القلم ما بيزيل بلم (1/3)

في مؤتمراً جمع طيف اصحاب المصلحة العاملة في العون الغذانئ في السودان من منظمات مجتمع مدني و قطاعات حكومية وخبراء وصحافة ، نظمه برنامج الغذاء العالمي بالتعاون مع مركز فينشتاين الدولي في العام 2006، كانت كلمة الباحثة والمحاضرة في علوم تحليل الصراعات والتنمية الاستاذة سارة بانتيولينو مادحة لصلابة الشرائح الرقيقة من اهل شرق السودان في مواجهة المجاعة المتكررة، بل تمدح انسان الشرق وصلابتة في التفاعل بأيجابية ومقدرة بالغة على تجاوز ما يواجهه من تحديات مركبة تفرض نفسها عليه فرضاً وتقعد اكثرنا قدرة علي مستوي الوطن والعالم سوا. بينما تلقي الاستاذة كلمتها اذا يقاطعها سوداني الجنسية عرف نفسه بخبير في الشئون السودانية يعمل كمستشار في الاتحاد الأوربي …قاطعها قائلاً بان سبب تعرض انسان الشرق هو تخلفه الحضاري و عدم وعيه السياسي واسلوب حياته المتخلف للغاية!. قاطعت سارة هجوم حضرة المستشار “المثقف” علي انسان الشرق المغلوب على امره وأضافت غاضبة بان بعض ما شاهدت من تعامل أنساني وصلابة فى مواجهة التحديات يعتبر قمة الرقي على مستوي تعامل البشر مع التحديات التي تواجهم عالمياً.
الجدير بالذكر هو إن اقليم شرق السودان وبالرغم عن كونه يحتوى ميناء السودان البحري الدولي وولاية القضارف الزراعية فهو رغم ذلك من افقر اقاليم السودان واقلها نمواً ولقد صنفت بعثة الامم المتحدة لشئون اللاجئين ولاية كسلا العريقة كافقر ولايات السودان للعام 2010.
استمر المؤتمر طيلة يومين اثنين كانت اغلبية مداخلات من اطلقوا على انفسهم القاب خبراء سودانيون فى الشأن السودانى سالبة بل محبطة للغاية، علي سبيل المثال وصف الشعب السوداني باوصاف لا تليق باسلوب استحقاق بالغ علي شتمه باوصاف مثل (متخلف) و (رجعي) و(غير متحضر) وغيرها من الشتائم, خصوصاً بالمقارنة بما أشاد به الخبراء الاجانب من محاسن فى حق الشعب السودانى.
ان إسلوب إلقاء اللوم على الضحية، إسلوب شائع فى اوساط النخبة السودانية، خصوصاً وسط شريحة المثقفين.
شريحة المثقفين هي الشريحة التى يقع على عاتقها تشكيل وتطوير الرأي العام السوداني فعلى سبيل المثال فى تفشى أسلوب القاء اللوم على الضحية العبارة المتواردة علي ألسنة العامة من نوع ” تستاهلى يا الشعيرية” و ” الموديك هناك شنو؟؟ ” للأشارة بان الضحية فى الغالب تنزل الظلم على نفسها.
يعج سماء السودان بتحليلات وتصنيفات وافتراضات لا تعتمد علي شئ سوي اجماع اصحابها علي وجودها وبذلك فاغلبها عار تماماً عن الصحة.
وعليه فالقلم ما بزيل بلم وعلينا اما تقويمه او السماع لأهل الشأن المتعلمين من دون مدارس الاغلبية الأمية الصامدة الصامتة.
نعماء فيصل المهدي
[email][email protected][/email]
مقدمة كتاب “بخت الرضا: الاستعمار والتعليم ”
عبد الله علي إبراهيم
تجده بدار عزة بمعرض الخرطوم الدولي
الاستعمار والتعليم
تتناول هذه الكلمات الطلاق الواقع بين المدرسة الحديثة، التي هي غرس الاستعمار في البلاد المطوءة به، وثقافة المجتمع المحيط بها. وسأتطرق لطلاق المدرسة من المحيط على ضوء فلسفة المنهج التي اتفقت للإنجليز في السودان. وقد تولى كِبر هذا الطلاق معهد بخت الرضا الذي تأسس في 1934 لبدء تجربة أخرى في التعليم الإبتدائي الاستعماري سنقف على السياسات التي اكتنفتها في موضعه.
وتقع هذه الدراسة بصورة أخص في حيز دراسات الاستعمار والمناهج المدرسية. وهي دراسات في قول ج أ ماقمان في كتابه “المنهاج الإمبريالي: العقائد العرقية والتعليم في التجربة الاستعمارية البريطانية” (دار روتلدج 1994) إننا لم تحط بصورة كافية بالجذور العرقية في التعليم الاستعماري. فالمدراس حقاً تعلم معارفاً ومهارات ولكن فقط في صور تضمن الخضوع للإيدلوجية السائدة وطغيان ممارساتها. ويضيف ماقمان: “فلم نول دور المنهاج الاستعماري وما اشتمل عليه من كتب مقررة في ترويج النمطيات العرقية نظراً مداوماً للوقوف على تنشئتة ميول التمركز حول الإثنية وشَنَف (الإزراء) الرعايا المستعمرين. وقال إن مثل الدراسة التي يقترحها ستثير الخواطر. ونصح أن تقوم على جادة الأكاديمية لا على ملاحاة إنفعالية من العداء للاستعمار. فهو يريدنا أن نولي عنايتنا لطبيعة تبشير الاستعمار بنفسه وتلقينه للآخرين وأغراضه وإجراءاته.
لا خلاف أن بخت الرضا منشأة استعمارية. وسنقف على ملابسات نشأتها وفلسفتها خلال فصول هذا الكتاب. وصارت هذه المؤسسات موضوع نقد صارم كما طلب ماقمان في أدبيات مدرسة ما بعد الاستعمار العائدة للدكتور إدورد سعيد. إلا أنه مما يزعج أن معهد التربية ببخت الرضا، مهما قلنا عن حسناته، اكتسب صفة القداسة. فلا نقد يطاله لأنه التعليم الخاتم عند الجيل من التربويين وغيرهم. ومن أدخل الأبواب على “كهنوتية” بخت الرضا هو أن الصفوة المحدثة واليسارية قد بطل عندها بالكلية نقد الاستعمار. وسبب ذلك هو خيبة الحركة الوطنية ودولتها التي ألجأت الصفوة، من فرط قلة الحيلة، لترى في عهد الاستعمار “عصراً ذهبيا” نبيلاً. وشاعت العقيدة في صواب الاستعمار حداً مزعجاً. ومن ذلك استسخافهم للفكرة الوطنية ذاتها. فالاستعمار عندهم رحل عنا طوعاً ولا مجدَ لمدعيّ إخراجه عنوة. ومن آخر ما قرأت في هذا الباب من التهافت الغريب قول الأستاذ شوقي بدري إنه اتفق للإنجليز منذ الأربعينات أن يتركوا السودان خلال عشر أو خمس عشر سنة. وفعلوا. ففيم الضجة؟ فلم يأت بالاستقلال أحد. ويقال في موضع التمييز البائخ إن السودان نفسه لم يكن مستعمرة. ” ولم يتبع أبداً لوزارة المستعمرات. ولم يكن هنالك استيطان بريطاني في السودان. بل 700 موظف في كل السودان. فلا يحق لأي انسان أن يدعي بأنه قد أتى بالإستقلال للسودان. هذا محض كذب” (سودانايل 26-4-10). ويقع هذا التنصل عن الوطنية ومصطلح الاستعمار عندنا في وقت تسود بين غيرنا مدرسة دراسات ما بعد الاستعمار وتكتشف في الاستعمار سوءات تقعد بنا دون التحرر والسيادة. وهي سواءات كانت فاتت على الحركة الوطنية نفسها.
وذاعت عزة التربويين ببخت الرضا بين العامة. فالسيد هاشم مساوي، الذي لا أعرف إن كان معلماً أم لا، وصف المعهد بأنه هدية الإنجليز لنا. فرأى فيه شموخاً وراءه أهداف واضحة وبعد نظر نفقده الآن كثيراً. وزاد قائلاً بأنه صرح رَعاه مستر قريقث أحد أبناء جون (الإنجليز) الذين ألقت بهم يد القدر في أرض السودان ليهدي الأمة السودانية كنزاً ما عرفوا التعامل معه (السوداني 18-3-2006). وقس على ذلك من ضروب الورع السياسي حيال هذه المؤسسة الاستعمارية.
ومن ضروب هذا الورع ما عثرت به وأنا اقلب برامج الأحزاب السياسية لمعرفة رأيها في إصلاح التعليم قبيل إنتخاباتنا الماضية (2010). ووجدت في كتاب حزب الأمة “أو
راق المؤتمر العام الثالث” ( 2009 ) ورقة عن التعليم تكاد تكون إطراءاً عظيماً لمعهد بخت الرضا. فسمته المعهد “العريق العتيق” كثير المهام و”بيت الخبرة” الشمس الذي تدور حوله أفلاك المعاهد الأخرى. واستنكر الكاتب أن تعهد الحكومات اللاحقة لبخت الرضا مهمة وضع مناهج المرحلة الثانوية قائلاً: “كيف يمكن لهذا الصرح أن يقوم بكل ذلك مع العملية التربوية الذي أسسه مستر غريفث ومستر هووجين؟ (هودجكن) لها. وقال إن هذا البيت الكبير تسودن وظل يعطي الوطن خبرة أبنائه ممن هم “ملء السمع والبصر”. ووصف المعهد ب “الصرح” الذي علمنا أن “نمتلك سلاح المعرفة” حتى قال عن الأجيال التي تخرجت بواسطته ” أجيال لا شبيه لهم في الألفية الثالثة”.
وتبرز “العقيدة” في روعة بخت الرضا كتعويض عن خيبتنا في الاستقلال في نعي “أوراق” حزب الأمة لانطواء صفحة هذه المؤسسة التربوية الغراء بفضل النظم الشمولية التي تتابعت من لدن الرئيس نميري (1969-1985) إلى الإنقاذ (1989-). فأهمل نميري بخت الرضا وارتجل سلماً تعليمياً فاسداً. وبدأ توريط التعليم في سياسته وأكملت ذلك دولة الإنقاذ. وتوسع الكاتب في عرض أخطاء الإنقاذ في التعليم مما هو معروف. واختتم مقاله بتوصيات أراد ببعضها رد الاعتبار لبخت الرضا حتى بعد أن ماتت وشبعت موت. فقال بوجوب “إعطاء بيت الخبرة بخت الرضا صلاحيات أوسع في وضع المنهج وتجريبه في مدارسها. واضاف بوجوب “الاستعانة بخبرات خريجي بخت الرضا في مجال المنهج والتدريب والمتابعة حتى لو ذهبوا للمعاش”.
