أهم الأخبار والمقالات

١٩ ديسمبر موسيقى وانغام ساحرة يتجاوب معها الداخل والخارج

محمد يوسف وردى
مرة اخرى السودان يلفت انتباه العالم ويضع نفسه مجددا في دائرة الضوء، لقد جاء احتفال السودانيين بالذكرى الثالثة لثورة ديسمبر امس معبرا عن ارادة السودانيين الذين يتطلعون لرؤية بلدهم حرا وابيا ومستقلا رغم المؤامرات . عكس الاحتفال روح الثورة فى شكل ابتهاج واحتجاج اجتمعا معا ورسما لوحة زاهية مكتوب فيها ان تحقيق المطالب المركزية للمحتجين حتمي بقوة الارادة المطلقة للمعسكر المؤيد للديمقراطية والحكم المدني، توقع الناس عرضا كرنفاليا وليلة خطابية احتفاء بذكرى الثورة، لكن الثوار ذهبوا لاكمال ثورتهم الناقصة عبر احكام حصارهم على القصر ، وقد ثارت تساولات طيلة يوم امس حول ما الذى يعرقل بلوغ اجندات هذا الطوفان البشرى لمبتغاها ، اذ رغم التحشيد الهائل ورغم لامركزية الاحتجاجات وقوتها يعود الثوار الى بيوتهم بلا شىء ، هل يعود السبب الى الافتقار للقيادة التى اتسمت بها حركة الاحتجاجات فى السودان وعجز تنسيقيات لجان المقاومة عن صنع قيادتها بحيث يكون هناك تسلسل هرمي واضح للقيادة وقائد محوري حتى ولو كان (همبولا) يتوحد المحتجون تحت سلطته الاخلاقية .؟؟!! .
منظر الناس امام القصر يبهج القلب ويسر العين، لكن التواجد هناك لمجرد التعبير عن رفض العسكر لا يكفى .. يجب ان يدرك كل واحد من المحتجين اهداف الثورة ويجب ان يتبع توجيهات القيادة، لقد علمتنا الثورات ان الزخم يتلاشى وان الدعم الشعبى ينحسر عندما ينشغل الناس بسبل كسب العيش ويبدون تبرمهم من الحواجز والمتاريس على الطرقات ويسأمون من الإزعاج.
ولكى لا يتحمل المحتجون عبئا جديدا يدخلهم فى معركة شاقة للحفاظ على الزخم والتعاطف العام ، يتعين على حركة الاحتجاجات ان تنجز بسرعة وان تكتب السطر الاخير من الثورة على اعجل ما يكون وذلك عبر التغلب على العراقيل . ولكى لا يوصف الحراك بانه احتجاجات القرص الضائعة ، مطلوب من لجان المقاومة طرح مشروع واضح للتغيير عبر برنامج توافقى مع القوى الثورية، لا يمكنك ان تقبر اتفاق البرهان وحمدوك دون اعلان قرارات بتكوين البرلمان والحكومة البديلة. لانه فى اليوم التالى المليونية وجدنا البرهان وحمدوك موجودين ولذلك يتم طرح السؤال الحارق: ثم ماذا بعد ؟!! .
يعد ١٩ ديسمبر من الايام الخالدة فى تاريخ السودان الحديث، ولقد تجلت عظمة هذا اليوم في الرسائل التي وجهها المحتجون للعسكر وللاحزاب ولحمدوك والمجتمع الدولي امس.

