
عمران جول
هذا المقال هو موجز قصير لوجهة نظري من الغزو الروسي لأوكرانيا …
لتحليل ما يحدث الأن بين روسيا وأوكرانيا يجدر بنا وضع العاطفة جانبا من اجل الفهم الصحيح للسياسة الدولية ، لأن العالم لاتسيره العواطف وإنما تقاطع المصالح .
لذلك سأترك العاطفة جانباً وساعود إليها في نهاية المقال .
مايحدث اليوم بين روسيا وأوكرانيا ليس وليد الصدفة أو المفاجأة أو قرار متسرع في لحظة غضب أو طيش . لكنه نتيجة لأحداث متتالية ومترابطة منذ الحرب العالمية الثانية مروراً بفترة الحرب الباردة وسقوط المعسكر الشرقي الاتحاد السوفيتي وإنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم .
ونظراً لعامل الوقت لن احكي القصة كاملة ، لكن سأعود لبعض الأحداث البارزة.
حلف شمال الأطلسي تأسس بإرادة من الولايات المتحدة الأمريكية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، وكان هدفه الرئيسي تشكيل كتلة عسكرية لمواجهة قوة واطماع الاتحاد السوفيتي وكان دوره المعلن “دفاعيا”…
سنة 1958 قامت الولايات المتحدة الأمريكية بنشر صواريخ نووية في بريطانيا ضمن مشروع “اميلي” ونشرت بعد ذلك صواريخ نووية في إيطاليا وتركيا سنة 1961. وبهذه الطريقة قامت بتطويق الإتحاد السوفيتي بقواعد صواريخ نووية ، ما إعتبره الاتحاد تهديداً صريحاً لتواجده .
سنة 1962 اطلق الاتحاد السوفيتي عملية “انادير” وقام ببناء قواعد صواريخ نووية قصيرة ومتوسطة المدى في جزيرة كوبا وتزويدها بصواريخ ارض جو بسرية تامة .
وفي إحدى الرحلات الجوية الإستطلاعية كشفت طائرة امريكية بالصدفة وجود هذه القواعد ومن هنا انطلقت ازمة الصواريخ الكوبية .
الجهاز العسكري الأمريكي اقترح هجوم كاسح على كوبا واحتلالها وتدمير قواعد الصواريخ ، لكن الرئيس الأمريكي لم يوافق لانه لا يعرف ردة فعل الاتحاد السوفيتي .
هذه الأزمة كانت قاب قوسين من إطلاق حرب نووية عالمية بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي . لكن الطرفان توصلا الى حل سياسي يقضي بأن يسحب الاتحاد السوفيتي الصواريخ النووية من كوبا وأن لا يزود كوبا بأي تقنيات عسكرية متقدمة. في مقابل ان تفكك الولايات المتحدة الأمريكية الصواريخ التي وضعتها في تركيا.
حلف شمال الأطلسي تعهد بعدم الاقتراب من الحدود السوفيتية ، لكنه بمجرد سقوط الاتحاد السوفيتي استمر في سياسة ضم اعضاء جدد ، اغلبهم من دول كانت في الماضي جزءا من الاتحاد السوفيتي .
الحلف يضم اليوم 30 عضوا من بينهم ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن و لديها حق النقض الفيتو.
خلال سنوات توسع حلف شمال الأطلسي ، و كانت روسيا الاتحادية دولة ضعيفة نسبيا ولم تكن قادرة على الاعتراض على سياسة الناتو حتى اصبح قريبا جدا من الحدود الروسية
روسيا اليوم ليست هي روسيا الامس ، وكذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وللعالم بأسره .
روسيا بقيادة بوتين الذي رضع من حليب الاتحاد السوفيتي وترعرع في المخابرات السوفيتية لم ينسى ابدا الانكسارة التي عاشها الاتحاد السوفيتي والاستعلاء الأمريكي . لذلك خلال العشرين سنة الماضية قام باعادة بناء العقيدة الروسية خاصة العسكرية و اختار حلفاءه بعناية شديدة .
