مفهوم المواطنة المفارق للهوية

مفهوم المواطنة المفارق للهوية

ترى هل يمكن لوطننا ان يقوم على أساس المواطنة بالمفهوم الحقوقي، بعيدا عن مفهوم الهوية (النخبوي) الساذج الذي ينوء بالتضمينات السخيفة، تلك الهوية التي مازلنا (كشعب) لا نكاد نتبين ملامحها في وطن تمشي (الهوية) فيه بين الناس تغني الطمبور وترقص الكمبلة وتصفق مع الشوايقة وتنم الدوبيت وتحفظ اشعار الحكامات والبطانة ومازالت تستضمر في احشائها انظمة السلاطين والمكوك، وتشد نسيج السودان الإجتماعي من جنوبه الحزين إلى شماله المكلوم ومن شرقه الحائر إلى غربه الهائج بوسطه المصاب بالكساح.

تلك الهوية التي عرفها الجرجاني قديما بأنها (الحقيقة المطلقة التي تشتمل على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق)، كل حقائق هذا الكائن السوداني ومغاليقه ومفاتيحه، الذي لا يتميز بشيء عن باقي البشر سوى بسودانيته المكنونة والمضمرة داخل منظومة الهوية التي ظلت تضن بأسرارها عن عابري الطريق من الساسة، وشطح قادة الرأي (النخبة) بعيدا عن كنهها وفشلهم في اختراق قشرتها بأدواتهم المعرفية الفقيرة التي حازوها من مكبات نفايا الساسة.

كلنا ايها السادة السودانيون، حكومة وشعبا واشباه شعب جانبنا التفكير العلمي في مقاربتنا للهوية، وآثرنا مقاربتها بحمولات ايديوليوجية واحكام مبتسرة فطيرة ثم بحثنا لهذه الانحرافات والترهات الفكرية عن مشروعية تحتويها داخل منظومة الهوية السودانية الغنية الوارفة المثمرة الممتدة الظلال، ومن فرط جهلنا وسطحية رؤانا تنفسنا الصعداء حين خرج علينا البعض بأنها عربية فاعدنا كتابة التاريخ وفقه، وفجاة انتفض فصيل منا وقال لا بل هي افريقية، فثار البعض ومار ثم قال انتم تشتطون إنها في الأصل نوبية وغضب اخرون وقالوا بل هي كوشية، وجاء من اقصى المدينة رجل يهوى التوسط والاجاويد و قال بل هي افروعربية.

كلهم انتهجوا التضمين بدل السبر والتحليل، وصلوا للنتائج واضمروها وتمذهبوها ابتداءا ثم حللوا وفككوا وما استطاعوا ان يركبوا مفهوما يحتوينا جميعا..

إلى هذا الحد عيصة على الفهم ايتها الهوية…

سأحسن الظن واقول، عجزنا عن التمييز بين الجوهر وتمظهراته، الهوية هي النواة (الجوهر) وتمظهرات الهوية المتنوعة المنتشرة بطول البلاد وعرضها ماهي إلا الحقائق التي عناها الجرجاني والتي تتنوع وتختلف باختلاف موقعها و وظيفتها في الشجرة، فتارة هي اوراق وتارة ساق واخرى أغصان وأزهار وجذور وثمار ونوى تسقط لتنمو، ولكنها كلها مجتمعة تسمى شجرة.

تلك هي الهوية يا سادة، التي اختطفت تارة واغتصبت تارة وغيبت وسحقت ومحقت، والكل يدعي وصلا بالهوية والهوية لا تعشق إلا سودانها..

الهوية السودانية تتوفر على مكونات افريقية وعربية ونوبية ومسيحية ويهودية ولا دينية وفرعونية ومكونونات دجل وشعوذة وسحر واخرى حديثة تدخل وغيرها يخرج، وهي بالمحصلة (كل) يفوق في قيمته مجموع أجزائه.

الهوية مفهوم ديناميكي متحرك غير ثابت يتغذى من مثله وقيمه وتاريخا وحاضره واشواقه المضمرة في بنيته، واي محاولة لتجميده في لحظة تاريخة مضت او حبسه في مساحة مكانية سيؤدي الى نتائج كارثية اقلاها التطهير والتهجير..

الهوية ليست ترف فكري ولا اسطوانة (نخبة) انما هي روح الشعب التي تجمع شتاته وتوحد اشواقه وطموحاته وتوجه مسعاه وتؤطر رؤاه….

فهل ترى نستطيع ان نتعقل قليلا ونهدأ ونقفز فوق تمظهرات الهوية، التي وللمفارقة لن تستجيب لتضميناتنا السخيفة، ونمسك بمفهوم المواطنه القائم على الحقوق والواجبات حتى اذا نضجنا وكبرنا ونما فينا حس الحرية المسؤول، فعندها وعندها فقط سينبثق مفهوم الهوية دون حاجة لتوضيحه او تزيينه فهو ابلج بذاته.

صديق النعمة الطيب
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كلام في الصميم ~ الهوية هوية الكل وليس البعض ومن ثم سؤال الهوية نفسه غلط فالهوية هي السودانية بكل مكوناتها وملامحها وان لم تتجانس من ناحية العرق واللون والدين والسحنة وانما الموروث الثقافي والمزاجي العام

  2. كلام في الصميم ~ الهوية هوية الكل وليس البعض ومن ثم سؤال الهوية نفسه غلط فالهوية هي السودانية بكل مكوناتها وملامحها وان لم تتجانس من ناحية العرق واللون والدين والسحنة وانما الموروث الثقافي والمزاجي العام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..