بورصة الذهب.. حد من التهريب أم قفزة اقتصادية؟

الخرطوم: أمين محمد الأمين
استبعد خبراء في الاقتصاد توقف تهريب الذهب لدول ذات أسعار أعلى، وقالوا في حديثهم لــ”اليوم التالي” إن فكرة البورصة تحتاج لتواصل مع الشبكة المصرفية الدولية، وأضافوا أن تأسيس بورصة للذهب في السودان يساعد كثيراً، معتبرين أنها ستكون قفزة اقتصادية لمنتجي الذهب، فيما يعتقد آخرون أن إنشاء البورصة لن يحل مشكلة تهريب الذهب في السودان، ولفتوا إلى أن المشكلة تعالج بمعادلة مرضية بين الطرفين (حكومة، معدنون) ويقوم على ترتيبها ومراجعتها جهاز أمني قومي.
ذهب مفقود
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين، مزمل الضي عباس إن إنشاء بورصة للذهب في السودان خطوة في الاتجاه الصحيح، وبرر ذلك لأن معظم ذهب السودان يتم إنتاجه بكمية مهولة في مناطق مختلفة من شمال السودان وغربه وكردفان وغيرها، ومعظم هذا الإنتاج يهرب، ويضيف أن في العام 2019 كانت كمية الذهب (43) طن والمصدر منها (21) طناً فقط، وتساءل: أين ذهبت بقية الإنتاج؟، ويزيد أن نسبة مساهمة إجمالي الصادرات (26) مليون دولار، بينما عائد الصادرات لا يزيد عن (900) مليون دولار.
ختم تعديني
وأشار مزمل إلى أن تأسيس بورصة الذهب في السودان يساعد كثيراً، وهي قفزة اقتصادية وقفزة لمنتجي الذهب، لأن الأسعار في السودان ستكون موحدة عالمياً، وذلك لربطها ببورصة دبي وروسيا وأمريكا وغيرها من الدول، ولفت إلى أن السودان في السابق كان يهرب الذهب لدول أخرى لعدم وجود الختم التعديني في السودان، وذلك بسبب العقوبات المفروضة على السودان، وأوضح أن السودان يهرب لتلك الدول لتقوم بعمل الختم التعديني وهو معروف عالمياً.
فوائد اقتصادية
وأكد مزمل بورصة الذهب في السودان الآن جاهزة، وقال في حديثه لــ”اليوم التالي”: قمت بزيارة هذه البورصة وكانت مكتملة ما تبقى هو تطبيق القانون لعملية البورصة وآلياتها وإدراجها في سوق الخرطوم للأوراق المالية، وبشر مزمل بأن هنالك فوائد اقتصادية عقب إنشاء البورصة، وقال: عند خلق سوق بورصة للذهب هذا يعني أن كل منتجي الذهب سيبيعون في السودان بالأسعار العالمية بدلاً عن التهريب، إضافة إلى أن كمية كبيرة من الشركات ستكون لها الرغبة في شراء وبيع الذهب في السودان، وتابع: وجود البورصة يعني أنها ستدرج في سوق الخرطوم للأوراق المالية وهو ما يعني انضمام عدد كبير من الشركات والمؤسسات المالية وهو ما يخلق تداولاً ورؤوس أموال في الدولة، قائلاً إن مشكلة السودان هي خلل في مشكلة التمويل ورؤوس الأموال.
مساهمة كبيرة
ويؤكد مزمل أنه باتباع هذه الخطوات سيخلق السودان كمية كبيرة من الوظائف وثقافة جديدة لأسواق مالية للسودانيين، موضحاً أن الشعب السوداني لا علم له بثقافة الأسواق المالية وأهميتها وكيفية استثمارها وشراء أسهم أو سندات معينة، ويتبع شركة معينة لتحقيق أرباح من خلالها، واعداً أنه من خلال ذلك سنؤسس لرأس مال ويعمل بطريقة جيدة وستضيف مساهمة كبيرة لإنتاج الذهب وتحقيق للناتج القومي المحلي.
احتياطي الذهب
وقال مزمل إن مساهمة صادر الذهب في العام 2019م 27% كانت تدخل الموازنة، وتساءل: ماذا إذا تم رصد كل الإنتاج من الذهب في السودان عن طريق التعدين التقليدي والحديث الــ43 طن من الذهب وتم بيعه بالأسعار العالمية وأضيف إلى الموازنة؟، وطالب مزمل بضرورة وجود احتياطي من الذهب في بنك السودان، قائلاً إن معظم الدول تضع احتياطياً من الذهب والنقد الأجنبي والاستعانة بهما في حالة الكوارث الاقتصادية لتتعافى بها الدول.
صالح التنمية
ولخص الخبير الاقتصادي دكتور ناجي مصطفى مشكلة الذهب التي تحاول الدولة معالجتها بعدد من السياسات المالية والأمنية والاقتصادية لخصها في أن الحكومة تريد الذهب وتريد العائد منه بالدولار، وقال في حديثه لــ”اليوم التالي” إن الحكومة ليس لها استعداد لاستخراج الذهب، موضحاً أنها تعتمد على التعدين الأهلي في توفير الذهب والدولار، مستبعداً أن يكون لها ذلك، وتابع: إما أن يكون الذهب كالبترول تقوم الحكومة باستلامه وتعمل به وتوفر العائد منه لصالح التمنية، أو تدع المواطن يعمل ويدفع ضريبة ويجب أخذها من صاحب المحجز في التصديق.