روسيا هي ثاني اقوى قوة عسكرية في العالم وإن كان ذلك على حساب الاقتصاد الروسي المتهالك نسبيا مقارنة مع اقتصادات دول أخرى .
هذه القوة العسكرية لم يتم تطويرها لتظل قوة ساكنة ، لكن لتصبح القبضة الحديدة التي تحمي مصالح روسيا الاتحادية.
اوكرانيا كانت على الدوام دولة ذات وضع خاص رغم انفصالها عن الاتحاد السوفياتي . كانت دائما دولة شبه محايدة لا تهدد مصالح روسيا ولا تبتعد كل البعد عن الولايات المتحدة الأمريكية . واستمر الوضع على هذا الحال لأنه كان وضعا مرضيا نسبيا لجميع الأطراف .
استمر الوضع على ذلك الحال حتى اندلاع الثورة الاوكرانية بين سنة 2013 وسنة 2014 ، الثورة اندلعت حينما رفض الرئيس الاوكراني توقيع اتفاقية شاركة مع الاتحاد الأوروبي لانه كان موالياً لروسيا ولم يكن يرغب في الاقتراب الى هذا الحد من الاتحاد الأوروبي .
في هذه الثورة قامت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية بدعم المتظاهرين حتى تمت الاطاحة بالرئيس “فيكتور”.
هذه الثورة اعتبرتها روسية انقلاباً على توافقاتها السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تقضي بترك اوكرانيا في خانة الحياد . ورداً على هذه الثورة قامت روسيا باجتياح جزيرة القرم التي تحتوي على احد اهم الموانئ في البحر الاسود والذي يضم قاعدة بحرية روسية جد مهمة للاسطول البحري الروسي .
هذه الحركة الخاطفة من روسيا عرضتها لعقوبات اقتصادية وتدهورت علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة حكم الديمقراطيين بقيادة اوباما .
بعد سنوات قليلة تغير سكان البيت الأبيض بقدوم ترامب الذي اعتبره الجميع موالياً لروسيا خاصة بعدما إنتشرت شكوك بتدخل المخابرات الروسية في الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب …
ترامب خلق علاقات جيدة مع بوتين ووجه كل انتباهه للصين باعتبارها الخطر الحقيقي . والأهم من ذلك أن ترامب لم يكن يرى فائدة من وجود حلف الناتو واعتبره حلف فاشل يكلف الولايات المتحدة الأمريكية مصاريف باهضةً باعتبارها اكبر المساهمين ، في حين لا تدفع دول أخرى كألمانيا ما يكفي .
سياسة ترامب كانت مبنية على امريكا أولاً ، ولم يكن يرى داعياً للضغط والتضييق على روسيا حتى مع الجرائم التي ارتكبتها بسوريا في حق المدنيين . كل هذا منح الوقت لروسيا لتطوير وتجريبة قوتها العسكرية في سوريا وليبيا …
بعد رحيل ترامب عاد الديمقراطيون للبيت الأبيض بعقلية قريبة من عقلية أوباما خاصة وأن الرئيس الجديد هو النائب السابق لاوباما ويتقاسمان نفس الرؤيا .
وبقدوم بايدن عادت احلام توسيع حلف الناتو للواجهة، وبتعاون امريكي انجليزي تم الإستفراد بالرئيس الاوكراني الذي لا يملك اية خبرة سياسية حقيقية ولا يدرك حجم اللعبة السياسية التي تدور في المنطقة …
هذه الدول قدمت وعوداً سخيةً للرئيس الاوكراني بضم اوكرانيا لحلف الناتو بالاضافة إلى وعود اوروبية اخرى بضم اوكرانيا للاتحاد الأوروبي .
و لأن الرئيس الشاب الطموح والساذج في نفس الوقت اراد ان يدخل التاريخ من اوسع ابوابه ، وأن يكون هو من ادخل اوكرانيا للاتحاد الأوروبي وايضا لحلف الناتو ، فقد ساير اوهام حلفائه وصدق وعودهم واعلن العداء الواضح لروسيا ووضع دولته في طريقها.