المجدد للمهدية التي قضى عليها الاستعمار باني بخت الرضا. والأعجب أن هذا المعني لم يغب عن كاتب الورقة. ففي مقدمتها التاريخية ذكر المهدية ك “أول حكومة وطنية مائة بالمائة من صلب هذا الشعب” بقيادة المهدي الذي أسس دولته، التي لم تدم، على المعرفة. فجاء الاستعمار “وانطوت أعظم صفحة خلدها التاريخ المعاصر بأحرف من نور على جبين هذه الأمة الفاضلة”. فبدأ في تخدير الشعب “بالتعليم وخاصة التعليم الأساسي بقيام كلية غردون” وتخريج بعض الأفندية في مجالات الخدمة المدنية المختلفة. ومافرغ الكاتب من هذه الشعارات الوطنية المفعمة في مقدمته حتى أطنب في مدح “صرح” بخت الرضا العريق العتيق.
تمثل عبارة حزب الأمة في التعليم حالة “فصام معرفي”. فهي على الجانب الصحيح من جهة الوطنية. فقد قالت بالنص إن الاستعمار هدم المهدية التي هي زبدة معارف السودانيين وممارساتهم في المعاش والمعاد. ثم استخدم التعليم ل”تخدير” السودانيين أي حملهم على تقبله. ولكن العبارة تخطيء من جهة التربية فلا ترى في “بخت الرضا” أداة مركزية من أدوات “التخدير” لإسباغ الشرعية على مهمة الإنجليز بيننا. وهذا الفصام المعرفي هو الأصل في النوستالجيا ضاربة الأطناب بين صفوتنا البرجوازية الصغيرة التي ترهن النهضة بالعودة إلى مؤسسات الزمن الجميل الذي مضى. فشعاراتها الوطنية في واد وأفقها في ممارسة مهنها في واد آخر. فعلى صوابها السياسي الشعارتي وجدت نفسها خلواً من الخبرة الوطنية في إدارة البلد على نهج قويم. ولذا تجدها، كما رأينا كاتب حزب الأمة يفعل، تنتقل بما يشبه الفصام من هجاء الاستعمار إلى مدح مؤسساته والغلو في ذلك. ومنعنا هذا المأزق المعرفي من أن نتصل بفرع في فلسفة التربية هو “الاستعمار والتعليم” الذي ندب ماقمان قلة العناية به بعامة.
لم نخرج بهذا الكتاب لهدم بخت الرضا كخبرة في التربية السودانية وإنما لهدم هالة القداسة التي جعلتها وثناً ثقافياً سدنته غلاظ شداد. وهذه جاهلية حالت، وستحول، بيننا وبين فهمها كخبرة تربوية سودانية كما يدعو سدنتها. وهي خبرة جرت دراستها عند نقاد التعليم الاستعماري كنص “هجين أو خلاسي”. وتنامى الاهتمام بمثل هذا النص في المباحث بفضل مدرسة دراسات مابعد الاستعمار التي أطلقها من عقالها المفكر الراشد الوسيم المرحوم إدورد سعيد. ويعنون ب “النص الخلاسي” أن المستعمرة، خلافاً لقول قادة الحركة الوطنية، لم تنقسم إلى وطنيين خلص وإنجليز خلص على طول الخط. بل اختلط الاثنان اختلاطاً تعمينا عنه عقيدة الخلوص الوطنية من “أوشاب” الاستعمار. بل هناك من يقول إن هذه الخلطة بلغت الغاية عند الوطنيين أنفسهم. وتريد هذه المدرسة أن تقف على هذه “الأوشاب” بدراسة النصوص الخلاسية مثل رضا. فليست رضا كما ظنها الوطنيون الأبكار مجرد “دنس استعماري” نتبرأ منه. فهي طاقة وطنية كما حاولنا بيان ذلك في فصول مثل “دمع العين يزيل ألمي” من هذا الكتاب. ولكنها طاقة شكلها الاستعمار وفق منطقه ومقاصده في ثقافة قوية (دعك من حسنها وقبيحها) بقيت بعده. وسنضل في العلم بالاستعمار وبأنفسنا إذا اعتقدنا أنه رحل عنا وتركنا كصحن الصيني لا شق ولا طق. فلقد تهافت البرنامج الوطني ل”محو آثار الاستعمار” لأننا فهمنا خطأ أن الاستعمار “يتبخر” بالاستقلال فنعود سيرتنا الأولى كمن يصحو من حلم مزعج.
يرفع هذا الكتاب عقيدته بالدعوة لبداغوغي المستضعفين من أمثالنا في عالم الطاغوت. ومسعانا للحم المدرسة بثقافة محيطها، التتي استبخستها رضا وورثتها، هي مما دعت له الدكتورة لند سميث، من شعب الماروي النيوزيلندي، للتحرر من الاستعمار كمعرفة تشربناها واستساغها نفر كثير منا.
د. عبد الله علي إبراهيم
محجوب شريف والعجوز والفصل: بخت الرضا المضادة ..
“من كتابي: بخت الرضا: الاستعمار والتعليم، دار الخرطوم للصحافة والنشر، 2103 ”
وددت لو عطلنا إعجابنا المشروع بمحجوب شريف الشاعر الثوري إلى حين لنعجب بمحجوب شريف التربوي. ومحجوب من غرس بخت الرضا. فقد تدرب كمدرس أولية على سنة بخت الرضا ومنهجها. ودرس بالمدارس الأولية زمناً وما زال محجوب في قرارة نفسه مدرساً قبل أن يكون شاعراً. ربما. ومن المؤكد أنه أحب من بخت الرضا أشياء وكره منها أشياء كثيرة من غير تصريح أو تنظير. وقد بدا لي دائماً في تجاربه التربوية في مدرسة الأحفاد في التسعينات وفي مؤسسته “نفاج”، التي يديرها بالتعاون مع مركز عبد الكريم ميرغني، أنه “بخت الرضا المضادة”. وتمثل تضاده لبخت الرضا في مسألتين. فهو أولاً شديد الاقتناع أن محيط المدرسة السودانية عامر بالثقافة لا كنصوص فحسب بل كممارسة في الأريحية والفضل والتراحم ورباطة الجأش وغيرها. وهو خلافاً لبخت الرضا، التي بخست قدر السودانيين من الثقافة، يريد لتلاميذه أن يتصلوا بتلك الثقافة نصاً وممارسة، لكي ينشأوا على خلق عظيم. وقد سبق له أن قال ذلك شعراً: “والشارع مدرسة شعبية”. ومن الجهة الأخرى استقدم محجوب إلى دائرة التعليم معلمين ومادة غير ما اتفق لبخت الرضا. فقد ألف بين الصغار والحبوبة الراوية الحجاية بصورة لم يسبق إليها كما وضع نصوصاً لم ينظر فيها إلى محفوظات بخت رضا المستكرهة كما رأينا عبد الله الطيب يصفها. وطلب في كل ذلك أن يستثير خيال الأطفال حول وقائع محيطهم الاجتماعي حتى تنطبع فيهم انطباعاً حسناً وتبقى فيهم ينبوعاً للرجاحة في طلب التغيير والخير لبلدهم.
