من الأ رشيف وبمناسبة الرحيل المر للرمز الوطني العظيم والأخ العزيز الفريق عبد الرحمن سعيد

محمد آدم عثمان
كتب لي صديق عزيز مذكرا اياي بمقال قديم كنت قد كتبته عنه وتم نشره بتوقيع أبو عمرو في الراكوبة وسودانيز أون لاين وسودانايل. المقال كان ردا على ما كتبه صحفي كبير وقتها منتقدا ومهاجما الفريق الراحل. مرفق المقال.
دكتور الشوش وأحاديث النكاية :
لم أتشرف يوما بمعرفة د.محمد إبراهيم الشوش ، ولم تتح لي حتى فرصة مجرد أي لقاء عابر به ، لكنني كنت مثل الكثيرين أسمع به منذ فترة ليست بالقصيرة ، واعتبره دوما رمزا من رموز الثقافة ، وأحد جهابذة النخبة والصفوة السودانية المعاصرة ، بيد أن من سمع ليس كم رأى ، فقد تكشف لي ، من خلال قراءتي لعدد من المقالات والأعمدة الخاصة به في صحيفة الرأي العام مؤخرا ، أن الرجل يتمتع بقدرة هائلة على التبسيط المخل الذي قد يصل مرحلة الضحالة ، وله قدر كبير من الأفكار المشوشة، ورغم أنه كثيرا ما يتمشدق بعبارات مثل الديموقراطية والحرية ، إلا أن أغلب مقالاته تصب في نهاية الأمر في بحر دعم شمولية الإنقاذ ، والتغني بمحاسنها ، والتصدي لكل مناوئيها ، وإن كان يتخذ لذلك العديد من المطايا مثل الدفاع عن الثقافة والهوية العربية والإسلامية ، والهجوم على مظاهر الارتهان لخدمة المصالح والاستراتيجيات الأجنبية ، وعلى الأجندة الخفية للحركة الشعبية وزعيمها .
ومن المقالات التي تحتوي على قدر كبير من التبسيط المخل ما كتبه في عمود صحفي مؤخرا ، وخلص فيه، إلى أن كل إرث وفكر ورصيد وطرح ونضال الحركة الشعبية لتحرير السودان ، بكل ما فيه من زخم ، وما احتوى عليه من تراكمات ومرارات تاريخية ، هو مجرد أفكار غرسها ودسها الدكتور منصور خالد في رأس زعيم الحركة ، بهدف بناء مجد شخصي فشل في تحقيقه عبر دكتاتور آخر هو الرئيس الأسبق جعفر نميري. لست معنيا هنا بالدفاع عن د.منصور خالد أو د. جون قرنق ، فذلك موضوع آخر ، والرجلان لا يحتاجان مني لدفاع ، ولكني استغرب أن تصدر مثل هذه الأفكار الساذجة من دكتور ومثقف مثل د. الشوش .
مقال آخر كتبه الدكتور ووجهه للفريق عبد الرحمن سعيد يستنكر فيه على الفريق الإدلاء بتصريحات عن شأن سوداني قومي عام مثل اتفاق السلام ويصرخ في وجهه من أنت حتى تدلي بمثل هذه التصريحات . أولا ، فات على الدكتور الكبير أن الفريق
عبد الرحمن سعيد تحدث بصفته نائبا لرئيس التجمع الوطني ، والتجمع الوطني ، رضينا أم أبينا ، يمثل رقما هاما في المعادلة التي تقوم عليها السياسة السودانية الآن. الفريق عبد الرحمن ، حسب علمي ، صار منذ زهاء 15 سنة رمزا من رموز التجمع والنضال ضد نظام الإنقاذ القمعي الأحادي ، وقد التقى به مؤخرا أكبر رمز من رموز الإنقاذ ، الأستاذ علي عثمان مؤخرا ، وتحدث له في ذات الشأن الذي استكثر فيه الدكتور الشوش على الفريق عبد الرحمن الخوض فيه . والدكتور الشوش يعرف أن الفريق عبدالرحمن هو مجرد مواطن عادي وصل إلى قمة الهرم الوظيفي في الجيش السوداني ،و لو كان طالب سلطة أو مجد شخصي لحققه قبل قيام الإنقاذ ، وكان ذلك أمرا ميسورا متاحا، أو حتى بعدها ، حيث كان في مقدوره أن يصبح سفيرا أو وزيرا أو حاكما إقليميا كما فعل بعض مساعديه ، وهو أمر سعت له الإنقاذ ، حسب سمعي ، ورفضه هو ، مؤثرا البقاء في ظروف معيشية لا تخلو من صعوبة ، وليس في فنادق 5 نجوم كما يقول الدكتور الشوش في تبسيطه المعهود للأمور على ذلك النحو الساذج الذي يتحفنا به الدكتور دائما في عموده “علامات استفهام “.