ما لم يكن في حسبان الرئيس الاوكراني أن من وعدوه لا يملكون الشجاعة لتنفيذ وعودهم ، انما جعلوا منه ومن بلاده طريقاً لفرض عقوبات على روسيا وتقويض قوتها .
الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا لا تهمهم لا اوكرانيا ولا غيرها من الدول الصغيرة ، كل ما يهمهم هو مصالحهم الاستراتيجية .
فالولايات المتحدة الأمريكية بعد انسحابها المذل من أفغانستان دون أي تنسيق مع بقية دول حلف الناتو التي شاركة معها في الحرب ، وأيضاً بتخليها عن حماية دول الخليج امام هجمات ايران واذرعها العسكرية في المنطقة وأيضاً بعد خيانتها لحليفتها فرنسا في صفقة الغواصات الأسترالية أظهرت للعالم أنها ليست شريكاً يعتمد عليه …
الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا (خاصة بعد انسحابها من الإتحاد الأوروبي) لم تعد لديهما نفس المصالح مع بقية الدول الأوروبية كالمانيا وفرنسا ، لكن هاتين الدولتين لا تستطيعان حالياً الخروج من تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من عدم رضاهما عن وضعية العلاقات حيث تعتبر امريكا نفسياً فوق الجميع.
الولايات المتحدة الأمريكية دفعت اوكرانيا للهاوية من اجل تحقيق مصالحها الاستراتيجية وهي المتمثلة في فرض عقوبات على روسيا وشغل روسيا في حرب طويلة الأمد دون الدفع بالجنود الأمريكيتين للحرب .
امريكا تعودت على الحرب بالوكالة حيث تحارب دول أخرى مكانها . وهي اليوم تعيد نفس السيناريو الذي جربته في الشرق الأوسط، لكن هذه المرة في اوروبا .
لقد قالها الرئيس الأمريكي صراحة ، لن نرسل جنودنا لاوكرانيا ولن ندخل في حرب مباشرة مع روسيا .
لكن في نفس الوقت هم يسلحون اوكرانيا ويضغطون على الرئيس الاوكراني لعدم التفاوض مع روسيا وللدفع بشعبه للهلاك حيث يطلب منهم المقاومة والقتال ويعدهم بأن الحلفاء سيرسلون لهم الأسلحة.
هذا الرئيس إما أنه وطني لا يريد التفريط في أرضه لكنه ساذج وغبي وعاطفي، أو إما انه أكبر خائن لاوكرانيا وللشعب الاوكراني.
لقد قال بعظمة لسانه انه سأل كل قادة الدول هل يضمنون له انضمام اوكرانيا للناتوا ؟ لكنهم لم يجيبوه و تركوه وحيداً ولم يفي أحد بوعده بحماية اوكرانيا لكنهم اكتفوا بارسال الأسلحة .
من الجنون إعطاء أسلحة للمدنيين وارسالهم لحرب يعلم الجميع نهايتها الحتمية وإن طالت مدة الحرب والصمود .
اوكرانيا لن تصمد امام الجيش الروسي . وخروج رئيس وزراء انجلترا بتصريحات يشجع فيها الشعب الاوكراني على المقاومة وانهم نجحو في مواجهة روسيا ما هو إلا كذبة كبيرة ومصيدة أخرى لدفع الشعب للتضحية والحرب وإطالة الأزمة لأن هذا يخدم مصالح انجلترا وامريكا …
الجميع يعلم أن عدم سيطرت الجيش الروسي على كامل اوكرانيا لحدود الساعة ليس له علاقة بقوة الجيش الاوكراني او المقاومة الشعبية ، لكنه راجع لسببين رئيسيين :
السبب الأول هو أن روسيا دخلت اوكراني فقط بثلث الجيش الذي كان واقفا على الحدود خلال الأشهر الماضية ولم تحرك كل قواتها ولا تستخدم اسلحتها الفتاكة بالحجم الذي استخدمته في سوريا.
