مقالات سياسية

سياحة المؤتمرات في جنيف

طه يوسف حسن

ظاهرة الوفود التي تتردد على جنيف من أجل المشاركة في المؤتمرات الدولية لا سيما تلك التي تأتي للمشاركة في أعمال مجلس حقوق الإنسان تستحق قرار جرئ و شجاع من المسؤولين المعنيين بهذا الملف لمراجعة نتائج مشاركاتهم و تقييمها طالما أن تمويل مشاركاتهم يتم من خزينة الدولة خصما على دافعي الضرائب و طالما أن الحكومة أعلنت سياسة التقشف.

بجردة حساب نستطيع القول بأن نتيجة مشاركات هذه الوفود تساوي ( الحصيلة صفر) لأن السودان منذ تسعينات القرن الماضي ومنذ “لجنة حقوق الإنسان “التي تم استبدالها بالمجلس هو حالة من حالات حقوق الإنسان التي يتطلب الاهتمام بها حيث ظل تحت مطرقة بند الانتهاكات إلا أن تم إعلان حل اللجنة و استبدالها بمجلس حقوق الانسان بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (GA res. 60/251).

وعند انشاء مجلس حقوق الانسان في مارس 2006 واصل السودان مشواره تحت مطرقة البند الرابع
( بند مراقبة أوضاع حقوق الانسان في الدول الأكثر انتهاكا لها) و في العام 2011 انتقل السودان من البند الرابع انتهاكات الى العاشر “مساعدات تقنية وبناء قدرات” و رغم أن البند الاخير خالي من الرقابة الأممية إلا أن السودان لا يزال تحت رحمة ” الإجراءات الخاصة ” لمجلس حقوق الانسان.

رغم تعقيدات هذا الملف وعدم الرؤية الواضحة تأتي الوفود السودانية إلى جنيف زرافات ووحدانا من أجل الدفاع عن هذا الملف و أخرى تأتي بحجة دحض المؤامرات التي تحاك ضد السودان.

ضجيج الأسئلة الذي ينفجر في الذهن هو…. ما هي نتائج مشاركات هذه الوفود وكم من الاموال التي صرفت عليها منذ انشاء مجلس حقوق الإنسان حتى يومنا هذا ؟ إن كانت الاجابة هي”انتقال السودان من البند الرابع انتهاكات الى العاشر ” تقنية” في رأي هذه استراحة محارب أو مجرد وقت لالتقاط الأنفاس لأن ما يتردد في الوقت الحالي في أروقة الامم المتحدة هو أن هناك حراك دبلوماسي من أجل استعادة السودان الى البند الرابع ( بند الحالات التي تسترعي اهتمام مجلس حقوق الانسان ) و قد بعثت منظمة أمنستي انترناشونال في بيانها أمام مجلس حقوق الإنسان في الدورة العشرين في يونيو الماضي بإشارات تؤكد هذا الحراك.

ما هي النتيجة الإيجابية لمشاركة هذه الوفود التي تكلف خزينة الدولة الغالي و النفيس في وقت يتحمل فيه المواطن العادي سياسة التقشف, فطالما أن السودان لا يتمتع بعضوية المجلس و لا يزال تحت “مطرقة الإجراءات الخاصة” إذاً لا داعي لإهدار المال العام في تذاكر سفر و اقامة في فنادق جنيف الباهظة التكلفة وسياحة ولو وظفت هذه الأموال والطاقات من أجل تنمية و تطوير مناطق الصراع في دارفور و النيل الازرق و جنوب كرد فان لما بقى السودان طويلا تحت طائلة بند الانتهاكات.

ما ذكرناه لا يدعو إلى تفريغ الساحة الدولية من الوفود السودانية وغياب السودان عن الساحة تماماً و إلغاء المشاركات إلى حين ميسرة و إنما يدعو إلى مشاركة مركزة ذات هدف إيجابي تصب في رصيد مصلحة الوطن و المواطن قبل المصلحة الشخصية ولا شك أن مشاركة السودان في المحافل الدولية ذات أهمية قصوى على أن تكون المشاركة نوعية تعتمد على أهل الخبرة و المعرفة والإختصاص فالمؤتمرات الدولية التي تنعقد في جنيف لا تحتاج إلى أكثر من ثلاث خبراء مختصين في المجال المعني ما زاد عن ذلك يدخل في فقه المجاملات.

منظمات المجتمع المدني NGOs السوداني التي أصبحت تحج إلى جنيف في الآونة الأخيرة للمشاركة في مجلس حقوق الإنسان تأتي دون معرفة المناسك لا تفرق بين الواجبات الحكومية و الفروض المدنية وحسب التعريف الدستوري لمنظمات المجتمع المدني (يعرف المجتمع المدني بأنه مجموعة المنظمات الطوعية التي تملأ الفراغ ما بين الأسرة و الدولة و تعمل من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية في استقلال تام عن سلطة الدولة ولها غايات نقابية كالدفاع عن مصالح المدنيين و المواطنيين والارتفاع بمستوى حقوق الإنسان).

