلاء الجيش علي السطة في البلاد والبشير رئيسا للمجلس العسكري الجديد , وكال البيان مفردات من الشتائم للعهد الديمقراطي “البائد الفاسد “الذي فرط في البلاد وخص القيادات الحزبية بتهمة الخيانة الوطنية والولوغ في الفساد ! ظهر عمر البشيرعلي شاشة التلفزيون مرتديا زيه العسكري أغبش الوجه تكاد عضمات وجنتيه تخرج من جلدها فهو لتوه يتحول من ضابط عادي منس الي رئيس للسودان.
كانت تلك البداية لمشوار طويل تخللته محطات كثيرة اهمها نظرية عراب النظام الترابي حكم الشعب السوداني عن طريق القوة المفرطة وعبرإعتقال الالاف في بيوت الأشباح ,والحكم علي زعماء نقابة الأطباء بالإعدام ,ثم اعدام مجدي ,وجرجس بطوس.
اذن فأن البشير اول ما فتح عينيه علي الحياة السياسية كان ذلك علي جو من الإستبداد إجترحته الحركة الإسلامية وإعتمدته كسياسة إقصائية لها بإعتبارها الوحيدة التي توزع مفاتيح الجنة والنار, وكون زعيمها الترابي إمام المسلمين الجدد غير المعلن وصاحب القول الفصل في كل شيء.
لم يكن صعبا معرفة الصراع الذي سيلوح في الأفق في نظام شمولي ديني زائف , اذ ان طبيعة مثل هذه الانظمة تحمل جينات التطلع والإنفراد بالسلطة لكل فريق داخلها منذ يومها الأول ,وفي انموذج نظام الإنقاذ كانت السلطة فكراوسياسة وتنفيذا كلها في يد الترابي ,يقابل ذلك طاعة عمياء من قبل اعضاء التنظيم المدنيين , اما العسكريين حتي لو كانوا اعضاء فانهم بحكم تربيتهم العسكرية لا يتأقلمون مع مثل هذه السلوكيات المدنية, بل ان لهم رأي مسبق في المدنيين, وعند إنفجار اية معركة حول السلطة تجدهم سرعان ماينحازون لبني زيهم , وهذا ماحدث بالضبط في صراع البشير الترابي , فقد وقف الجيش بجانب البشير, بل استخدم البشير قوة الجيش ضد غريمه الترابي ,وهنا تفكك التنظيم وإنحاز معظم اعضاؤه لحامل البندقية ضد حامل القلم واللسان , وقد كشف ذلك الصراع انه لم يكن قائم علي ايديولوجية ,بقدر ما هو قائم علي مصالح مادية بحته تمثلت وما تزال في منظومة الفساد والمحافظة علي الكرسي العنوان الأبرز للنظام.
منذ ذلك التاريخ ,تاريخ هزيمة ديكتاتورية الترابي,انفردالبشير بديكتاتوريته الخاصة , مستقطبا تلامذة الترابي مستخدمهم ضد خصمه القديم ,ولكن في الوقت نفسه كان قلبه مع الجيش مرجعيته العسكرية وحاضنته التي خرج منها ,وها هو يستخدمها ضد الذين وقفوا معه في معركته مع الترابي , ثم يتحوط من الجيش نفسه بجيش جديد هو جيش محمد عطا, بل يذهب كثيرون ان للبشير ميلشيا خاصة جدا غير ميلشيا الدفاع الشعبي و ميلشيا حميدتي .
يقول علماء نفسيون ان المستبد كلما زاد من جرعات قمعه ضد مناوئيه في الرأي كلما كان الهلع ينمو متسارعا في داخله ,وهذا ماحدا بالبشير من تغيير قواعد اللعبة السياسية فأطاح بكل معاونيه المقربين الذين كانوا يساعدونه في القمع خوفا من ان ينقلبوا عليه في اي لحظة ويسلموه الي المحكمة الجنائية الدولية , وهكذا فأن إستمرار شبح المحكمة صار يسيطر علي حركات وسكنات الرجل , واصبح ينظر الي كل شيء من منصة بن سوده , فأندفع يبحث عن مزيد من ادوات القمع والسيطرة ضد معارضيه داخل الحزب وخارجه , فداخل الحزب فرض ارادته بمساندة الحلقة المستفيدة ليرشح نفسه لولاية جديدة ضاربا عرض الحائط بدستوره هو الذي وضعه لحكم البلاد ,وحتي يشدد قبضته اكثر علي السلطة سعي الي تغيير مواد الدستور ليختار الولاة حسب مزاجة تحت ذريعة تفشي القبلية في عملية إنتخاب الولاة ,علما بأنه هو مؤسس مشروع القبلية والمناطقية في السودان بعد ان اندثرت منذ فجر الإستقلال.
يخوض البشير الان معركتين احدهما صامته الإ من همس داخل منظومته الحزبية ,والأخري جديدة هي توحد المعارضة المدنية والمسلحة في نداء السودان ,هل صار البشير وحيدا في السلطة كجنرال الروائي الكولمبي ماركيز لايجد من يقول له الحقيقة, هل المضي في هذا الطريق سيجنبه الجنائية الدولية ؟ هل ترشحه لخمس سنوات اخري سيلغي تهمة الأبادة الجماعية في دارفور, هل تطنيشه عن فساده وفساد اخوته وزوجه وفساد عصابته سيعفيه من ملاحقة قضاء الثورة القادمة عاجلا ام عاجلا؟,هل انكاره للعزلتين الإقليمية والدولية سيطعم نظامه من الجرب السياسي , كل هذه الاسئلة وغيرها نجد الأجابة عليها في المصائر التي اّل اليها شاوشسيكو , وصدام ,والقذافي ,وبن علي ومبارك , وعلي عبد الله صالح ؟فهل من مدكر؟

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..