السبب الثاني هو أن القوات الروسية تحارب بحذر شديد لأنها لا تريد المساس بالمدنيين أو المناطق السكنية وهذا ليس لأنها حمامة سلام ، لكن لأنها لا تريد الدخول في صراع مع الشعب الاوكراني لأن هذا سيجعلها دولة إحتلال ولن يقبل بها الاوكرانيون أبداً حتى لو دمرت كل الجيش الاوكراني وسوف يحدث لها ما حدث لأمريكا في افغانستان والعراق .
روسيا ترغب في إسقاط الحكومة وتدمير الجيش الاوكراني ووضع حكومة موالية لها ثم الخروج من اوكرانيا ، وهذا لن يتحقق إذا هاجمة المدنيين وقتلتهم كما قتلت السوريين.
شخصيا اعتقد أن الشعب الاوكراني يدفع تكلفة اخطاء رئيسهم الذي جعل من بلاده أداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا ، أداة يتم بها استفزاز روسيا .
الدول الأوروبية لن تحارب من أجل أوكرانيا والشعوب الأوروبية ليست مستعدة لترك الرفاهية والرخاء والدخول في حرب عالمية ثانية من أجل أوكرانيا .
هم أيضاً ليسوا مستعدين لفرض عقوبات قاسية على روسيا لأن هذه العقوبات ستضر روسيا والعالم بأكمله لأن روسيا لاعب جد مهم في سوق الطاقة العالمية.
روسيا لها الحق في ضمان أمنها القومي ، وأنا على يقين لو أن روسيا هي من نشرت اسلحة نووية في كوبا مرة ثانية ، فالولايات المتحدة الأمريكية ستحتل كوبا كما كانت ستفعل في الأزمة الكوبية.
الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في اعطاء تنازلات لروسيا والموافقة على مطالب روسيا وإنهاء الأزمة ، لأنها تعتبر نفسها دولة لا تقدم تنازلات ، لأنها إذا قامت بذلك فهذا سيشجع دولا أخرى مثل الصين وإيران لتحدي امريكا.
أتمنى أن يستيقظ الرئيس الأوكراني من سباته ويفكر في مصلحة شعبه بعيداً عن العواطف وأحلام البطولة السنمائية وأن يجلس للتفاوض مع روسيا خاصة بعدما شاهد بعينه تخلي الدول التي غررت به.
شخصياً أنا ضد الحرب لأن الضحية هو الشعب ، أما الجيش الأوكراني فلا أتضامن معه ولا ضده لأني لا أرى العالم بوجهين ، فهذا الجيش شارك في غزو العراق والاعتداء على دولة كاملة السيادة وقتل المدنيين ودمر البلاد … لذلك لا أفكر بالعاطفة كما يفكر من ينشر صورة جندي اوكراني مع حبيبته وفي يده وردة حمراء وكأنه ملاك بريئ .
نفس الأمر مع الجيش الروسي فهو جيش مجرم لازالت يداه ملطختان بدماء السوريين …
ومع ذلك لا أتمنى أن يحدث ذلك للشعب الاوكراني لأنهم شعب كباقي الشعوب يحلم بمستقبل أفضل ومن حقه ذلك …
للأسف العالم يكيل بمكيال المصالح ، ما تم فرضه من عقوبات على روسيا لمهاجمتها أوكرانيا لم يتم فرضه عليها حين تدخلت في سوريا وليبيا وارتكبت جرائم حرب .
وما تلوم امريكا عليه روسيا هو بالضبط ما قامت به في العراق . فقط الأماكن اختلفت اليوم .
في النهاية أعيد ، السياسة لا تعرف العاطفة . ولا يجب الانسياق أمام التدخلات الخارجية ولا يجب الإعتماد التام على أي دولة مهما كانت ، فالجميع يترك الجميع حينما تتعارض المصالح.
لتحليل ما يحدث الأن بين روسيا وأوكرانيا يجدر بنا وضع العاطفة جانبا من اجل الفهم الصحيح للسياسة الدولية ، لأن العالم لاتسيره العواطف وإنما تقاطع المصالح .