بالنسبة للعسكر:

كل ما يجرى فى السودان اليوم جاء نتيجة للخطأ الفادح الذى ارتكبه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بتنفيذ انقلاب عسكرى لا داع له فى ٢٥ اكتوبر الماضي، وهو الانقلاب الذي وصم بانه فطير بصورة قد تجعل كتب التاريخ تسجله كحدث مرمط سمعة الانقلابات العسكرية، وربما تدفع كليات السياسة لتدريس الطلاب مناهج حول كيفية تفادى الانقلابات الفاشلة وطرق القيام بانقلاب دون تحديد الى اي مدى يمكن الاستفادة منه على غرار انقلاب البرهان الذى عجز عن نيل اعتراف بانقلابه ناهيك عن تكوين حكومة له . لقد شيعت الجماهير الانقلاب والاتفاق السياسى الذى اعقبه لمثواهما الاخير.
يتمنى العسكر حدوث انخفاض فى حركة الاحتجاجات السودانية عن طريق القمع القاسى ، لكن على العكس تتعاظم المليونيات المتميزة بانضباط ذاتى هائل يتفوق على انضباط الجيش – الذى يحتضن المليشيات – بقيادة عسكرية غير كفؤة ومعزولة ومنفصلة عن الواقع.
لقد صمم العسكر اتفاق البرهان وحمدوك لكى يكون فى مصلحتهم لكن ضغوط الجماهير اسقطت فعالية الاتفاق وتجاوزته باتجاه العودة للوثيقة الدستورية ، ما يعنى بروز قيادة جديدة ، ولان البرهان ونائبه باتا كرتين محروقين يتعين تقديم الضمانات لقادة عسكريين جدد لكى ينحازوا للشعب بدلا عن تضييع الوقت.

حمدوك

ارتضى حمدوك ان يضع نفسه رهينة فى يد العسكر بلا سلطة ، لدرجة ان الناس لا تعرف ان كان لايزال خاضعا للاقامة الجبرية حتى اليوم ، عاد حمدوك للتعاون مع العسكر بحجة حقن الدماء رغم علمه انها كلمة حق اريد بها باطل قصد منها استعادة الدعم المالى الامريكى والاوربي ، ومن ابرز تناقضات حمدوك عدم اعترافه بانقلاب البرهان وقرار حل الحكومة الذى ترتب عليه وعدم ادائه لقسم جديد بالتزامن مع قبول استقالات وزرائه ، ما يدحض عدم اعترافه بقرار حل الحكومة . ان تحالفه مع البرهان – الذى ما فتىء يهاجم المجتمع الدولى ويكاد ان يقول مثل سلفه عمر البشير ان امريكا واوربا تحت حذائى – فى حد ذاته مثير للريبة ، ناهيك عن ترديده نفس اسطوانة البرهان عن اقامة الانتخابات فى موعدها دون ان يقول اى منهما عما اذا كانت الاموال التى ستغطى تكاليف الانتخابات التى ستقدمها امريكا واوربا باتت تحت يدهما ، اذا كان حمدوك عاجزا عن طرح بدائل لعلاج الازمة الاقتصادية وينتظر مع البرهان ان تفك امريكا واوربا المعونات الموقوفة فلماذا لا يعمل على التاثير على حلفائه فى الجيش من اجل القيام بالاجراءات التى طالب بها المجتمع شرطا لاعادة
التدفق المالى للسودان .؟
لقد وجهت احتجاجات امس ضربة موجعة لحمدوك مجددا برفض اتفاقه مع البرهان . ورغم ان الفرصة ما تزال سانحة امامه للالتحام مع الجماهير، يبدو ان بطء حركته يعيق اصلاح اخطائه ولن تكون استقالته مفاجئة لو آثر الرحيل فى حال فشل فى التناغم مع حركة الاحتجاجات .

