مقالات وآراء

سري للغاية

د. مهندس جعفر أحمد خليفة

قد يندهش الكثير من القراء من عنوان ومحتوى هذا المقال وما أوردته فيه من معلومات …لكنها حقائق مجردة
لعلكم سمعتم وشاهدتم أخبار انعقاد قمم العالم المتتالية حول أزمة المناخ.
سأشرح بتبسيط غير مخل هذا الموضوع للقراء، وما يعنينا فيه من منظور وطني، لعله يُسهم بقسط مَّا في تشكيل الرأي العام المحلي وتوجيه صانعي السياسات ببلادي للانتباه لأمرٍ في غاية الأهمية رغم ظرف الحرب.
منذ أكثر من ثلاثة عقود توصل المجتمع العلمي المختص في شئون البيئة والمناخ أن هنالك تغيراً مناخياً هو السبب في كثير من الكوارث الكونية مثل التصحر، الأعاصير، الفيضانات المدمرة، الارتفاع غير المحتمل في درجات حرارة الجو، …الخ.
أسباب التغير المناخي تتمثل في بعض أنشطة الإنسان على كوكب الأرض، والتي من أهمها حرق النفط والغاز والفحم الحجري (تسمى الوقود الأحفوري) لغرض الحصول على الطاقة في وسائل النقل وفي توليد الكهرباء وغيرها، والتي تنبعث بسببها غازات كربونية بكميات كبيرة ضارة بالمناخ.
قرر زعماء العالم في قمة المناخ ٢٠١٥ تبني جملة من السياسات مؤداها النهائي تقليل آثار الأزمة المناخية. من تلك السياسات الإقلاع التدريجي عن استخدام الوقود الأحفوري وبدلاً عنه تستخدم الطاقة المتجددة باعتبارها خالية من الانبعاثات الغازية الضارة. من أهم مصادر الطاقة المتجددة، الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. سميت هذه العملية -عملية الإقلاع عن استخدام طاقة الوقود الأحفوري واللجوء لاستخدام الطاقة المتجددة – بتحول الطاقة العالمي.
بالطبع شمال أفريقيا والجزيرة العربية تعتبر من أغنى بقاع الكرة الأرضية بالإشعاع الشمسي.
طيب، توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يُحيِّد قطاع توليد الكهرباء مباشرة عن استخدام الوقود الأحفوري.
ماذا عن قطاع النقل وبقية القطاعات الأخرى الصغيرة؟
التطور التكنولوجي أمَّن إمكانية استخدام البطاريات الكهربائية في حركة السيارات الصغيرة كما أمَّن إمكانية استخدام الهيدروجين فيما نسميه بخلايا الوقود الهيدروجينة في كل وسائل النقل حتى السفن والقطارات بدلاً عن الوقود الأحفوري وهو استخدام صديق للبيئة بنسبة ١٠٠% مثل البطاريات ما لم يكن الهيدروجين مولد من الغاز الطبيعي كما درجت العادة. أيضاً التكنولوجيا نجحت في استخدام الهيدروجين لتوليد الطاقة الحرارية في مصانع الحديد والاسمنت وفي محركات توربينية أو ترددية لتوليد الكهرباء.
 إذاً مطلوب توليد الهيدروجين من مصدر صديق للبيئة وليس من الغاز الطبيعي.
العلم أحرز اختراقات تقنية كبيرة في توليد الهيدروجين بالتحليل الكهربائي للماء، حيث لا انبعاثات غازية ضارة، وقد انخفضت أسعار المحللات الكهربائية انخفاضاً كبيراً منذ العام ٢٠٢٠ وما زالت تنخفض بسبب الازدياد
 في حجم انتاجها.
إذاً العالم محتاج لاستخدام الطاقة الكهربائية المولدة من المصادر المتجددة لتوليد ما أطلق عليه الهيدروجين الأخضر.
هنالك توجه عالمي كبير نحو انتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر  وقد بدأ هذا التوجه بشكل جاد منذ العام ٢٠٢٠. أوربا، الفقيرة من الطاقة الشمسية، بنت خطتها لتحول الطاقة على استثمار مئات مليارات الدولارات في المناطق الغنية بالاشعاع الشمسي وطاقة الرياح بشمال أفريقيا والجزيرة العربية لانتاج الهيدروجين الأخضر ثم تصديره إليها. في شهر اكتوبر المنصرم وقع الاتحاد الأوروبي مع مصر مذكرات لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة ٤٠ مليار دولار للاستهلاك المحلي والتصدير إلى أوروبا.
