البصيرة أم قرنق

البصيرة أم قرنق ..
سيف الحق حسن
[email][email protected][/email]
ونحن إذ نمر بالذكري السابعة لرحيله؛ كلما أقرأ عن سيرة إنسان السودان النبيل الدكتور جون قرنق عرفت المزيد عن ما كنت أجهله وتجدد إعجابي بشخصية هذا الرمز للرجل السوداني القح.
في مقال د. لوكا بيونج “قرنق الذى أعرف: رمز أفريقي للقيادة الرشيدة الملهمة؟” [الراكوبة: 24-07-2012] علمت أن الرؤية الواضحة بشفافية والتي تبرز الصدق و تتماشى مع الحقائق هي من أهم الصفات التي إمتاز بها جون قرنق.
فالرؤية هى الشيئ الذي يريده الانسان اكثر من اى شئ اخر فى حياته ويراه كهدف جميل لابد من تحقيقه وكحقيقة واقعية ماثلة أمامه وهو سائر في دربه يتجاوز كل المطبات والمعوقات بجلد ولديه العزم الذي لا ينضب ولا يهمد ولا يهمه ان يكون موضع هجوم او حتى استهزاء من الاخرين. فالاخرين لا يرون ما يري، ولا يدركون ما يدرك، ولا يعرفون ما يعرف. فكيف لا وإن الرؤية والبصر والبصيرة والبصائر والإبصار كلها من آيات أولي الألباب، الذين لديهم عقول يفهمون بها. إنظر إلى معظم الشعوب التي نهضت وارتقت كان لها قادة لديهم رؤى بسيطة لم يحيدوا عنها ويدججوا لها المكائد ويشحنوا لها المكر والكره و الغل والعداوة والبغضاء في قلوبهم بل عملوا بجد وتضحية بكل شيئ وتفاني ونكران ذات للوصول إلي الهدف. وعلي سبيل المثال لا الإحصاء، كغاندي ونيلسون مانديلا..
فمن غير قرنق من لدن اليوم نرفع راية إستقلالنا أي في تاريخ السودان الحديث كانت لديه تلك الرؤية الثاقبة الواضحة أو الهدف السامي للحل العمومي والشامل لمشكلة هذا الوطن المكلوم. فحتي من لديه رؤية تجده يحيد كل مرة عنها بالمهادنات والمهاترات ولربما لأنهم يغلبون مصالحهم الحزبية والشخصية علي مصلحة الوطن.
فمنهم من يربط رؤيته برؤية حركة أو ولاءه لتنظيمه العالمي ويستخدم لذلك كل ما أوتي من وسائل حتي مخالفة لدين الله. ومنهم رؤيته هو المشاركة في الحكم والسلطة ومجاراة الحكام بالإستراضاءات والطبطبة. ففي نظري أن كل هؤلاء رؤاهم باهته لا تتعدي النظر إلي أسفل القدمين ولا ترقى لحلحلة أزمات الوطن حلا جذريا لا سيما المشاكل القادمة والمتفاقمة. وأبسط مثال العنصرية؛ فمن لدي قادتنا الحاليين لديه الرؤية لحل هذه المعضلة.
جون قرنق كان لديه الرؤية الواضحة بسودان جديد يسع الجميع لانه يعلم أن السودان بوضعه الحالي ذاهب إلي تشرذم لعدة أسباب وضع لها الحل في سودان متنوع والذي يري فيه القوة بمختلف الإنتماءات القبلية و الجهوية والدينية والعرقية علي عكس ما يراه أصحاب القلوب المريضة والنفوس الضعيفة والعقول الضيقة. وضع قرنق حلمه وهو كان مايزال يافعا في الجامعة ولم يحيد عنه حتي مماته.
فتح ذهنه وارتقي وحلق كالنسر ليرى الأمور بعين ثاقبة وتعرف علي المعوقات المستقبلية ليصيغ لها الحلول مقدما كالإهتمام بتعليم الأطفال والإستفادة من عوائد النفط في الزراعة ونقل التنمية للأرياف وكلها حلول تساهم في حلحلة مشكلة العنصرية والهامش التي تتفاقم في المجتمع وتنتشر فيه كالنار في الهشيم.
وللأسى والأسف تزيد التفرقة والبلبلة كل يوم مع طغمة الإنقاذ الإسلاموية الشمولية بمحاولاتها المستميتة للبقاء في السلطة بنهج سياسة فرق تسد. فعمدت علي طمس الهوية السودانية و لإسترضاء القوى الدولية ففشلت تماما في السياسة الخارجية بربطها مصير الوطن بالمتغيرات الدولية والإقليمية التي تعيق السودان من التقدم والإرتقاء بسبب التدخلات الخارجية؛ فنتج عنه رضوخها وإنبطاحها لتلك الضغوطات عدم سيادة القرار. فمن من قادتنا اليوم لديه الرؤية لحل هذه المعضلة بوضوح وثبات دون مهادنة أو سلام أو سلم تسلم أو إستسلام.
ومن المشاكل أيضا هي محاولة فرض دستور ديكتاتوري يسمونه بالإسلامي كما إنتقدناه بأنه لا صحة من هذا الدستور الإسلامي وهو ليس المقام لذكر ما قلناه. فالإسلام بريئ لأنه دين الحب والوحدة والرحمة والمساواة والرفق ورفض الظلم ودين التواضع وسلامة القلوب ونكران الذات وخفض الجناح ولين الجانب و ضد العنصرية، ويحث علي الإخاء بين الناس كما يقول الله عز وجل: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)) [الممتحنة: 8]. فبهذا البر وهذا الاحسان الذى أمرنا الله عز وجل به يكون الدستور وتسود الإلفة والمحبة والوئام والإحترام بين الناس وحفظ كرامة الإنسان. وستكون فرصة لهذا الشعب، شعب المليون ميل مربع ليتوحد ثانية. فهذا هو الهدف وغاية الامانى التي خلقنا الله شعوبا وقبائل لنتعاف ونتعايش. فرؤية كل مسلم قلبه سليم أن الله هو السلام وديننا دين السلام ونبينا نبي الإسلام واخوه هو المسيح عيسى عليه السلام الذي يقول: علي الأرض السلام وبالناس المسرة.
فطوال السنين الماضية كل من تولى أمرنا حقا أو غصبا سار بنهج البصيرة أم حمد التي أدت بنا إلي ما نحن عليه الآن من تردي إقتصادي وتخلف سياسي وتشرذم إجتماعي وتفتت ثقافي وإنشطار الوطن ورجل للوراء والأخري أيضا للوراء لهاوية ليس لها قرار. فالسودان يحتاج لبناء من جديد بدولة ديمقراطية، دولة “السودان الجديد” علي أسس ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة وكرامة الإنسان. وقبل ذلك فعليا وعاجلا نحن في أمس الحاجة اليوم إلي قائد ذو رؤية ثابتة وبصيرة راجحة يلتف حوله الجميع يكون لنا قرنق الآخر.
قالوا مين بغنى للعريس؟؟ تحياتنا لاعمامك فى الجنوب