الأحزاب

تبدو خطوات الاحزاب ثقيلة ، كونها ما تزال اسيرة العقلية القديمة ، لذلك تتقدمها لجان المقاومة فيى الاحتجاجات الاخيرة بصورة تجعل خياراتها محصورة فى اعادة طرح اجندات لجان المقاومة وتدويرها . ان تباعد الخطى بين الثوار والاحزاب امر فى غير صالح الديمقراطية والحكم المدني، ويبدو ان ما يغذيها هو ارتياب الشباب من قدرة الاحزاب على الانفكاك من معضلتها التاريخية متمثلة فى التمسك بالمركز القديم بصورة تجعل الشباب الثائر لا ينظر اليها كاحزاب سياسية بل كمركز يسعى بموجب العقلية الشمالية التى صنعت المركز القديم وحافظت عليه لاستبدال البرهان وحمدوك باشخاص يكرسون الهيمنة الشمالية.
من الطبيعي أن ترفض الأحزاب التغيير الراديكالي
الذى يقضى على مصالحها ويضرب المكون الشمالى سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، الحل امام الأحزاب هو ان تطرح برنامجا واضحا يتوخى وحدة القوى الوطنية عبر برنامج يوافق عليه الجميع سواء كانوا ثوارا او كيانات ويؤدى لخلق وحدة حقيقية تتبنى برنامجا وطنيا . امام الاحزاب فرصة نادرة للاصلاح ان كانت جادة .
الرسالة الموجهة للاحزاب هى ان الاحداث قد تتجاوزها اذا لم تغير جلدها .

المجتمع الدولي

مايزال موقف المجتمع الدولي من انقلاب البرهان ودعم الحكم المدني في السودان صلدا، يفوق فى قوته موقف بعض الاطراف السياسية فى السودان . لقد سحرت الموسيقى والانغام الديسمبرية العالم حقا ، ويأمل المجتمع الدولى ان تسفر ضغوطه عن حل لازمة السودان بصورة تضمن سلامة الفترة المدنية.
لاشك ان ضغوط المجتمع الدولى وحدها كانت سببا مباشرا فى غل يد نظام البرهان عن العنف المفرط فى مواجهة المحتجين ، ويبدو ان المجتمع الدولى يتبادل مع الشارع الملتهب فى السودان لغة مشتركة يفهمانها ، الامر الذى يرجح ان المجتمع الدولى يكرس جهوده لايجاد حل يكون اقرب للشارع . رسالة الامس للمجتمع الدولى تقول له اذا لم تنخرط بصورة اكبر لاخراج السودان من ازمته ، قد يتعذر عليك فعل شىء بعد فوات الاوان ، لان اسم السودان سيمسح من الخارطة الدولية ، ولن يكون المجتمع الدولى فى حاجة للسياسة الخارجية اصلا للتعامل مع كيان اسمه السودان.
يبدو المجتمع الدولى متماسكا ازاء السودان ويكفى مثالا اقرار الكونغرس الامريكى مشروع العقوبات ضد من يعرقلون الانتقال الديمقراطى فى السودان ، حيث يحظى المشروع بتوافق واسع بين الحزبين الجمهورى والديمقراطي الذين اكدا جديتهما لتنفيذ القرار واكثر من ذلك اظهرا امكانية توفير الاصوات الكافية لنقض فيتو الرئيس جو بايدن فى حال اصر على مسالة انه من يحدد السياسة الخارجية.
لكن هل سيستمر التناغم بين المجتمع الدولى لاجل غير مسمى؟ من الجائز ان يفقد الشارع السودانى تعاطف المجتمع الدولى الذى يمكن ان يدير ظهره للسودان كما فعل مع جنوب السودان اذا وجد ان الاطراف السودانية غير جادة وان قضيتهم قد ضاعت ، علما بان السياسة الخارجية لدى كثير من اطراف المجتمع الدولى تقوم على النفس القصير.
احتجاجات الامس تشجع المجتمع الدولى على المضى فى سياسة الضغط على العسكر لاجبارهم على اعادة النظر فى الاجراءات التى ترتبت على انقلابهم .

تعليق واحد

  1. لو كان حمدوك رهينة في يد العسكر كان كون حكومة ووزراء. لكن تباطئه يعني ينتظر منك الاكثر. حمدوك رجل الوطن والساحة. لو فيكم واحد في موقفه لتصرف مثل ماتصرف . . لو اعطية فرصة دون تعقيدات لوجدنا السودان في قمة الدول حمدوك ليس بالسهل في تخطيط البلد ومستقبل البلد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..