د/قرنق، مرة أخرى

د/قرنق، مرة أخرى

عبد الحفيظ مريود

إستئناف التفكير في توضيع د. جون قرنق، يقتضي سؤالاً جوهرياً. أين تنحصر مساهماته الفكرية والسياسية بالضبط؟ وهو سؤال يتطلب عقلاً بارداً، بعيداً عن هوس وملاعنات الرافضين.وبعيداً زهو ومغالاة الموالين والمناصرين له. ذلك أن الأرضية المتهالكة للفكر السياسي السوداني والممارسة السياسية، لم تشهد حفراً مغايراً وأعمدة مختلفة إلا بفعلين، أو حافرتين، أولاهما الحركة الإسلامية التي قادها د. الترابي ، والحركة الشعبية التي قادها د. جون قرنق صعداً إلى الدولة. أيضاً، مع وضع الفروقات في الإعتبار، لأغراض إستخلاص العبر والدروس.

يجنح كثيرون إلى إعتبار د. جون قرنق متذبذباً، أو متقلباً أيدلوجياً، بالنظر إلى مانفيستو الحركة الشعبية والرداء الماركسي الذي إنتحله بداية حركته، ثم تحوله التدريجي، شبه البراجماتي باتجاه تبني الطروحات الليبرالية وما يستلزمها من سعي حثيث لإلتزام جوانب حقوق الإنسان. الديمقراطية، القانون الدولي، الجندر…الخ.

شيءُ آخر يأخذه الملاعنون هو سيرته الديكتاتورية داخل الحركة. ودمويته وتصفياته، على أن ذلك، فيما أرى ينبغي أن يحمل أما على تأثير الدعاية المضادة، على أنه جزء من آليات العداء، أو في إطار إشتراطات العمل داخل الحقل، في إطار جزئي تم تضخيمه لاحقاً لذات أغراض الدعاية، بدليل أن الذين انشقوا عنه، وهم صفوة لها تأثيرها (لام أكول، كاربينو كوانين، رياك مشار، رياك قاي، أروك طون…ألخ) لم تتم ملاحقاتهم بغرض التصفية، ولم تعترض الضغائن والصغائر إعادة ضمهم إلى صفوف الحركة، في أوبة بعضهم مثل رياك مشار أو لام أكول.

لكن، لنتجاوز الشكليات، قليلاً، في إطار السعي لإحكام الجملة (جزء من مراوغة لفظية غير ضرورية هاهنا، تحديداً) وإحكام الجملة يكون كالتالي:- يجب النظر إلى مساهمات د. جون قرنق في إطار تفكيك البناء التقليدي للسودان، وهو ذات العمل الذي إضطلعت به الحركة الإسلامية (جزئياً ترد المقارنات) فالبناء التقليدي يقوم على ولاء لأحد التيارين (ختمية ?أنصار) فيما تقبع القوى الحديثة، تراوح مكانها، تتراجع بإستمرار، بسبب معاولها رديئة. الصنع كلما إقتربت من جدران التيارين التقليديين. وذلك بسبب أن القوى الحديثة (التي أصبحت تقليدية اليوم، الشيوعي، البعث، الناصريين…الخ) لم تستطع أن تقارب الأسئلة الموضوعية للشأن السوداني، بمثلما فعلت الحركة الإسلامية والحركة الشعبية. فقد ظلت تلاحق مفاهيم غامضة، غير عملية، غير مرتبطة بحياة الناس، بمثل الطبقية، ديكتاتورية البرروليتاريا، القومية العربية، الحرب مع إسرائيل والإعتداد الناصري بالفرد كمحرك أوحد للتاريخ والمجتمع. وذاك( لعمرك) قصور وعجز عجيبان. فأفهم.

تبقى تجليات الثورة القرنقية(نسبة لا تخلو من غرابة، بعد إذن ملاحظاتك) في قدرتها على مخاطبة التناقضات الحقيقية للحياة في السودان، بصورة أكثر عملية. لذلك لايبدو التقارب غريباً بين الحركة الشعبية والحركة الإسلامية (وطني+شعبي)، على الأقل في مستوى خطاب التناقضات والأزمات التي تمسك بخناق الوطن والتفكير الوطني الراشد.

تنحصر الدعوة هنا (تمام الجملة المقترحة) في إعادة قراءة إتفاقية نيفاشا كتطور حاسم في أسئلة التفكير السياسي السوداني. ذلك أنها ، وإن بدت إتفاقاً لقسمة الكعكة. كما يخلو للكسالى تسميتها ? إلا أنها على مستوى أرقى من ذلك تخاطب أسئلة الهوية، المواطنة، إرادة التعدد، حوار الأنا المنقسمة على نفسها، اسئلة العلمانية، الإجتهاد العملي في مواكبة قضايا العصر.

أن يكون د. قرنق حاضراً اليوم وغداً، في تصميم الحياة المستقبلية في السودان، لهو أمر جدير بإعادة إعتباره، واحداً من المفكرين السودانيين البارزين، وأحد أهم الذين أسهموا في إثارة نقاط التحول الرئيس فيه. ذلك تحريض لدعم اتحادي لجامعة جون قرنق وتأسيسها صرحاً بارزاً. وإطلاق قاعة باسمه، أو ما شابه ذلك.

صحيفة الحقيقة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..