تعين محجوب معلماً بمدرسة الأساس بالأحفاد في التسعينات الأولى برغبة من مجلس الآباء بعد فصله للصالح العام بعد قيام دولة الإنقاذ. وقد وفرت له المدرسة مناخاً طليقاً يجرب فيه “مدرسته المفتوحة على الشارع” أو “مسرح الشارع” كما وصفها ضاحكاً. وسنرى هنا صورة لتجربة تربوية ربما تطرف فيها محجوب سباحة ضد تيار بخت الرضا. فلم تكن حصص محجوب تنعقد في فصل بحيطان معلومة. فقد كسر محجوب الحائط الرابع، بلغة المسرح، وراح يأخذ تلاميذه إلى الطرقات ليتلقوا العلم مما أفاء به الله على أهلهم العاديين. وهو علم ازدرته بخت الرضا وساء ظنها فيه (أو أساءت تقديره بالأحرى) حين وصفت مجتمع المدرسة بالخلو من الثقافة. وقد ساقتها هذه الخلاصة المجازفة عن ثقافة السودانيين إلى الاستثمار في المدرسة لجعلها المؤسسة الغنية لمجتمع معلم الله من المعرفة كما رأينا. فمتي سار محجوب مع تلاميذه في الشارع كان يعلمهم قاعدة المفرد والمثنى والجمع بجعلهم يعدون شبابيك منزل ما: شباك شبكان شبابيك. أو ربما أطلعهم على مترادفات شباك مثل “نافذة: نافذتان ونوافذ”. وكان لمحجوب مطلباً أبعد من مجرد قواعد النحو. فهو كان يريد لهم أن يأمنوا للشارع: لسابلته ولخلطته وضوضائه ولغته، أي لوطنهم. فحدثني عن كيف اعترض مسارهم يوماً كلب نابح ارتعدت فرائص التلاميذ منه. ولكن سرعان ما خرجت صاحبة الكلب، وكانت فيها بسطة في الجسم، وقالت لهم ألا يخافوه فهو كلب هادئ لا يعض. ورد عليها تلميذ أنه ربما لم يعضها لأنها سمينة. فواصلت تطمئن التلاميذ على وداعة الكلب. وقال محجوب إنه اعتبر هذه الواقعة درساً في طمأنينة التلاميذ لحقائق شارعهم وأهلهم. وما أبلغه من درس.
وحدثني محجوب عن لقاء آخر لفصله بامرأة. وكانت مسنة. ولما طلبوا الحديث إليها أنزلت قفتها من على رأسها وجلست على مصطبة أحد المنازل. وكان محجوب ينتهز حديث المرأة لتلاميذه لتوسيع مدركهم اللغوي وبيان قواعد العربية لهم. فهو يتسقط ألف المد وواوه وغيرها من حوار الفصل والعجوز ويشرح نحوها. ولابد أن ذلك كان يوماً سعيداً للعجوز أنست إلى أحفاد لم تتصور أن تلقاهم أو أن يهتموا بها. وبينما هم جلوس جاء صاحب المنزل يحمل عصيراً في حفاظة سقى العجوز والفصل. وقال لي محجوب إن الذي سيبقى مع هؤلاء التلاميذ ما عاشوا هو أريحية العجوز السعيدة بهم وبأسئلتهم وأريحية هذا المضيف الذي سقاهم شراباً طهورا طرباً بلقاء الأجيال على مصطبته.
والوجه الآخر لتضاد محجوب مع بخت الرضا أنه أثرى طاقم التدريس بجمع التلاميذ بالحبوبة كمثقفة ومدرسة. وقد تناغم محجوب، درى أو لم يدر، في هذا الجراءة مع دعوة عبد الله الطيب لبدء تعليم العربية بالحكايات الشعبية كما رأينا في بابنا عنه في هذا الكتاب. وقد توافر لمحجوب أن يدعو الحبوبة لتدلي بدلوها التربوي في تجربته “نفاج” وهي ورشة لصناعة الخيال المحض بالحارة 21 بالثورة أم درمان. ومن عناصر خطة محجوب لإطلاق شراع خيال الأطفال المحرومين أنه يجمع “الهكر” من البيوت ويبذله لهؤلاء لأطفال في ورشة نفاج ليجعلوه خلقاً جديداً ويعرضونه للبيع. وقد اقتنى محجوب البص أصلاً كمكتبة متحركة تطوف بالأحياء المزقولة والمطرودة ليبلغ الكتاب أطفالها. ومحجوب يحتفظ لمدرسة بخت الرضا التقليدية بالجميل لجعلها المكتبة مرفقاً مركزياً في التعليم. والمعروف أنه قام بمشروع ناجح لاستعادة المكتبة المدرسية خلال عمله بقسم المناشط التربوية بمدينة أم درمان بعد انتفاضة أبريل 1985. وهو مشروع يفخر به ويذكر بالعرفان الزمالة العظيمة التي اكتنفته بقسم المناشط حتى أثمر.