و الغريب في الأمر أن منظمات المجتمع السوداني التي تشارك في دورات مجلس حقوق الإنسان تنظم نشاطا على هامش أعمال المجلس يخاطبه سودانيون يمثلون المنظمات السودانية التي تأتي لتشارك في أعمال المجلس و يحضره بقية أعضاء الوفود السودانية المشاركة مع حضور متواضع لغيرالسودانيين ( بضاعتنا ردت إلينا). الندوات التي تعقدها منظمات المجتمع المدني السوداني في جنيف لا تخاطب الاخرين موضوعا و لا مضمونا تطرح قضاياها بصورة محلية خالية من الأبعاد الدولية.
وعندما تعود تلك المنظمات الى الخرطوم تملاء أركان المدينة ضجيجا بأنها غزت جنيف و انتصرت على إرادة المجتمع الدولي وهزمت المؤامرة.

أي انتصار و السودان لا يزال تحت رحمة ” الإجراءت الخاصة” لمجلس حقوق الإنسان و لا يزال يجلس في كنبة الإحتياط بصفة مراقب لم ينال عضوية المجلس التي تمنح إلى الدول بالتناوب.

في 17 أغسطس 2012 أصدرت منظمة UN Watch المدافعة عن حقوق الانسان بيانا عبر موقعها في الانترنت نددت فيه بترشيح السودان لعضوية مجلس حقوق الإنسان وذكرت المنظمة أن السودان قدم ترشيحه رسميا عبر المجموعة الافريقية بجانب كل من اثيوبيا و ساحل العاج و الغابون و سراليون ومن سخريات القدر لم تعترض تلك المنظمة إلا على ترشيح السودان وطالب مديرها التنفيذي Hillel Neuer كل من بان كي مون و المفوضة السامية لحقوق الانسان نافي بيلاي بفرملة التحرك الدبلوماسي السوداني بشان ترشيح السودان لعضوية مجلس حقوق بحجة أن السودان لم يستوف شروط العضوية.

ولو فرضنا جدلا وتعاملنا بنظرية المؤامرة والإستهداف التي تنص على أن السودان مستهدف …. ماذا ستفعل تلك الوفود أمام استهداف دول مثل أمريكا و حلفائها من الغرب ثم إن إيران وكوبا وكوريا الشمالية التي تؤمن أيضاُ بنظرية المؤامرة الدولية تجاهها و تسييس قضاياها في مجلس حقوق الإنسان لم تجيش الجيوش و تمول القوافل بحجة الدفاع عنها في حلبة مجلس حقوق الإنسان برغم فارق الميزان الإقتصادي بينها وبين السودان ولكنها إعتمدت في دفاعها عن نفسها على قلة من الخبراء وأهل الرأي والمعرفة.

في 26 سبتمبر الجاري سيقدم الخبير المستقل الخاص بالاوضاع في السودان النيجيري مسعود أديبايو بدرين تقريرا حول احتياجات السودان للمساعدات الفنية و التقنية والتقرير لا يحتاج إلى وفود وحشود لأنه سيكون فني وتقني بحت بعيدا عن المناورات السياسية.

من الأفضل أن توظف تلك المؤسسات الحكومية و منظمات المجتمع المدني تلك الطاقات و الأموال وتعمل سوياً في الميدان من أجل ترقية و تطوير مفهوم حقوق الإنسان لتؤصد الأبواب ويظل السودان في مأمن عن الإنتقادات وتوفرعلى نفسها وعثاء السفر. لأن تحسين أوضاع حقوق الإنسان لا يتم عبر المنابر الأممية و إنما عبر عمل دؤوب في الميدان من خلال تحسينات تجرى على أرض الواقع يتنسمها المواطن و يحسها في حياته اليومية.

طه يوسف حسن
[email protected]

تعليق واحد

  1. الصحفي المطبوع طه يوسف تحية طيبة

    ما ذكرته بلا شك عين الحقيقة لأن هناك مجموعة منتفعة تأكل من سنام الشعب السوداني و أتمنى أن تأتي التعليقات إيجابية ومن يعلق سلبا فهو بلا شك من المنتفعين و المتسلقين.

  2. الشكر الجزيل للاخ طه يوسف لمقالته الممتازه عن سياحة المؤتمرات في جنيف بالفعل وأن مقيم في جنيف ومتابع لجميع مؤتمرات الأمم المتحدة بحكم عملي. الاخ طه له كل الحق فيما قال لانه شاهد عيان للوضح الفاضح لمن يأتون لتمثيل السودان في السنوات الاخيرة لحضور مجلس حقوق الانسان لم اشاهد اي منهم داخل قاعة الاجتماعات ولا حتي في حضور الاجتماعات الجانبية التي تقيمها المنظمات الغير حكومية ولكن تجدهم في الكفترية والاسواق والله اصبحنا نتفادي حتي الجلوس في الكفترياحتي لا نحسب معهم والله عجب وياحليل تمثيل السودان في الامم المتحدة. والله يكون في عون محمد احمد واوشيك وعبدالفراج واسحاق المساكين الذين يدفعون الضرائب والجبيات عشان السياح يستمتعو في جنيف

  3. الصحفي طه يوسف ود شيوخ الشرفة لك التحية و أنت في بلاد الغربة نحن كنا نعتقد أن الفساد في الداخل و لكن من خلال مقالك اكتشفنا ان ممارسة الفساد و إهدار اموال المواطنيين تخطت حدود السودان و أن الوفود السودانية تحت ستار و غطاء تمثيل السودان في المناسبات الخارجية يصرفون العملة الصعبة من خزينة الدولة من أجل التسوق و شراء احتياجات أولادهم وزوجاتهم و أخر همهم هو المهمة الوطنية التي أتوا من أجلها.

    لك التحية زميلي طه و نتمنى أن تواصل في هذا الدرب و حتما سنشد من أزرك

    ود أبو سن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..