الخروج من الشرنقة!!

نقوش

في خضم الفوضى التي سادت في عقابيل الثورة السورية حينما استعان الديكتاتور بالأجنبي ليبقى على سدة الحكم، إستولى الداعشيون على مدينة “الرقة”، وكانوا يريدون إقامة “شرع الله” فيها – حسب اعتقادهم ? لكنهم كانوا يريدون إقامة “شرع الله” هذا، دون أن يعلم أحد!! فمضوا يقطعون كل اتصال للرقة بالعالم الخارجي، وحطموا حتى أجهزة الإستقبال التليفزيونية، بعد أن حرموا مشاهدة التلفاز، وعدوه من أكبر الملذات المحرمة التي توجب الغضب والعقاب، وضربوا حصاراَ على “الرقة”، بحيث لا يظهر منها إلا نساء سافرات الوجوه، يشترين بضائعهن من السوق في حرية وفي كامل الإطمئنان، في مقاطع الفيديو الداعشية المسربة لوسائط التواصل الإجتماعي، وربما تجدهم يصورون مقهى للإنترنت في “الرقة” نفسها، يقدم خدماته للزبائن من الجنسين، بحيث لا يرى الرائي سوى مدينة تنعم بالحياة العادية، التي ينعم بها الجميع. لكن من خلف الكاميرا كانت “داعش” تذبح وتسحل، وتنهب، وتقطع الرؤوس في الشوارع والميادين العامة.
وبعد أشهر بدأت تظهر مقاطع فيديو أخرى من ذات “الرقة” تصور بشاعة ما كانت تصنع داعش بالرقة وسكانها من صنائع، فانتبه الناس للمرة الأولى إلى أنه “ثمة ما يحدث في الرقة السورية”، وبدا أن ثمة صحافيون قد قرروا أن يدخلو صراع الحقيقة والتضليل، الذي ابتدعته داعش، فأخرجوا فيديوهات واضحة توثق لما يحدث على الأرض في الرقة، وإذا بفيديوهاتهم تلقف كل ما كانت “داعش” تأفك من أباطيل، وعلى الرغم من أن أحد هؤلاء الصحافيون الشباب قد قُتل، كما قتل والد آخر، لكنهم انتصروا في نهاية المطاف، وبات الجميع يعلم من أمر “داعش” ما تُخفي، وما تُظهر، ونهض العالم لمحاربتها في كل البقع والأماكن بكامل الجدية والحزم.
كانت معركة إذن بين الصحافة والديكتاتورية، انتصرت فيها الصحافة التي عادة ما تنتصر في نهاية المطاف، وهي شبيهة بمعركة صحافتنا السودانية مع الديكتاتورية في شتى الحقب والعصور، على الرغم من تميز صراع الصحافة مع الديكتاتورية الحالية بأنه صراع “الخروج من الحلقة المغلقة”، وهو نتاج لسياسة النظام الذي يتعلم من معارضيه ويبني دفاعاته على ردود أفعال المقاومين يفكر بطريقة الأفكار اللاحقة “after thoughts” حينما يتفطن كل مرة لثغرة شابت قوانين قمعه المتلاحقة للصحافة فيعمل على “سدها” بتعديل القانون مرة أخرى.
وعلى الجانب الآخر يبتدع الصحافيون أشكالاً وحلولاً جديدة للصحافة كلما وجدوا من عسف السلطان ما يضيق عليهم اللفظ والعبارة، ويمنع عنها أوكسجين الحرية الذي تحتاجه بالضرورة للحياة، فهي تنتزعه على طريقتها الخاصة ،باعتباره مما لا غني عنه لوجود المهنة، ووجودهم على حد سواء. وهي عملية مستمرة بطبيعة الحال في السودان، حتى صدور مشروع قانون الصحافة الجديد، المعدل من سابقه، بحيث يجتث الصحافة من جذورها الضاربة في عمق التربة السودانية، ويجعلها مطية للجهاز التنفيذي ويجعل الصحفي مشتبهاً به ومعرضاً لشطب إسمه من السجل حتى قبل أن يكتب حرفاً مما هو بصدد كتابته.
لا لمشروع قانون الصحافة

لؤي قور
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..