ومن الجهة الأخرى فقد استبدل محجوب محفوظات رضا المستكرهة كما وصفها عبد الله الطيب من مثل” أشرقت شمس الضحى” ببعض تآليفه من الشعر السائغ الذي اشتهر به. فقد كتب لتلاميذ مدرسة الأحفاد أساس نشيداً صار علماً للمدرسة:
البنت والولد
لرفعة البلد
كلاهما غداً يزيدنا عدد
كلاهما غداً لمجده مدد
أو في قول أم عن ولدها “أحمد”::
أحمد جاء
نكتب اسمو نتهجاه
ما قصر معاي في البيت
ولا خلانا نترجاه
فالح ربنا يخليه
ومن شر الكضب ينجاه
أبويا أنا جدكم رباه
زمانك، نَوّمو وحجاه
وقد صدر بعض هذا الشعر في كاسيت معروض للبيع.
إن محجوب معدن تربوي لا ينضب. وقد غطت ثوريته الشعرية على أخطر ثوريات محجوب طرا. وهي تلك التي ترخي لخيال التلاميذ أعنة الطلاقة. فقد بدأ من بخت الرضا ورأى انغلاق تجربتها عن مرجعية الشارع السوداني. ولتنميه هذا الخيال كسر محجوب الفصل المدرسي طق. وهذه ثورة الشاعر على “اعتقال الخيال” التحفظي. فالشاعر وحده الذي يرى الخيال كاستثمار مضمون الريع بينما تأتمر عليه كل القوى الأخرى مثل الحكومة والأحزاب والعائلة والمدرسة. فكلها تأتمر عليه تريد تدجينه أو تلويثه لصالحها.
د. عبد الله علي إبراهيم
[email protected]
والله العظيم لم اجد تعبير ابلغ من عنوان مقالك ليحكي عن حالة السودان
بلد البؤساء الذي يتضورون جوعا من حوالي ستين عاما بسبب اخطاء سياسيين يدعون العلم والمعرفة
ولكن اقول لهم القلم مابيزيل بلم
شكرا الاستاذة الراقية نعماءونعم المقال
كنت اتمنى أن يكون عنوان المقال/ القلم بزيد بلم.
http://www.hurriyatsudan.com/?p=60095
[email protected]
من غضب الله علينا أن الصفوة (وهذا ما يسمي خريجو المدارس والمهنيون أنفسهم) طالقة لسانها في الآخرين ولم تجد بعد من يطلق لسانها فيها بصورة منهجية. فهي تصف جماعات غمار الناس ب “الأمية” أو”البدائية” أو “المتخلفة” أو بالمصابة ب “الذهن الرعوي” أو “ببله الريف” أو انها “مستعربة” أو “متأسلمة”. واحتكرت حق تبخيس الآخرين أشياءهم. واحتكرت حتى نقدها لنفسها ولكن برفق. فهي “فاشلة” أو “مدمنة الفشل” بما يشبه التوبيخ على حالة عارضة تلبستها وستخرج منها متى صح منها العزم.
وقليلاً ما عثرت على نقد للصفوة تخطى ما تواضعت عليه من الرأفة بنفسها والعشم في صحوتها إلى نقد جذري يطال “فشلها” بالنظر إلى اقتصادها السياسي: إلى مناشئها الثقافية والاجتماعية ومنازلها من العملية الإنتاجية. وأسعدني أن قرأت قبل أيام بهذه الجريدة للاستاذ محمد الغبشاوي كلمة قاطعة “أدت” الصفوة في “التنك”. فوصفها بأنها مصابة بأمرين. فهي “فاقد إلتياع” من جهة وتعاني من “فائض استتباع” من الجهة الأخرى.
يقصد الغبشاوي بمفوم “فاقد التياع” ما حاولته أنا أكثر من مرة هنا بقولي إن الصفوة خلو من الحمية. وهي ترجمتي ل “باشون passion” الإنجليزية. وأعتقد أن الغبشاوي وقع على التعريب الأوفق للكلمة. فقد أفرغ الغرب الصفوة في مدارسه وبقدوته من كل شغف بأهلها وثقافتهم وأطلق لسانهم فيهم “يا بدائي” “يا أمي” يا “متخلف” يالفعلتك يا التركتك. كنت أستغرب مثلاً لماركسي يقول، تأسياً بلينين، إن الأمي خارج السياسة وحزبه في قيادة معظم نقابات العمال واتحادات المزارعين التي قوامها أميون. أو تسمع من يقول لك “بالله الحاردلو دا لو قرأ كان بدّع”. وكأن ما قاله الحاردلو شفاهة ناقص.
قال الغبشاوي إن فقدان الالتياع يخلي وجدان الصفوة من الإبداع. فمن أين يأتيها ولماذا طالما “ألغت الأمة”. فأنظر كيف وصلنا إلى فشل الصفوة وعقمها وإدمانها ذلك بطريق جذري يقلب مناضد الصفوة كلها في وجها ويرجعها إلى منصة التأسيس. وبؤس إلتياع مما أخذته النظم الشيوعية في الصين وكمبوديا على الصفوة وعالجته ب”سخرة” إعادة التربية. وهي تفويج الصفوة إلى الريف لإستئصال شافة نشأتهم الغربية بين الفلاحين الموصوفين ب”الأصالة” والكدح. وبالطبع أبعد رفاقنا النجعة وأورثونا مذمة. بل حاوله تمبل باي، رئيس وزراء تشاد الأسبق، ذلك بإخضاع كل الخدمة المدنية لطقس أفريقي تقليدي شديد القسوة ليعود بهم إلى “التشادوية”.