لذلك سأترك العاطفة جانباً وساعود إليها في نهاية المقال .
مايحدث اليوم بين روسيا وأوكرانيا ليس وليد الصدفة أو المفاجأة أو قرار متسرع في لحظة غضب أو طيش . لكنه نتيجة لأحداث متتالية ومترابطة منذ الحرب العالمية الثانية مروراً بفترة الحرب الباردة وسقوط المعسكر الشرقي الاتحاد السوفيتي وإنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم .
ونظراً لعامل الوقت لن احكي القصة كاملة ، لكن سأعود لبعض الأحداث البارزة.
حلف شمال الأطلسي تأسس بإرادة من الولايات المتحدة الأمريكية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، وكان هدفه الرئيسي تشكيل كتلة عسكرية لمواجهة قوة واطماع الاتحاد السوفيتي وكان دوره المعلن “دفاعيا”…
سنة 1958 قامت الولايات المتحدة الأمريكية بنشر صواريخ نووية في بريطانيا ضمن مشروع “اميلي” ونشرت بعد ذلك صواريخ نووية في إيطاليا وتركيا سنة 1961. وبهذه الطريقة قامت بتطويق الإتحاد السوفيتي بقواعد صواريخ نووية ، ما إعتبره الاتحاد تهديداً صريحاً لتواجده .
سنة 1962 اطلق الاتحاد السوفيتي عملية “انادير” وقام ببناء قواعد صواريخ نووية قصيرة ومتوسطة المدى في جزيرة كوبا وتزويدها بصواريخ ارض جو بسرية تامة .
وفي إحدى الرحلات الجوية الإستطلاعية كشفت طائرة امريكية بالصدفة وجود هذه القواعد ومن هنا انطلقت ازمة الصواريخ الكوبية .
الجهاز العسكري الأمريكي اقترح هجوم كاسح على كوبا واحتلالها وتدمير قواعد الصواريخ ، لكن الرئيس الأمريكي لم يوافق لانه لا يعرف ردة فعل الاتحاد السوفيتي .
هذه الأزمة كانت قاب قوسين من إطلاق حرب نووية عالمية بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي . لكن الطرفان توصلا الى حل سياسي يقضي بأن يسحب الاتحاد السوفيتي الصواريخ النووية من كوبا وأن لا يزود كوبا بأي تقنيات عسكرية متقدمة. في مقابل ان تفكك الولايات المتحدة الأمريكية الصواريخ التي وضعتها في تركيا.
حلف شمال الأطلسي تعهد بعدم الاقتراب من الحدود السوفيتية ، لكنه بمجرد سقوط الاتحاد السوفيتي استمر في سياسة ضم اعضاء جدد ، اغلبهم من دول كانت في الماضي جزءا من الاتحاد السوفيتي .
الحلف يضم اليوم 30 عضوا من بينهم ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن و لديها حق النقض الفيتو.
خلال سنوات توسع حلف شمال الأطلسي ، و كانت روسيا الاتحادية دولة ضعيفة نسبيا ولم تكن قادرة على الاعتراض على سياسة الناتو حتى اصبح قريبا جدا من الحدود الروسية
روسيا اليوم ليست هي روسيا الامس ، وكذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وللعالم بأسره .
روسيا بقيادة بوتين الذي رضع من حليب الاتحاد السوفيتي وترعرع في المخابرات السوفيتية لم ينسى ابدا الانكسارة التي عاشها الاتحاد السوفيتي والاستعلاء الأمريكي . لذلك خلال العشرين سنة الماضية قام باعادة بناء العقيدة الروسية خاصة العسكرية و اختار حلفاءه بعناية شديدة .
روسيا هي ثاني اقوى قوة عسكرية في العالم وإن كان ذلك على حساب الاقتصاد الروسي المتهالك نسبيا مقارنة مع اقتصادات دول أخرى .
