متوالية أخيل أو متناقضة زينو والجري وراء الدولار

متوالية أخيل أو متناقضة زينو والجري وراء الدولار

بروفيسور عصام عبد الوهاب بوب
[email protected]

في مقدمة هذا المقال أعتذر كثيراً لمن هم بعيدين عن مجالات الرياضيات والاقتصاد وقد لم يطلعوا من قبل عن المعلومات التي أستخدمها لأوضح نقاشي هذا عن محاولة السلطات المركزية لكي تخلق توازن أو تمتص الارتفاع في أسعار الدولار . واستخدم الافتراضات فقط لتمثيل ظاهرة اقتصادية عن ملاحقة الزيادة في أسعار العملة الأجنبية ومحاولة امتصاصها بالعملة الوطنية مع تناسي أن هذا له أعمق الأثر علي التضخم الواقع حاليا علي الاقتصاد السوداني . ولا يقف الأمر عند هذا الحد وإنما يرتبط التضخم الحالي بالكساد الذي خيم علي البلاد منذ عامين . وفي الاقتصاد يعرف هذا بالتضخم الراكد . وبأبسط معانيه أن تكون أسعار السلع عالية في السوق ولكن تضمر القدرة الاستهلاكية للمواطن لضمور دخله وضعف قدرته علي الشراء . يضاف إلي هذا ارتفاع أسعار تكلفة الإنتاج مما يوصله إلي مستويات تضعف مستويات الاستهلاك العام في الاقتصاد الوطني . وفي هذا لا ينفع إذا كان مستويات أسعار استبدال العملة الأجنبية منخفضة أم عالية .
والمثال الذي أستخدمه هنا هو ما يعرف بمتوالية أخيل والسلحفاة أو متناقضة زينو . وهي تتصور سباقاً سرمدياً بين أخيل ، أسرع عداء في بلاد الإغريق القديمة وسلحفاة عجوز كسول. وقد شرحت هذه الظاهرة الافتراضية ووضحت وتم تحليلها مرات عديدة علي ندي الأربعة وعشرون قرناً منذ وضعها . وهي في أساسها تتخذ الفروض الآتية :
1- أن أخيل رمز السرعة لابد من أن يتفوق علي السلحفاة الكسول والبطيئة التي يسابقها ،
2- في بداية السباق يعطي أخيل السلحفاة ميزة عشرة أمتار لأنه يستطيع العدو عشرة مرات أضعافها ،
3- عندما يجري أخيل ديسيمتر واحد تزحف السلحفاة سنتميتر واحد ،
4- يحدث هذا السباق إلي ما لانهاية ولكن استنتاج زينو أن أخيل رغم عدوه السريع لا يستطيع التفوق علي السلحفاة (في المنطق الرياضي يمكن جدلاً إثبات هذا)
5- الاستنتاج أن أخيل لا يمكنه التفوق رغم سرعة عدوه علي السلحفاة .
وهذه هي المتناقضة الأبدية التي عجز علماء كثيرين عن دحضها .
أعود إلي منطق الواقع وأقرن هذه الظاهرة مع أنباء عن عودة بيع العملات أمام علي مرأى ومسمع المارة داخل مدن الخرطوم المختلفة بعد أن اختفت في الفترة الأخيرة جراء الإجراءات الأخيرة من قبل الجهات ذات الصلة . هذا رغم الإجراءات التي تتخذ من قبل البنك المركزي لتنظيم سوق النقد الأجنبي وتخفيض ومحاربة السوق الموازي . والتقارير تنبئ بوصول سعر الدولار في السوق الموازي إلى (3.12) جنيهات مع ارتفاع اليورو إلى (4) جنيهات وزيادة أعداد المتعاملين في هذه التجارة بعد إجراءات المركزي الأخيرة وتراجع الحملات ضدهم .
بدأ بنك السودان المركزي بتحديد السعر التأشيري لصرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني منتصف الأسبوع بـ(2.45) جنيها وقدر أعلى سعر له 2.53 جنيه وأدناه (2.38) جنيه . وحدد سعر صرفه لليورو ب3.21 جنيهات .
المنطق الذي أستخدم في هذه الإجراءات هو زيادة الاحتياطي الرسمي من العملات الأجنبية ومحاولة امتصاص الارتفاع في سعرها بصورة مباشرة .