أما فائض الاستتباع فهو فرط قبول الصفوة ل”الوصاية الشقراء” أي الغربية البيضاء في عبارة الغبشاوي. فهم بعد إلغاء الأمة صاروا عالة على الغرب وفكره وأنساقه. وللاختصار فقد أخذ على الصفوة المسلمة أنها لم تكتشف تجربة العالم البنغلاديشي محمد يونس (صاحب كتاب عالم بلا فقر) في التمويل الأصغر إلا بعد أن “هرَّج” بها البنك الدولي. وهو البنك الذي يفلق ويداوي. فهو قد كتب الفقر على غالبية سكان العالم الثالث بسياسته المعروفة بالإصلاح الهيكلي (والخصخصة منه) ثم جري يغطي سوءته بمثل التمويل الأصغر.
ولاحظت أن الغبشاوي يقرأ لغير ما اتفق لأكثر صفوتنا في أحسن الأحوال من مثل ماركيز وأمل دنقل ومنصور خالد ومحجوب شريف والجابري. فهو يقرا بنظر لمّاح لجلال أمين ورمزي زكي (تحديث الفقر وتنمية التخلف) وللمهدي النجرة (الأهانة في عهد الميغا) ولم أعرف عن الأخيرين من قبل. إنه يقرأ المظان الحسان.
قال الأستاذ صلاح فرج الله إن صفوتنا عالة على الواقع. وهذا قريب من قول بريخت: “تنشئة المثقفين عملية طويلة وشاقة. وهي مما يمتحن الجماهير ويعيل صبرها”. فإذا أدمنت الصفوة الفشل وأستمرأته خرج عليها مثل بول بوت الكمبودي و “وراها المكشن بلا بصل”.
14 سبتمبر 2010
للأسف أغلب هؤلاء الخبراء-كما يدعون- في الأساس من مواطنى هذه المناطق الفقيرة و لكنهم بعد إنضمامهم للمنظمات الدولية-بصور مشبوهة و ليس عن كفاءة- تنكروا لأهلهم و مناطقهم؛ بل تنكروا لوطنهم السودان!!!
التحيه على الموضوع الشيق
بالجد تصرف محزن من هذا الخبير. ولكن موضوعك هنا له ثلاث جوانب.الاول هو تعامل المثقف السودانى الخبير مع مشكلات السودان وفشله فى حلها الثانى فشله فى ابرازالمشكله بصوره تساعد على حلها واللجوء الى لوم الضحيه كما فى هذه الحاله.الثالث هو اننا يجب ان نعترف وبصراحه بأن هنالك مشاكل تعوق تطور الانسان السودانى تعود الى ثقافته ولا يمكن حلها بالمساعدات الماليه فقط فلا بد من عمل توعوى واجتماعى كبير.
اتمنى ان استطيع الاختصار ولكن لننظر اليها كل على حده
فيما يخص سلوك هذا الخبير من رمى اللوم على الضحيه فهذا السلوك ليس نادرا و يمارسه عامة الناس سواء كان مثقفا ام لا و يعود لأسباب كثيره سأورد ما اعتقده سببا
1) عنجهيه من المتحدث وتكبر لانه يحتقر الضحيه و يرى نفسه افضل منها ولا يعلم بأن التكبر هو عقدة نقص اساسا
2) بسبب عقده نفسيه نتيجة شعور بالدونيه فى وضع ما
(فى هذه الحاله يمكن لعمله مع جنسيات مانحه وهو من جنسيه متلقيه للمساعدات بحيث لا يريد المتحدث ان يظهر بأن هنالك مشكله ماديه فى بلده (خجلان من كون بلده يتلقى مساعده)فهو يكره الضحيه لأنها وضعته فى هذا الموقف ويرمى باللوم على المساكين ولا يدرى بأن الاحصائيات الدوليه كلها تشير الى الحاله المزريه التى يعيشها السودانيون ولو كان عاقلا لعمل على تكبير المشكله لاستقطاب اكبر كميه من الدعم فدول العالم الثالث تقاتل للحصول على الدعم الدولىلكن لان الحصول على اموال مجانيه هى اسرع طرق الدعم للفئات الفقيره ومساعدتها على تجاوز الفقر و كسب الزمن بشرط ان يوظف بطريقه صحيحه (ليس من اجل النهب فقط) و حتى ولو للتعليم فى هذه الحاله)
3) قدوم المتحدث من بيئه متخلفه وتميزه بالجلافه فهو رغم انه يعلم بالمشكله من الناحيتين الماديه وكذلك الاجتماعيه وهذه محمده لكنه لا يحسن التعبير عما يريد قوله
3)تكرار لما يقوله الآخرون دون فهم فهو لا يدرى كيف يناقش المشكله مع المثقفين من حوله فيلجأ لهذا الاسلوب
4) عدم فهم عالم اليوم فقد انقرض اسلوب التحقير فى العالم المتحضر واصبح احترام الطرف الآخر هو اساس التعامل
5)الضحيه قد ارتكب جريره او التصقت به صفه يخاف المتحدث ان تلتصق به وهو اسلوب منتشر عند حدوث الجرائم الاخلاقيه
6)البعد عن الانسانيه فالمتحدث من خلفيه همجيه بربريه غالبا لديها صعوبه فى العيش و ينتشر فيها الاذى ويقل التعاطف بين افرادها او على المستوى الشخصى نتيجة تربيه قاسيه تعرض فيها لحرمان عاطفى ولم تتوفر فيها التراحم الاسرى
7) ما وصفت به الضحيه يحز فى نفسه فهو موصم بها ايضا ولا يريد للآخرين ان يلحظوا ذلك
السؤال المهم هو بعد ان يتعلم الشخص ويصبح مثقفا وخبيرا لماذا لا يتطور ويتخلص من هذه العقد ويركز على حل المشاكل؟ فماهو مقبول من العامه يجب الا يمارسه شخص قد تعلم وترقى واختلط بالعالم من حوله مما يجعله قادرا على وضع الحلول بدلا من لوم الضحيه. هل ارتباط المثقف بالعادات الاجتماعيه قوى لدرجه تجعله يعيش حالة انفصام بحيث ان العلم شئ يمارس به المهنه من دون ان يفهم بأن له دور فى حل المشاكل وقبل هذا فى تفتيح المخ ايضا؟ الاجابه لسوء الحظ هى نعم والسبب هو التنشئه الخاطئه فى الاسره والمجتمع (فالشخص المتعلم معظم بشهادته وليس بسلوكه ولا يقدم اى فائده فى المجتمع سوى لاهله القريبين) مضافا اليها نظام التعليم الذى اهتم بالناحيه الاكاديميه واهمل النواحى الاخرى التى تمكنه من ان يصبح شخص ذو فائده فى المجتمع واليوم يعتمد التعليم فى العالم المتحضر على اشراك الشخص فى الاعمال الاجتماعيه منذ وقت مبكر وتعتمد المراكز التعليميه والخيريه بشكل كبير على المتطوعين مما يعزز من قيمة التعاون فى المجتمع ويقصر المسافه بين مقدم الخدمه ومتلقيها بدلا من ان يكونوا فى جزر منعزله عن بعضهم البعض.