هذه القوة العسكرية لم يتم تطويرها لتظل قوة ساكنة ، لكن لتصبح القبضة الحديدة التي تحمي مصالح روسيا الاتحادية.
اوكرانيا كانت على الدوام دولة ذات وضع خاص رغم انفصالها عن الاتحاد السوفياتي . كانت دائما دولة شبه محايدة لا تهدد مصالح روسيا ولا تبتعد كل البعد عن الولايات المتحدة الأمريكية . واستمر الوضع على هذا الحال لأنه كان وضعا مرضيا نسبيا لجميع الأطراف .
استمر الوضع على ذلك الحال حتى اندلاع الثورة الاوكرانية بين سنة 2013 وسنة 2014 ، الثورة اندلعت حينما رفض الرئيس الاوكراني توقيع اتفاقية شاركة مع الاتحاد الأوروبي لانه كان موالياً لروسيا ولم يكن يرغب في الاقتراب الى هذا الحد من الاتحاد الأوروبي .
في هذه الثورة قامت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية بدعم المتظاهرين حتى تمت الاطاحة بالرئيس “فيكتور”.
هذه الثورة اعتبرتها روسية انقلاباً على توافقاتها السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تقضي بترك اوكرانيا في خانة الحياد . ورداً على هذه الثورة قامت روسيا باجتياح جزيرة القرم التي تحتوي على احد اهم الموانئ في البحر الاسود والذي يضم قاعدة بحرية روسية جد مهمة للاسطول البحري الروسي .
هذه الحركة الخاطفة من روسيا عرضتها لعقوبات اقتصادية وتدهورت علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة حكم الديمقراطيين بقيادة اوباما .
بعد سنوات قليلة تغير سكان البيت الأبيض بقدوم ترامب الذي اعتبره الجميع موالياً لروسيا خاصة بعدما إنتشرت شكوك بتدخل المخابرات الروسية في الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب …
ترامب خلق علاقات جيدة مع بوتين ووجه كل انتباهه للصين باعتبارها الخطر الحقيقي . والأهم من ذلك أن ترامب لم يكن يرى فائدة من وجود حلف الناتو واعتبره حلف فاشل يكلف الولايات المتحدة الأمريكية مصاريف باهضةً باعتبارها اكبر المساهمين ، في حين لا تدفع دول أخرى كألمانيا ما يكفي .
سياسة ترامب كانت مبنية على امريكا أولاً ، ولم يكن يرى داعياً للضغط والتضييق على روسيا حتى مع الجرائم التي ارتكبتها بسوريا في حق المدنيين . كل هذا منح الوقت لروسيا لتطوير وتجريبة قوتها العسكرية في سوريا وليبيا …
بعد رحيل ترامب عاد الديمقراطيون للبيت الأبيض بعقلية قريبة من عقلية أوباما خاصة وأن الرئيس الجديد هو النائب السابق لاوباما ويتقاسمان نفس الرؤيا .
وبقدوم بايدن عادت احلام توسيع حلف الناتو للواجهة، وبتعاون امريكي انجليزي تم الإستفراد بالرئيس الاوكراني الذي لا يملك اية خبرة سياسية حقيقية ولا يدرك حجم اللعبة السياسية التي تدور في المنطقة …
هذه الدول قدمت وعوداً سخيةً للرئيس الاوكراني بضم اوكرانيا لحلف الناتو بالاضافة إلى وعود اوروبية اخرى بضم اوكرانيا للاتحاد الأوروبي .
و لأن الرئيس الشاب الطموح والساذج في نفس الوقت اراد ان يدخل التاريخ من اوسع ابوابه ، وأن يكون هو من ادخل اوكرانيا للاتحاد الأوروبي وايضا لحلف الناتو ، فقد ساير اوهام حلفائه وصدق وعودهم واعلن العداء الواضح لروسيا ووضع دولته في طريقها.
ما لم يكن في حسبان الرئيس الاوكراني أن من وعدوه لا يملكون الشجاعة لتنفيذ وعودهم ، انما جعلوا منه ومن بلاده طريقاً لفرض عقوبات على روسيا وتقويض قوتها .
الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا لا تهمهم لا اوكرانيا ولا غيرها من الدول الصغيرة ، كل ما يهمهم هو مصالحهم الاستراتيجية .
فالولايات المتحدة الأمريكية بعد انسحابها المذل من أفغانستان دون أي تنسيق مع بقية دول حلف الناتو التي شاركة معها في الحرب ، وأيضاً بتخليها عن حماية دول الخليج امام هجمات ايران واذرعها العسكرية في المنطقة وأيضاً بعد خيانتها لحليفتها فرنسا في صفقة الغواصات الأسترالية أظهرت للعالم أنها ليست شريكاً يعتمد عليه …
الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا (خاصة بعد انسحابها من الإتحاد الأوروبي) لم تعد لديهما نفس المصالح مع بقية الدول الأوروبية كالمانيا وفرنسا ، لكن هاتين الدولتين لا تستطيعان حالياً الخروج من تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من عدم رضاهما عن وضعية العلاقات حيث تعتبر امريكا نفسياً فوق الجميع.
الولايات المتحدة الأمريكية دفعت اوكرانيا للهاوية من اجل تحقيق مصالحها الاستراتيجية وهي المتمثلة في فرض عقوبات على روسيا وشغل روسيا في حرب طويلة الأمد دون الدفع بالجنود الأمريكيتين للحرب .
امريكا تعودت على الحرب بالوكالة حيث تحارب دول أخرى مكانها . وهي اليوم تعيد نفس السيناريو الذي جربته في الشرق الأوسط، لكن هذه المرة في اوروبا .
لقد قالها الرئيس الأمريكي صراحة ، لن نرسل جنودنا لاوكرانيا ولن ندخل في حرب مباشرة مع روسيا .
لكن في نفس الوقت هم يسلحون اوكرانيا ويضغطون على الرئيس الاوكراني لعدم التفاوض مع روسيا وللدفع بشعبه للهلاك حيث يطلب منهم المقاومة والقتال ويعدهم بأن الحلفاء سيرسلون لهم الأسلحة.
هذا الرئيس إما أنه وطني لا يريد التفريط في أرضه لكنه ساذج وغبي وعاطفي، أو إما انه أكبر خائن لاوكرانيا وللشعب الاوكراني.
لقد قال بعظمة لسانه انه سأل كل قادة الدول هل يضمنون له انضمام اوكرانيا للناتوا ؟ لكنهم لم يجيبوه و تركوه وحيداً ولم يفي أحد بوعده بحماية اوكرانيا لكنهم اكتفوا بارسال الأسلحة .
من الجنون إعطاء أسلحة للمدنيين وارسالهم لحرب يعلم الجميع نهايتها الحتمية وإن طالت مدة الحرب والصمود .
اوكرانيا لن تصمد امام الجيش الروسي . وخروج رئيس وزراء انجلترا بتصريحات يشجع فيها الشعب الاوكراني على المقاومة وانهم نجحو في مواجهة روسيا ما هو إلا كذبة كبيرة ومصيدة أخرى لدفع الشعب للتضحية والحرب وإطالة الأزمة لأن هذا يخدم مصالح انجلترا وامريكا …
الجميع يعلم أن عدم سيطرت الجيش الروسي على كامل اوكرانيا لحدود الساعة ليس له علاقة بقوة الجيش الاوكراني او المقاومة الشعبية ، لكنه راجع لسببين رئيسيين :
السبب الأول هو أن روسيا دخلت اوكراني فقط بثلث الجيش الذي كان واقفا على الحدود خلال الأشهر الماضية ولم تحرك كل قواتها ولا تستخدم اسلحتها الفتاكة بالحجم الذي استخدمته في سوريا.
السبب الثاني هو أن القوات الروسية تحارب بحذر شديد لأنها لا تريد المساس بالمدنيين أو المناطق السكنية وهذا ليس لأنها حمامة سلام ، لكن لأنها لا تريد الدخول في صراع مع الشعب الاوكراني لأن هذا سيجعلها دولة إحتلال ولن يقبل بها الاوكرانيون أبداً حتى لو دمرت كل الجيش الاوكراني وسوف يحدث لها ما حدث لأمريكا في افغانستان والعراق .
