يعني يكتفنا بإنقلاب..ويحلنا بي مبادرة!!؟

بسم الله الرحمن الرحيم
ليس هنالك ما هو أسوأ من عيب التشخيص المبني على إغفال الحقائق المريرة ومحاولة الالتفاف عليها في التعامل مع أزمتنا الراهنة..ويزداد الأمر سوءاً عندما يكون هذا من شخصيات أكاديمية عالية المستوى وأسماء صحفية نكن لها كل الاحترام والتقدير ..ولا نزاود عليها مطلقاً.. لا في الاسماء الواردة التي تقدمت بما سمي بمبادرة السلام والإصلاح مؤخراً فقط..ولكن قبل ذلك كثيراً كما في طرح فكرة الحقيقة والمصالحة من السيد الصادق المهدي منذ سنوات..وتشتمل أزمة الرؤية على نقطتين غاية في الأهمية ..أولاها البناء على فكرة ألا فكاك من الرئيس ونظامه وتياره السياسي ..ولذلك يوضع أولاً في أعلى قائمة الحل تماماً كالفكرة السائدة في الخدمة المدنية بوضع اسم المسئول الأول في أعلى قائمة الحوافز لضمان تصديقها..والثانية في الاعتماد على نعوت مجردة لا يمكن قياسها والاتفاق عليها في الشخصيات والمطلوبات مثل .. وطنيين..مخلصين ..يخافون الله..الخ.. وهي صفات تختلف الرؤية فيها من تيار لآخر..وهذا ما جعل المبادرات ومقترحات الخروج من الأزمة ..تحتشد بنفس التعابير..حتى أنك لو أوقفت أبسط مواطن سوداني وسألته عن مقترحات الحل..لرصها وألقاها بطلاقة تجعله في مقام هؤلاء العلماء الأفاضل.
وإذا تناولنا الفكرة الأولى فإنها تعبر عن العجز التام عن اقتراح بديل حقيقي ..ثم الخوف من حدوث تغييرات جذرية في التركيبة السياسية المتوارثة منذ الاستقلال وهي- لامحالة آتية -….ثم تجاهل التطورات الديمغرافية ومستويات الوعي التي ما عادت الأجهزة الإعلامية في مركز السلطة هي الموجهة لها.. في مناطق كانت كماً مهملاً ورصيداً يُحرَك بالإشارة ..ثم تهاوي صفات القداسة عن الزعامات الطائفية والقبلية.. إضافة على اللسان الطويل الممدود على سيل النعوت المطلقة على الرئيس والتيار الديني الذي مثل الرافعة التي أجلسته في سدة الحكم..
فما الذي جعل كل هذه الصفات عاجزة عند الاختبار الحقيقي..أليس نوع النظام الذي اختاروه والذي لا يفرق في سلوك من اختاره بين بَر وفاجر أم غير ذلك؟فرأس النظام في مثل هذه الأنظمة ..صنم يصنعونه فيستحيل إلى وحش يفترس من حوله بعد مساعدتهم له في افتراس خصومهم ..ليكونوا ممن أكلوا يوم أكل الثور الأبيض ..ليبقى حوله حارقو البخور ..وملوك الطائفية ينكشفون أمام عجزهم وهرولتهم نحو مصالحهم واختفاء ما ظنه الناس من كراماتهم رغماً عن أنف نائبة رئيس المجلس الوطني في حالتنا السودانية الماثلة . وهذا يقودنا إلى النقطة الأخرى وهي التجريد والاعتماد على ما لا معيار ثابت له في البدائل..فما هو مقياس الإخلاص والجدية والوطنية ومخافة الله في الشأن السياسي..؟كل هذه الصفات لا قيمة لها ..لكن تبقى القيمة في النظم والقوانين واللوائح والسياسات التي تحكم مجمل العملية السياسية ..لذا فلنعمل على التماهي مع النظم التي كفلت الحرية والديمقراطية والشفافية فأكل أهلها شهداً..وسادوا بها على بقية العوالم..ولتبقى هذه الصفات شخصية نطلقها على من التزم هذه النظم ..أو على الأقل قيمة مضافة..ونفس ما قيل ينطبق على ما ذكرناه عن الكوديسا …التي أدت في النهاية إلى ترسيخ واقع كان معاشاً..فالأسود يمكنه السهر في الفنادق والحصول على التعليم والعناية الصحية التي يريدها نظرياً لكن واقعه الاقتصادي يجعل ذوي الامتيازات السابقة محتكرين ومنعزلين بها في أبراج عاجية نتيجة الواقع الاقتصادي..فهل يريدنا أصحاب الكوديسا والمبادرة الأخيرة مسحوقين ومن سرقنا وسرق عرقنا واكتسب المال بالتمكين وكل الطرق الغير مشروعة يرفل في نتاج ماله الحرام أمام ناظرينا؟ لا والله لن يصوم الوطن أكثر من ربع قرن ليفطر على بصلة.
[email][email protected][/email]