لذلك اللوم الحقيقى على هذا الخبير وعلينا جميعا نحن وكل من درس وتعلم ولم يعمل على نشر العلم وتوعية الآخرين فى بلده وهذا هو اهم عيب فى المثقف السودانى فحتى عندما يصبح متعلما وقادرا على تشخيص المشاكل فانه لا يتحرك خطوه الى الامام ويطرق الحلول وان عرفت لا يتم الشرع فى تنفيذها وهذه مسؤولية الدوله ربما فى التنفيذ ولكن هل سمعنا بمتعلمينا ومثقفينا وخبراؤنا يقدمون الحلول حتى وان لم يتم تنفيذها؟ كم من المقالات تكتب كل يوم فى نقد الحاله الراهنه من تعليم وصحه وبنيه تحتيه وكم شخص كتب معطيا الحلول؟
اذا لدينا مشكله اخرى هى العجز عن وضع الحلول وهذا نتيجة طبيعيه لتقوقع السودانيين على انفسهم لزمن طويل والرضاء بل والاعجاب بحالهم (تبنى البيوت من نفس المواد التى تعرضها للانهيار كل عام) مما ادى لانعدام الابداع الخلاق ما يعرف بال creativity وكذلك مهارات ال problem solving
وعليه لوم الضحيه فى هذه الحاله قد يكون احد مظاهر العجز عن الانجاز وهذا موضوع يطول الحديث عنه نتركه لوقت قادم
اخيرا مشاكل الطبقه المثقفه فى السودان اكثر من ان تحصى ولكن اشرتى الى نقطة مهمه جدا فى هذه الفقره عما يختص بالبعد عن السلوك الاكاديمى القويم ونقل المعلومات شفاهة:
….يعج سماء السودان بتحليلات وتصنيفات وافتراضات لا تعتمد علي شئ سوي اجماع اصحابها علي وجودها وبذلك فاغلبها عار تماماً عن الصحة……
المشكله هنا هى ثقافه اجتماعيه تعودت على الحكى بدليل قلة او انعدام الكتب التى ورثناها عبر تاريخنا والتى انتقلت لتصبح مشكله اكاديميه ايضا فثقافة التوثيق لم ترسخ بعد او تجد اولويه فى كل المجالات و عدم الاهتمام بنشر نتائج الدراسات قبل وبعد لم يضر بالسلوك الاجتماعى فقط بل بالتنميه نفسها فمن يريد الحصول على معلومه اما ان تكون له معرفه بشخص يعمل فى حقل ما او الاعتماد على ما يسمع انا شخصيا لم ابحث فى الامر ولكن لا اعلم عن اى اصدار رسمى او جورنال دورى يوضح سير الجهود او ما قد تم انجازه للبناء فى اى مجال وان وجد فهو فى الغالب غير متاح للعامه وقد يكون الحصول عليهاعن طريق الامم المتحده اسهل من الحكومه السودانيه
اتمنى ان اكون على خطأ
________________________________________________________________
عذرا للاطاله ولكن سأعطيك مثالا للجانب الاخير لأنه يختص بشرق السودان تحديدا. فقبل فتره كنت اتحدث مع احدى قريباتى وهى تعمل مع هذه المنظمات منذ وقت طويل. سألتها عن الوضع فى شرق السودان لأننى قبل فتره كنت اقرأ عن انتشار سوء التغذيه والامراض بكثره فى الشرق الحبيب.
فاجأتنى باجابه تؤيد ما ذكره المتحدث اعلاه وقالت لى بأن شرق السودان به مشكلة فى المفاهيم تعيق جهود المساعده. سأذكر لكى الامثله وارجو ان ننظر لها بحياد
لن اذكر اسم المنطقه بالتحديد ولكن محاولة علاج المشكله فيها قد اصطدم بعوائق الثقافه حيث لم يستفد السكان من المشروع الزراعى الذى اقيم بالقرب نسبه للمفاهيم السائده مع عدم نكران ان الحاله الماديه اساسا تعبانه ولكن حتى على قلتها فالاولويات تسير فى اتجاه لا يساعد.
