حرب البيانات تشتغل بين مكونات الحاضنة السياسية

في خطوة متوقعة؛ أصدرت “اللجنة الفنية لمبادرة حزب الأمة القومي”، بياناً أعلنت من خلاله إصلاحات منهجية وبرامج وأولويات الحاضنة السياسية، الأمر الذي عدّه مراقبون سياسيون خطوة أولى جيدة، في طريق معالجة قصور أداء مجموعة قوة الحرية والتغيير، باعتبار أن ما جاء في البيان يمثل جزءاً كبيراً في طريق الإصلاح الهيكلي للتحالف الحاكم، وهو ما كان ينادي به حزب الأمة القومي منذ البداية، ولاحقاً الحزب الشيوعي السوداني، اللذين غادرا التحالف، بيد أن حزب الأمة نكص عن موقفه خلال تكوين حكومة حمدوك الثانية.
ولم يمض وقت على بيان اللجنة الفنية لمبادرة حزب الأمة، التي وقع عليها العديد من كوادر الأحزاب والتنظيمات المكونة لإعلان الحرية والتغيير؛ حتى ظهر على السطح البيان المضاد الصادر من المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير، والذي أوضح أنه لا يوجد هناك ما تسمى باللجنة الفنية لمبادرة حزب الأمة، ودعا الوزراء والولاة التابعين لحزب الأمة بتحديد موقفهم إزاء البيان الصادر عن مبادرة حزبهم.
واعترف بيان المجلس المركزي بضرورة إجراء إصلاحات في هياكل التحالف، وإعادة النظر في النسب التمثيلية لكل فصيل، وجدد البيان تأكيده للمضي قدماً في إنجاز برنامج الثورة والتمسك بإعلان الحرية والتغيير.
وتواصلت حرب البيانات، بإصدار بيان ثان من اللجنة الفنية لمبادرة حزب الأمة، أكدت فيه أن المبادرة ماضية في تحقيق أهدافها مهما كان الثمن، وأن البيان الصادر عن المجلس المركزي، هو قفز فوق مراحل الواقع، وجاء مجافياً للحقائق، وأن ممثل المجلس كان حضوراً في اجتماع اللجنة الفنية.
الأخبار أيضاً رشحت بانسحاب عدد من الموقعين على مبادرة حزب الأمة القومي، الشيء الذي جعل الأمور تبدو أكثر تعقيداً، فقد انسحب ممثلو حركة حق والتجمع الاتحادي وغيرهما من التنظيمات الصغيرة داخل المبادرة.
وبهذا أضحت حرب البيانات بين قوى الحرية والتغيير، تدار في الهواء الطلق، بعد عامين من المناوشات المكتومة، فإلى أي مدى يمكن اعتبار ما يجري داخل الحاضنة السياسية بأنه أزمة، أو ربما تعد من جانب آخر بالممارسة الصحية لاستعادة مسار التغيير الحقيقي؟.
محللون سياسيون أوضحوا أن “موقف حزب الأمة الأخير الذي فجر الصراع داخل قحت، يسعى لجرجرة الهبوط الناعم فيها للاندغام معه في مشروع واحد، يؤدي لعقد ما وصفوه بزواج كاثوليكي بين قطبي الحلقة الشريرة، المدنية – العسكرية، وتوطيد دعائم انقلاب من نوع جديد يقوده القطبان معاً، ويشكل حزب الأمة وحلفاؤه قاعدته المدنية والجماهيرية، متوهماً الخلاص من دوران الحلقة الشريرة بوتيرتها السابقة، ولكن هذه المرة جاء الصراع فوق السطح بدلاً من إدارته في الخفاء”.
ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي منتصر إبراهيم، في حديث لـ(مداميك)، إن “ما يحدث نتيجة طبيعية ومنطقية، لأن البدايات الخاطئة تقود لنتائج خاطئة، وهي امتداد لعقم العقلية السياسية التي كانت تعارض النظام حتى تفاجأت بالثورة، فأصبح العبء أكبر والواجبات معقدة، وليس هناك جديد أو ما يمكن اعتباره مفاجئاً، لأننا لا يجب أن نسقط مسيرة الإخفاق الطويلة في مواجهة النظام البائد، وتكلفة تعقد الأزمة الوطنية، لأن ذلك يعود في الأساس إلى طبيعة هذه القوى”.
ويعتقد أن إبراهيم أن الدرس المستفاد من هذه الحرب: “هو أن تأخذ قوى الثورة وصاحبة المصلحة في قيادة التغيير زمام المبادرة مثلما فعلت بالثورة حينما كانت ذات القوى المختلفة الآن والمتنافسة تخوض في وحل خلافاتها وتتسابق نحو مصالحها”، مضيفاً بالقول: “لابد من انتزاع زمام القيادة السياسية عبر طريق ثالث، ومسار يتناسب مع تحديات ومطلوبات هذه المرحلة”.
بدوره يرى الكاتب والمحلل السياسي حاتم الياس، أن التعميم الصحفي الصادر عن اللجنة الفنية لقوى الحرية والتغيير، قوي للغاية في محتواه ومضمونه، وهو يفتح الباب واسعاً أمام القوى السياسية المدنية في أن تعيد ترتيب أوراقها من جديد، بل ويُعدُّ فرصة أخيرة وذهبية لتوحيد الصفوف والخروج من قتامة المشهد، مشيراً إلى أنه من الضروري عقلنة النظر لقضايا الخلاف السياسي، وأن توزن تكلفته ومردوده ونتيجته على الواقع الماثل، بعيداً عن (مزاج التشاكس الصبياني) السائد الآن، “لنرَ ماذا نريد أن نفعل في المستقبل”.
مداميك