يا قطار يا قاسي

قبل عامين تقريباً حين وقعت الحكومة عقود تصنيع القطارات الصينية لتشغيلها في خطوط مواصلات داخل وخارج العاصمة، حذّرنا من الاستعجال في تنفيذ مثل هذا المشروع في ظل فقر وضعف البنية التحتية التي تحقق الكفاءة والأمان للمواطنين .
حيث إن الموضوع ليس مجرد واجهات شكلية وإنجازات ورقية و(صفقات) تجارية، يقبض كل طرف فيها (الفيهو النصيب) ثم ينصرف تاركاً هذا البلد بحكومته ومواطنيه كلٌّ (ياكل ناره) كما يقولون .
إذا كانت الخرطوم التي تشهد الآن أقل نسبة من نشاطات السكة الحديد قياساً بفترات انتعاش سابقة لحركة القطارات تسجل دفاتر الفواجع فيها برغم ذلك نسب حوادث متكررة بين هذه القطارات القليلة والقديمة والبطيئة، وبين السيارات في تقاطعات السكك الحديدية مع الطرق هنا وهناك وآخرها حادث دهس قطار لحافلة ركاب في موقف جاكسون قبل عدة أشهر، حين كانت الحافلة في طريقها للخروج من الموقف بعد أن امتلأت بالركاب، ولقي ثلاثة مواطنين مصرعهم وأُصيب نحو 25 آخرين .
فما بالكم بخط قطار مواصلات سريع وجديد وحديث على ما يبدو سيتم تشغيله في مسارات غير مستوفية تماماً لشروط العزل عن حركة الناس والسيارات والدواب والركشات .
خرطوم اليوم التي لا يمكنك استخدام أي طريق فيها دون أن تسقط ألف مرة في ألف حفرة ومطب، لا تحتمل قطاراً في قلبها بل كان من الأولى أن تعيد الولاية تأهيل طرق المرور الداخلية التي تحصد أرواح الناس وتتلف ممتلكاتهم، قبل أن تفكر في استجلاب قطار صاروخي الشكل ينذرنا بخطر حقيقي على المارة والعابرين داخل وخارج ولاية الخرطوم .
هذا المشروع الذي تتحمس الحكومة لتنفيذه لا يجب التعجل في تشغيله قبل تهيئة مساره وعزل خطوط سيره عن مداخل ومخارج حركة الناس.. وهذا ليس موضوعاً سهلاً أو جانبياً أو ثانوياً، بل هو مطلب مكلف جداً ويحتاج لترتيب نظام آمن وبناء طرق بديلة وأنفاق آمنة وجسور عالية، حتى يستوفي شروط الأمان، وإلا فلا داعي له من الأساس، وأرحم للمواطنين أن يرضوا بخيارات النقل والمواصلات الموجودة حتى تكتمل شروط تحقيق الأمان .
لا معنى لتسيير قطار ينجح في توصيل آلاف الناس ويقتل في نفس الوقت العشرات أو المئات من المواطنين في طريقه .
من قبل استوردت الخرطوم مئات البصات للمواصلات الداخلية، وبعد فترة وجيزة احتاجت نفس حكومة الولاية ذاتها تخصيص مساحات كبيرة لتشييع أعداد كبيرة من تلك البصات في مقابر جماعية هنا وهناك .
نقدم هذه النصائح بافتراض أن القطار القادم والمصنوع في الصين ليس مثل غيره من البضائع والسلع الصينية الأخرى التي نفتح لها موانينا ونسمح بدخولها تجاوزاً لمواصفاتها الضعيفة، لأن الصين هذه دولة كبيرة جداً بها الجيد والرديء.. أما الجيد فلا يأتي غيره للدول التي تحرس موانيها، وأما الرديء والرديء جداً فالكثير منه يكون دائماً من نصيبنا مع الأسف .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالى