نحو القصر حتى النصر

برونزية
عوض حسن هارون
فجأة سكتت كل الاصوات، اصوات الباعة المتجولين ستات الشاي ضربات مطارق السمكرجية، ابواب السيارات المفتوحة ظلت مفتوحة، عبود العوير توقف عن الصياح، الشحاد الذي كان يكرر الله كريم كريم الله، كنت تحت طاولة الكاشير ابحث عن اسبير سيارة كورية من تلك الموديلات القديمة، احسست بالصمت الفجأة، تأكدت ان القيامة قامت فالورش لاتصمت إلا ليلاً و في الليل نفسه لاتصمت فالكلاب الصامتة في النهار تجد الفرصة ليلا للنباح بدون ان يطردها صبية الورش والتعلمجية، رفعت راسي ببطء خوفا من ان يكون شئ ماء قد حدث ليجعل كل الحياة تصمت بهذا الشكل المفاجئ، رأيتها متكية على بودي عربتها تنظر مباشرة الى المكان الذي خرجت منه رأسي الخائفة، جهرني نورها الذي اشع كلمبة سيارة تركب انوار زينون.
عندما رأتني ابتسمت وتحركت نحوي بكامل هيكلها، “علي كلر” بوهيجي العربات نشفت الفرشة في يده وهو واقف متبلدا ينظر الي تارة وتارة اليها، العسكري صاحب دكان الاسبيرات المقابل كان مترددا بين ان يتحرك نحو دكاني ليفتح باب عربتها وبين ان يخدم زبونه الذي انفتح فمه من الذهول، طويلة مبتسمة برونزي لونها نظيفة وجديدة لنج اتت نحوي.
– هة ازيك ” عندها اكتمل خروج راسي من تحت طاولة الكاشير، ورايت منطقة الورش مخضرة ونظيفة ”
– اهلاً. خلعتينا والله
– ليه
– انتي ماشايفة الناس دي صنت كيف؟
– جوى
– ووووووو كيفك
تاملتها من قريب جميلة لونها لايشبه لون اي امراة قابلتها من قبل لاهو بالقمحي ولا هو بالاسمر النديان، هو برونزي نعم برونزي تماما كما رايته من بعيد . كنت اريد ان اسالها من اين اكتسبت هذا اللون الذي يشبه بنات لاتين امريكا .
فجأة تحول المشهد الي فوضى لم اتوقع ان تحدث بينما نا اتكلم معها، صنايعية الورش عمال المطاعم بتاعين الورنيش الزبائن، ستات الشاي، سواقين الميناء البري، المسافرين، بتاعين سوق العيش، سوق البصل والتمور والبهارات، بتاعين الخضار، سكان الازهري كلهم تجمهروا لكي يشاهدوها وهي واقفة في دكاني، مسافة عشرة امتار دائرية من دكاني كانت فاضية تتسع لعربتها ولها وللعسكري الذي فجاءة تذكر انه كان يعمل في المرور قبل ان يفتح دكان الاسبيرات، فاخرج القاش يضرب به الجمهور الراغب في مشاهدتها عن قرب.
محظوظين من اسرعوا بالوصول، اضافة لاصحاب الدكاكين القريبة وبتاعين الطلمبة وصاحب المطعم وعماله وزبائنه لم يستطع اي من بقية البشر مشاهدتها الشوارع امتلات بالبشر حتى مدينة الازهري وكل مايمتلي شارع بالبشر تخرج النساء والاطفال والازواج العاطلين من البيوت وهم يصيحون في شنو ؟ فيمتلي الشارع الذي يليه وهكذا حتى وصلت الحشود الي سوبا غرب ومنها الي المعمورة وصولا الي معرض الخرطوم الدولي والقصور الرئاسية والناس الماشيين الي مستشفى الشرطة وجامعة الرباط، عساكر الجيش الموجودين في القيادة العامة ايضا خرجو بدون اسلحتهم يتسألون في شنووووو؟،
الجميع يتدافع لرؤيتها ويسأل هو في شنو ؟
حين وصل الامر الي جامعة الخرطوم خرج الطلبة في مظاهرة كبيرة في عكس الاتجاه وهم يهتفون نحو القصر حتى النصر – نحو القصر حتى النصر اندفعت الحشود ورائهم كل واحد يلتفت الي الوراء ويجذب الذي امامه ويجري صائحا نحو القصر حتى النصر – احسست بان الزحام يتناقص وكان التعب قد بلغ من العسكري، وفجأة توسعت الدائرة العشرية وتفرق الجميع من حولنا وهم يصيحون نحو القصر حتى النصر، اصبحنا فجأة انا وهي فقط وخلت منطقة الورش من أي كائن بشري وعم الصمت مرة أخرى الا من انفاسها وانفاسي، جذبتها من يدها وانا اجري فصاحت بأعلى صوتها نحو القصر حتى النصر.
الادب الراقي دا ايام الرفاهية.
وليس الآن.
كان كدي يا البرهان نوَم قفا.