ولكن مصادر مصرفية قالت أن هذا تسبب في تذبذبا في أسعار النقد الأجنبي بسبب الإجراءات العديدة . وحذرت المصادر من تداعيات ارتفاع الدولار المتكرر على الاقتصاد .
سبق أن كتبت عن هذا الموضوع وحذرت من أن هذا سباقاً غير مجدي وفيه إنهاك للسلطات النقدية وتدميراً لمفهوم التوازن الذي يمكن تحقيقه .
ارتفاع سعر العملات الأجنبية في الوقت الآني أمرا لا يستطيع بنك السودان التحكم فيه لأنه يعتمد علي وجود العملة الأجنبية بوفرة وقدرته علي ضخ كميات منها . الأمر المدمر هو اضطراره لشرائها من الأسواق المفتوحة واستخدام عملة وطنية في العملية . هذا في وقت بدأ الطلب علي العملة الوطنية نفسها يقل بسبب سياسات السلطات النقدية لأنه زاد علي الطلب الحالي من الاستخدامات الوطنية إلي رغبته في عمل احتياطي . معني ذلك أنه قد يضطر إلي طبع مزيد من العملة السودانية لكي يقابل احتياجاته إلي شراء النقد الأجنبي ورفع احتياطياته منه .
ثم بعد كل هذه الفوضى في السياسات النقدية يطالبون بضرورة وضع معالجات جذرية للحد من ارتفاع الدولار المتكرر من خلال الوقوف على الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى الارتفاع .
الأسباب الحقيقية ليست في وجود الدولار وحده وإنما هي في قوة العملة المحلية التي يقابلها منتجات سلعية يحتم إنتاجها وتسويقها زيادة الطلب علي الجنيه السوداني .
هذا لم يحدث وبدأت السلطات في مقابلة الخطأ بالمزيد من الأخطاء .
سبق أن وجه لي سؤالاً عن الحل الذي كنت أراه مناسباً ونشر ردي في الصحف وهو أن في ذلك الوقت كان الحل الأفضل متابعة ضخ كميات بسيطة من العملات الأجنبية وأن هذا كان سيخفف من الطلب .
لم يعد هذا الحل يصلح الآن لأن السياسات المتبعة أفرزت حوافز منظورة لجهات لا يمكنها أن تتجاهلها ولا أن لا تجني منها فوائد كبيرة .
أما شكوى مديرين الصرافات بالجنوب من ندرة النقد الأجنبي في الصرافات الندرة الشديدة للدولار الأمر الذي يؤدي إلى انتعاش السوق الموازي فهذا أمرا متوقعا نظرا لعمليات نقل الأصول من الشمال إلي الجنوب .
وفي استنتاجي أدعم الابن وتلميذنا النجيب الدكتور محمد الناير في قوله أن تحديد سعر صرف العملات سيتحول إلي ساحة للتنافس بين البنك المركزي والسوق الموازي . وبهذا يجب أن نعود للنظر في مقدمة هذه الرسالة عن متناقضة زينو ونستنتج صعوبة احتواء السوق الموازية .

تعليق واحد

  1. الزيادة اذا كانت بمتتالية حسابية قطع شك لا نستطيع جمعها الى ما لانهاية ….مابالك

    اذا كانت الزيادة بتوال هندسي ؟في هذه الحالة نستطيع جمعها الى ما لا نهاية

    بشرط اساسها اقل من الواحد وبكدة نقدر نخمن ماذا فاعلا اخيل مع

    السلحفاة؟…يبدو تصاعد صرف الجنيه مقابل الدولار حيكون بتوال هندسي واساس

    اكبر من الواحد وحينها اكيد حنروح شمار في مرقة وكل مدخراتنا بالجنيه السوداني

    لدى البنوك حتصير ليست ذات قيمة ..وهنا يكمن الدفاع الغريزي عن الممتلكات

    واستشعارالخطر واول رد الفعل هم تحويل المدخرات الى عملات صعبة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..