وقعت جهات أوروبية عقوداً مع سلطنة عمان الغنية بالطاقة الشمسية بمبلغ ٢٠ مليار دولار خلال الشهور الماضية لإنتاج الهيدروجين وتصديره لأوروبا. في العام ٢٠٢٣ أعلنت موريتانيا البدء في مشاريع هيدروجين أخضر بقيمة ١٠٠ مليار دولار لتصدره لأوروبا..نعم هي الحقيقة .
المملكة العربية السعودية ستفتتح أكبر مصنع في العالم لانتاج الهيدروجين الأخضر خلال ٢٠٢٦ والذي بدأ العمل في تشييده منذ أربعة سنوات.
استراتيجية دولة الإمارات للطاقة المتجددة تهدف إلى حيازة ٢٥% من تجارة الهيدروجين في العالم.
مدخلات إنتاج الهيدروجين الأخضر الأساسية، بعد أجهزة التحليل الكهربائية، تتمثل بشكل رئيسي في الكهرباء من المصادر المتجددة وفي الماء ويا حبذا لو كان ماء أنهار وليس ماء بحار مالح.
السودان يعتبر من أغنى بلاد شمال أفريقيا بالإشعاع الشمسي والماء العذب، وبذلك هو مرشح بإمكاناته لأن يكون من أكبر منتجي ومصدري الهايدروجين الأخضر إلى أوروبا وغيرها، (وقع ليكم أيها القراء؟).
الهيدروجين هو نفط الثورة الصناعية الجديدة، حسب كثير من مراكز الدراسات الاستراتيجية. النفط في العالم سينضب خلال أقل من قرن إذا استمر استهلاكه بنفس الوتيرة.
امتعضتُ جداً لما قرأت في الأخبار عن جهود وزارة الطاقة والنفط السودانية وهي تبحث عن شركات للتنقيب عن البترول بالبلاد، ولو تزامن مع تلك الجهود مساعي في اتجاه إيجاد شراكات لانتاج الهيدروجين فلا داعي للامتعاض.
إنتاج الهيدروجين بالبلاد، غير أنه يوفر عملة صعبة بتصديره، يعتبر أهم مدخل لأنتاج الامونيا محلياً وهي السماد الذي يكلفنا استيراده ملايين الدولارات.
سباق العالم للانتقال للطاقة المتجددة يتطلب كميات ضخمة جداً من النحاس والخارصين والليثيوم والكوبالت لصناعة السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والخلايا الشمسية. بلادنا غنية جداً بمعظم تلك المعادن، خاصة دارفور. مستحيل ان تستطيع القارة الاوروبية تنفيذ خطتها للانتقال الكامل إلى الطاقة المتجددة في ٢٠٥٠ من دون تأمين الحصول على كميات ضخمة من تلك المعادن من خارج القارة الأوروبية، (فهمتوا حاجة؟).
أعتقد سباق التحول إلى الطاقة المتجددة له انعكاساته السالبة على بلادنا ومنها هذه الحرب.
بهذا أهمس في آذان صناع السياسات ببلادي للانتباه لموضوع التحول للطاقة المتجددة ومكاسبنا منه على مستوى الأمن القومي، حيث تأمين حاجتنا من الطاقة من موارد محلية رخيصة ولا قيود على توظيفها، وعلى مستوى الاقتصادي، حيث الفرصة النادرة التي أتيحت بحاجة السوق الأوروبي العارمة لكميات هائلة من الهيدروجين الأخضر، وللانتباه إلى بعض ما أعتقد أنه من محركات العدوان على البلاد، والتي يمكن تحويلها إلى شراكات منفعة استراتيجية بدل نوازع العدوان.
أخيراً، قصدت بالعنوان جذب اهتمام القراء، وإلا، فلا سرية على محتوى المقال الذي في الأساس موجه للرأي العام وصناع السياسات بالبلاد.
نواصل إن شاء الله

تعليق واحد

  1. فهمنااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ولكن من الذي يفهم الفاسدين والحرامية والقتلة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..