بينما كانوا فى زياره لهذه المنطقه وعند الذهاب للسوق لشراء بعض الفاكهه لم يجدوا ولا قطعة فاكهه فى السوق برغم ان المشروع الزراعى قريب وبه انتاج يغطى المنطقه وعند السؤال عن سبب عدم توفر الفاكهه قال السكان بأنهم لا يأكلونها اصلا وان الانتاج برمته يتم شحنه الى مدينة ودمدنى. قاموا بسؤال الامهات عن السبب ولماذا لا يطعمونها لابناءهم فهى مفيده اجاب السكان اجابه لا استطيع كتابتها هنا ولكن ما معناها بأن الاكل فى الآخر بيطلع فى شكل فضلات لذلك لا فائده من شراؤه
الخلاصه: لا توجد اى ثقافه لدى السكان عن الغذاء الصحى وفى اعتقادهم ان الانسان ممكن يعيش لو اكل ويكه بس لمدة عام كامل وهنا الفرق بينهم وبين المناطق الفقيره الاخرى فى السودان فهناك برغم الفقر يهتم الاهل كثيرا بأن يأكل ابناءهم كل ما استطاعوا توفيره بل ويتقاتلون على الاكل ان وجد فى وقت فيه شح او مجاعه بالرغم من عدم معرفتهم بشئ اسمه الفيتامينات ولا يعرفون الفرق بينها وبين النشويات والبروتينات
كذلك الفصل بين الجنسين يتم فى وقت مبكر جدا فى الشرق فغير مسموح للرجال بالبقاء فى القريه اثناء اليوم المشكله انهم يصطحبون معهم الاولاد من سن السابعه فما فوق فهم يعتبرونهم رجال وذلك يعرضهم للحرمان من التنشئه فى حضن الاسره والام بالاضافه لتعرض الاطفال الذكور خاصة لنمط عيش مثل الكبار غير مناسب لهم مثل الاستعاضه بشرب القهوه عن الافطار فى سن ما زال الطفل ينمو
مثال اخر: عند وجودهم هناك مرض احد الاطفال وبما انهم كانو فى طريقهم لودمدنى بعربة المنظمه اصطحبوا معهم الام والطفل لزيارة الطبيب وبعد رؤية الطفل الذى كان من الواضح انه يعانى من سوء التغذيه الحاد قصدت الام سوق المدينه وقامت بشراء خاتم دهب بدلا عن اى نوع من الاكل اوالفاكهه للطفل
وهنا ثقافة الماده عند النساء منتشره بصوره لم يتوقعونها فبداخل القطيه يمكن ان تجدى فرش ما شاء الله وغرف نوم واثاث ولديها دهب فى حين ان المرأة اظافرها متقصفه وشهرها يتساقط وتبدو عليها كل علامات سوء التغذيه من شعرها الى اخمص قدميها
مثال ثالث:
عند زيارتهم لاحدى المناطق احتاجوا لبعض اللبن فقصدوا واحد صاحب قطيع وطلبوا منه بعض اللبن بالشراء طبعا كانت دهشتهم عظيمه عندما رفض صاحب القطيع وقال ليهم : الكلام ده بيمحق القطيع وبعد تحنيس قبل ان يملا ليهم كوره من اللبن ولكن من سته غنمايات مختلفات بيحلب من كل واحده شويه وبسرعه جدا كأنما هنالك شيطان يتبعه خوفا من اللعنه التى قد تصيب القطيع
الخلاصه: بعض الثروه موجوده ولكن اهلها لا يستفيدون منها بسبب معتقدات غريبه فلا يمكن الا تطعم نفسك او اولادك اللبن بسبب خرافه كهذه
مشكله اخرى التمسك بالتقاليد القبليه قوية لدرجة يخاف اى شخص ان يكسرها ففى وجودهم كان هنالك تجهيز لزواج احدى البنات وعمرها 12 سنه قاموا بالتحدث مع ابوها بأنها صغيره ولكن الوالد قال الناس كلهم هنا بيعملوا كده وما باقدر اخالف انا براى بعدين يطردونى عديل كده
القصد من هذا السرد ليس للتبشيع بأهلنا فى الشرق او مساندة الخبير فى الطريقه التى تحدث بها ولكن لتوضيح ان الكثير من المشاكل التى يعانى منها السودان تعود فعلا الى الجهل ولا ننكر حقيقة ايضا ان الجهل والمعتقدات وحتى الممارسات الخاطئه ليست حكرا على الشرق ولكن تنتشر بطول السودان وعرضه ولكن المأساه فى حالة الشرق انها ارتبطت بالغذاء لذلك هى اذا مشكله عاجله ويجب ان تكون قوميه كمشكلة الحروب والنزاعات ولكن حلها يكمن فى نشر التوعيه بين المواطنين فيجب التركيز على التعليم بصوره عاجله واخذ الاطفال للمدارس حتى سن متقدمه للجنسين لتنشئة جيل جديد متعلم يساهم فى تغيير السلوك القائم بالاضافه لعمل سريع وسط الجيل الحالي من الامهات والآباء وتوعيتهم باهمية الغذاء واستغلال مصادر الرزق التى لديهم وتلك التى تجاورهم وكذلك ادخال اعمال يدويه وغيره للنساء حتى يحسوا بالامان من الناحيه الماديه
مره اخرى عذرا للاطاله واذا وجد عدم ترتيب او اخطاء فى الموضوع فنسبه لضيق الوقت قد كتب على مراحل
ونسأل الله ان تكون به فائده وما تنظير فقط
يا محاسن الكلام والكتابة والرأي
أزمة السودان في مثقفيه ومتثاقفيه
وشكراً جزيلاً ل هناء عبدالعزيز
وصاقعه هجايم الليل