محاربة الفساد وتصفية الحسابات

العبارتان تصطدمان ببعضهما لو وضعتا على سطر واحد.. لأن تصفية الحسابات نفسها هي إحدى مظاهر الفساد .
المشكلة أن انتشار أو استشراء الفساد في الفترات الماضية جعل هناك انطباعاً لدى الكثيرين بأن الحكومة لا ترغب في مكافحة الفساد من الأساس وبمرور الزمن وتراكم التجارب والحالات التي يحتفظ بها الذهن العام من خلال مشاهدة فوران حالات الثراء للكثير من الأشخاص موظفين ومسؤولين كانوا بالأمس من الفقراء أو متوسطي الحال ثم تحولوا في غمضة عين الى أثرياء وأصحاب أملاك وشركات.. ولا أحد يسأل عن مصادر ثرائهم المفاجئ.. تكرار هذه الحالات في المجتمع عزز عند الناس ذلك الانطباع العام الذي أشرنا إليه بأن هناك تواطؤا وتكاسلا رسميا عن ملاحقة الفاسدين.
ثم يجتهد خيال الناس بكثرة اللغط والجدل حول الفساد في تحليلات تزعم بأن الحكومة لا تفتح ملفات فساد إلا للمسؤولين الذين تنوي حرق أوراقهم وحرقهم سياسياً وأخلاقياً ..
الخيال العام لا يضع احتمالات حسن النية وحسن الظن مقدمة على الشكوك والارتياب في كل خطوة تتخذها الحكومة، فهي في ظن الكثيرين كاذبة وإن صدقت ومتحايلة وإن أوفت بوعدها وفاسدة ولو فعلت ما يؤكد صدقها في محاربة الفساد .
الثقة الغائبة تلك من جانب الكثيرين في كل نوايا الحكومة وأفعالها وأقوالها لا تخلو طبعاً من تأثيرات الأجندة السياسية عليهم لكن جزءاً كبيراً منها تتحمل الحكومة ومؤسساتها مسؤوليته حين تستبدل الحسم بالتهاون وتستبدل الحزم بإجراءات التحلل والتساهل في قضايا الاعتداء على المال العام .
كل هذه الأشياء تجعل هناك اعتقادا بأن الحكومة إذا أشهرت سيف القضاء على الفساد في وجه مسؤول سابق أو حالي فإنها تفعل ذلك لأسباب أخرى ترتبط بعدم حرصها على هذا المسؤول .
وحين فتح وزير العدل ملف الأراضي في الخرطوم تجاوز الكثيرون السؤال عن مضمون قراره والهدف منه وركزوا في البحث عن إجابة لسؤال افترضوه مباشرة يقول: (ما هي مشكلة الحكومة مع الوالي السابق عبد الرحمن الخضر؟) هل تمرد الرجل على التنظيم وهل صحيح أنه وبعد إعفائه قرر الخروج من الحزب أو تجميد نشاطه فيه..؟
تساؤلات كثيرة تعبر عن وجود مشكلة ثقة في نوايا الحكومة في مكافحة الفساد وتحيل إجاباتها كل ملفات الفساد المفتوحة حالياً إلى خانة تصفية الحسابات والتشفي من بعض المسؤولين .
على الحكومة أن تواصل ما بدأته في طريق كشف مظاهر الفساد القديمة والجديدة فهناك أسماء وحالات أخرى لو طالتها يد العدالة فإن نوايا الحكومة ستنال في هذه الحالة الدرجة الكاملة من المصداقية عند المواطنين وتزول كل شكوكهم في كون الأمر ليس إلا مجرد تصفية حسابات..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
اليوم التالي