وبالمناسبة لديّ علامة استفهام تحتاج لإجابة وأرجو أن أجدها عند من يملك الإجابة . ما هو سر تمسّح دكتور الشوش بأعتاب الإنقاذ ، ودفاعه المستميت عنها رغم أنه ، حسب علمي ، لم يصبح من الإنقاذيين الجدد ، ولم يركب موجة الإنقاذ ، إلا مؤخرا ؟ أنا شخصيا لا أعرف السبب ، ولكن تبدو أغلب كتاباته الأخيرة موجهة لخدمة الإنقاذ و مجرد نكاية في المعارضة ، أو ربما مثل ما قالت تلك الأعجمية التي صدقت من حيث أخطأت ، وطيّب الله ثرى عالمنا الجليل الراحل ، الدكتور عبد الله الطيب ، الذي كان له رأيا لم يخب في دكتور الشوش.
كنت في جوبا قبل انقلاب الكيزان وكانت جوبا محاصرة من قوات قرنق وضباط الجيش كالعادة يشتكون من عدم وجود سلاح ليحاربوا به قوات قرنق ( الصادق المهدي كان رئيس الوزراء) وان ضعف الاسلحة هي سبب هزائمهم ولكن ما شاهدناه بأعيننا هو استعانة الحكومة السودانية بالجيش الليبي وكان القذافي يرسل طائرات ضخمة وهي تحمل اسلحة كثيرة من ضمنها راجمات صواريخ وعربات عسكرية ويتم تفريغها بمطار جوبا. بعد وصول الأسلحة تقوم قوات قرنق بالقرب من جوبا باطلاق رصاص في الهواء على اطراف المدينة لتقوم قوات الجيش بالرد السريع بكافة الاسلحة التي جلبتها الطائرة الليبية دون اصابة أي هدف ودون فائدة ، ثم يصرخ الضباط بعدم وجود اسلحة كافية ليأتي القذافي بالمزيد وهكذا تستمر الحكاية. ثم قامت الحكومة بالاستعانة بالطيران الحربي الليبي لمحاربة قرنق وشاهدنا بمطار جوبا ٤ طائرات محاربة عسكرية ليبية يقودها ضباط ليبيين صغار في السن وكانت تقوم بطلعات حربية يوميا وقد اعلن قرنق انه اسقط احدى الطائرات ولم يصدقه أحد مع اننا رأينا الاربعة طائرات الليبية تطلع في مهمة عسكرية وتعود ثلاثة منهم ولم نعرف كيف فقدت.
في احد الأيام وكانت جوبا تعاني من نقص شديد في المواد الغذائية نتيجة تعذر جلب الامدادات بالطرق البرية، وجدنا في شوارع المدينة حركة ونشاط من البائعين المتجولين وهم يبيعون سجاير البرنجي، ولم نعرف كيف اتت السجاير الى جوبا
بعد فترة قليلة علمنا بوصول كبار القادة العسكريين (من ضمنهم الفريق عبد الرحمن سعيد) لتفقد القيادة الجنوبية. المفاجاة ادهشتنا عند معرفتنا ان قادة الجيش أتوا بطائرة عسكرية كانت مشحونة بكراتين السجاير البرنجي من الخرطوم وتم بيعها بجوبا باضعاف سعرها بالخرطوم.
ضباط الجيش تجار فاسدين لا يؤدون عملهم العسكري بل يستعينون بقوات
اجنبية لتؤدي عملهم ثم هاصت الحكاية زمن الكيزان وتم استبدال تجارة البرنجي بتجارة الآيس والبنقو بالكونتيرات.