روسيا ترغب في إسقاط الحكومة وتدمير الجيش الاوكراني ووضع حكومة موالية لها ثم الخروج من اوكرانيا ، وهذا لن يتحقق إذا هاجمة المدنيين وقتلتهم كما قتلت السوريين.
شخصيا اعتقد أن الشعب الاوكراني يدفع تكلفة اخطاء رئيسهم الذي جعل من بلاده أداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا ، أداة يتم بها استفزاز روسيا .
الدول الأوروبية لن تحارب من أجل أوكرانيا والشعوب الأوروبية ليست مستعدة لترك الرفاهية والرخاء والدخول في حرب عالمية ثانية من أجل أوكرانيا .
هم أيضاً ليسوا مستعدين لفرض عقوبات قاسية على روسيا لأن هذه العقوبات ستضر روسيا والعالم بأكمله لأن روسيا لاعب جد مهم في سوق الطاقة العالمية.
روسيا لها الحق في ضمان أمنها القومي ، وأنا على يقين لو أن روسيا هي من نشرت اسلحة نووية في كوبا مرة ثانية ، فالولايات المتحدة الأمريكية ستحتل كوبا كما كانت ستفعل في الأزمة الكوبية.
الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في اعطاء تنازلات لروسيا والموافقة على مطالب روسيا وإنهاء الأزمة ، لأنها تعتبر نفسها دولة لا تقدم تنازلات ، لأنها إذا قامت بذلك فهذا سيشجع دولا أخرى مثل الصين وإيران لتحدي امريكا.
أتمنى أن يستيقظ الرئيس الأوكراني من سباته ويفكر في مصلحة شعبه بعيداً عن العواطف وأحلام البطولة السنمائية وأن يجلس للتفاوض مع روسيا خاصة بعدما شاهد بعينه تخلي الدول التي غررت به.
شخصياً أنا ضد الحرب لأن الضحية هو الشعب ، أما الجيش الأوكراني فلا أتضامن معه ولا ضده لأني لا أرى العالم بوجهين ، فهذا الجيش شارك في غزو العراق والاعتداء على دولة كاملة السيادة وقتل المدنيين ودمر البلاد … لذلك لا أفكر بالعاطفة كما يفكر من ينشر صورة جندي اوكراني مع حبيبته وفي يده وردة حمراء وكأنه ملاك بريئ .
نفس الأمر مع الجيش الروسي فهو جيش مجرم لازالت يداه ملطختان بدماء السوريين …
ومع ذلك لا أتمنى أن يحدث ذلك للشعب الاوكراني لأنهم شعب كباقي الشعوب يحلم بمستقبل أفضل ومن حقه ذلك …
للأسف العالم يكيل بمكيال المصالح ، ما تم فرضه من عقوبات على روسيا لمهاجمتها أوكرانيا لم يتم فرضه عليها حين تدخلت في سوريا وليبيا وارتكبت جرائم حرب .
وما تلوم امريكا عليه روسيا هو بالضبط ما قامت به في العراق . فقط الأماكن اختلفت اليوم .
في النهاية أعيد ، السياسة لا تعرف العاطفة . ولا يجب الانسياق أمام التدخلات الخارجية ولا يجب الإعتماد التام على أي دولة مهما كانت ، فالجميع يترك الجميع حينما تتعارض المصالح.
مصالح أم أطماع؟
هل حارب الروس فى ليبيا؟ ذكرونى
ياريت العملاء العندنا يفهموا الكلام دا ويخلوا التطبيع مع اسرائيل لانها لن تقدم لهم شئ يفيد بل تريد منهم فقط وفي الاخير خسران السودان والسودانيين. وكل العملاء بعد انتهاء دورهم سيرمونهم في مزبلة التاريخ والامثلة كثيرة لذلك.