الظاهرة اللايفاتية … وتنامي خطاب الكراهية

ابراهيم عمر
عرف المجتمع السوداني ظاهرة اللايفاتية بشكل قوي ابان مرحلة ميلاد ثورة ديسمبر المجيدة ، وقد لعبت بعض هذه المنصات دورا ملحوظ في ان تصبح صوت لتقوية عود الثورة وتفعيل الحراك المجتمعي ، مع وضوح حالة التباينات في منطلقات هذه المنصات ان جاز التعبير حسب ميول واتجاهات الشخص الذي ينشط فيها إلا أن العزف على وتر الثورة ومطالب الجماهير في رغبتها للإنعتاق من نظام الإنقاذ جعلها محل قبول لدى الجماهير، وقد حصدت هذه المنصات مشاهدات عالية واهتمام بالغ على الرغم من ضعف المنتوج من حيث التحليل السياسي و الفكري للقضايا المطروحه ، بل اعتمد كثير من الناشطين في طرحهم على الاثارة وتصفيت الحسابات السياسية مستغلين الأجواء السياسية الملتهبة بجذوة انتصار الثورة.
ويمكن القول أن ظاهرة تنامي خطاب الكراهية لن تنفك أن تكون قد ولدت مع ميلاد هذه الظاهرة اللايفاتية ليس من حيث الوجودية في المجتمع أو من عدمه ولكنه ميلاد جديد من حيث الاسلوب والتأثير ، فقد ولدت الظاهرة كاداة من أدوات دعم الثورة وتقوية جذوتها متخذة من خطابها الاحادي ضد كل آثار الانقاذ سيفا لإبراز قوة الثورة ، وقد احدثت نجاح في هذا في مرحلة ما ، ولكنها لم تستمر وتداعت وتماهت مع المشهد السياسي العام مع ظهور ملامح السقوط ، وقد اصبحت الظاهرة تتمحور حول افكار وروايات ضيقة محورها تقزيم المشهد الجديد لخلط الأوراق ، وبعد أن كان الخطاب آحادي وموجه صوب آثار الحقبة الانقاذية تباينت الخطابات وتعددت صورها بين خطابات شخصية طامعة ونافرة وخطابات ايدلوجية يمينية ويسارية , وخطابات قومية شعبوية … وبدات مرحلة جديدة من الاستقطابات لم تكن السلطة بطرفيها المدني والعسكري ببعيدة من تغذيتها بالدعم اللوجستي والمعلوماتي بالدرجة التي تحقق مكاسبها في ظل حالة التشاكس التى ظلت مواكبة للتكوين السياسي الجديد عقب سقوط الانقاذ.
مرحلة ما بعد فض الشراكة بين المكون المدني والعسكري بإنقلاب 25 من اكتوبر شهدت حالة من الاصطفاف خلف العسكر من قبل الكثيرين من اصحاب هذه الظاهرة بحجة أن الفصيل المدني لم يكن قدر المستوى في ادارته للمرحلة ، علاوة على سياسية الترهيب والترغيب التى دفعت بعضهم للموقف الجديد ، لكن هذا المشهد لم يدم طويلا لاسيما بعد أن طفح الصراع بين العسكرالى السطح ، وبدانا نلحظ استقطاب جديد لمرحلة أخرى وتحشيد لمفاهيم جديدة باستخدام اساليب الإثارة العاطفية وقد كانت هذه هي المرحلة العاصفة في بلوغ درجة مزرية من الخطاب الذي يؤسس للكراهية على اسس جهوية ومناطقية وعنصرية من أجل تحقيق وعي أو المحافظة على مكتسبات.
وظلت طوال هذه الفترة تمارس هذه الظاهرة في تحشيد المشهد بصورة غوغائية لا تحكمها اخلاق ولا معايير وانما تغذيها شهوة الشهرة والرغبة في احداث ترندنغ وسط عوالم الوسائط الاجتماعية ، في الوقت الذي تخترق سمومهم التي يبثونها الروابط الانسانسة وتهتك العلاقات الاسرية بين المجتمعات المسالمة الطامحة الى التغيير نحو الأفضل.
أما ما يجري بعد 15 ابريل وقيام الحرب اللعينة فهو يحكي عن نفسه ولا يحتاج لقراءة أو استقراء فتماييز الصفوف بين فريقين لا ثالث بينهم أمر لا تخطئه عين ، وحديث الخيانة والشرف والأصالة والحداثة الى أخره من دعاوي الاسترزاق الرخيص في انكار الحق واثبات الباطل بين طرفي الصراع لهي اعظم ما تبيعه منصات الارتزاق من دون وعي بمخاطر ما تبثه ليس على الوحدة الجمعية للسلام المجتمعي وانما للمشروع الذي تنافح من أجله .
خلاصة القول ان تنامي هذه الظاهرة “اللايفاتية” وتأثيره على التكوين الجمعي ناجم عن غياب المنابر الاعلامية الحقيقية التى تعرف اصول العمل الاعلامي واخلاقياته في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والتى اضحت وسائل العصر بلا منازع ، كما أن اختيار هؤلاء الناشطين للعب هذا الدور في هذه المرحلة الحساسة من المشهد السياسي رغم ضعف قدراتهم المهنية والاخلاقية هو امر مقصود لتحقيق غايات رخيصة من دون النظر لمخاطر هذه الخطاب على مستوى البناء الاجتماعي.
ممتاز نشكركم على هذا التحليل المتوازن المنطقى المفيد جدا، وأرجو أن يستفيد منه الجميع.