ثروة قومية
وقال إن دفع الضرائب تقابلها عثرات في السودان، مبدياً أسفه قائلاً إننا في السودان أصبحت لدينا ثقافة التهرب من المسؤولية المدنية، مضيفاً أن مشكلة المعدنين والحكومة هي أنهم لم يصلوا إلى صيغة بحيث أن تأخذ الحكومة حقها العام وعلى المواطن المساهمة لأن الذهب المستخرج ليس ملكه، مبيناً أنه ثروة قومية ويجب دفع ضريبته ويأخذ المواطن حقه مقابل عمله وجهده.
معادلة اقتصادية
ويشير إلى أن هذه المشكلة لن تحل ببورصة أو بمنع بيع وتهريب الذهب، لافتاً إلى أن هذه المشكلة تعالج بمعادلة اقتصادية مرضية للطرفين ويقوم على ترتيبها ومراجعتها جهاز أمني قومي، وطالب قبل تطييق هذه المعادلة بمحاربة الفساد، وقال: إينما وجد الذهب وجد المال والفساد، وتابع: الذهب أصبح طبيعة عالمية وليس داخلياً فقط لجهة أن هناك دول تشتري هذا الذهب، وتساءل: لماذا يتهرب المعدنون ويحاربون الدولة؟، وأجاب: لأن هنالك دول تشتري الذهب بسعر مجزٍ، مستبعداً أن تحل البورصة هذه المشكلة لأن المعدن لن يجلب الذهب إلى البورصة بسبب دفع الضرائب، مؤكداً أن المشكلة لا تكمن في عدم استطاعة المعدن من بيع ذهبه، بل في عدم الرقابة، فالحكومة تريد عمل البورصة لتراقب المعدن وبدوره لن يأتي.
حق عام
ويرى دكتور ناجي أن مشكلة الذهب في السودان هي مشكلة أمانة وفساد، موضحاً أنها أمانة لأنه عندما يستخرج المواطن الذهب يجب أن يدفع ضريبة لأنه حق عام، وأوضح بأنه فساد لأن الأجهزة الرقابية مخترقة بواسطة أشخاص واستطاعوا اختراق المعدنين وإقناعهم، وقال: إذا كان الذهب في السوق بــ100 والحكومة تدفع 90 وتأخذ 10 فمن المؤكد المعدن لن يبيع للحكومة، وطالب بضرورة فرض هيبة الدولة في قضية الاقتصاد لا سيما في المسائل المرتبطة بالحق العام، وقال: في ختام حديثه إن الحكومة حاولت من فترة تقنين الذهب لكنها في النهاية لم تستطع لأنها تقنن لاستخراج حقها.
بورصة حقيقية
فيما يرى الخبير الاقتصادي دكتور فاتح عثمان أن تهريب الذهب ينشأ أساساً بسبب السعر غير العادل المطروح محلياً أو بسبب السعر المرتفع جداً في دولة ما، ويقول في حديثه لــ”اليوم التالي” إن إنشاء بورصة الذهب ينهي تماماً التهريب بحثاً عن سعر عادل إن كانت البورصة حقيقية ومفتوحة للشركات العالمية، واستبعد أن يتوقف التهريب لدول ذات أسعار أعلى من السوق العالمية، لافتاً إلى أن التهريب الآن محصور في الهند التي يباع فيها الذهب بزيادة 20% عن السوق العالمية، وبين أن فكرة البورصة تحتاج لتواصل مع الشبكة المصرفية الدولية ومع البنوك العالمية، مؤكداً أن هذه أشياء لم تتحقق حتى الآن، وتابع قائلاً: الأمل ضعيف في أن تكون البورصة جاهزة للعمل بشكل سلس ووفق المعايير العالمية في أقل من سنتين.
منتوج استراتيجي
وفي السياق ذاته يقول نائب رئيس اتحاد قوى الأمة (أقم)، جمال أبو سيل أحمد، إن السودان من الدول الكبرى لإنتاج الذهب في أفريقيا، مضيفاً أن السودان سيصبح من أكبر دول القارة اقتصادياً في حالة إنشاء بورصة لسوق الذهب بصورة محترفة، مستبعداً أنه لن يأتي إلا بتغيير الفكر التنقيبي وتحويله إلى صورة تقنية حديثة بدلاً من التنفيب التقليدي والعشوائي، وطالب بضرورة وضع آلية متطورة لمراقبة ومتابعة وحصر الكميات المنتجة مع وضع قوانين صارمة وفاعلة للحد من عملية التهريب، كما طالب بضرورة سيطرة الدولة نفسها على المنتوج الاستراتيجي بدلاً عن الشركات الخاصة والبيوتات التجارية والأفراد.
تدهور العملة
كما استبعد أبو سيل أن تنفذ الدولة مشروع البورصة، وبرر ذلك لأن هنالك جهات نافذة لا تريد ذلك حتى لا يتعارض مع مصالحها الخاصة، وأقرّ بأن هناك أكبر موردَيْن للاقتصاد السوداني، وقال في حديثه لــ”اليوم التالي”: أعني الزراعة بشقيها النباتي والحيواني والذهب، وتابع: إن سيطرت الدولة على هذين الموردين واجتهدت فيها تكون قد ملكت قرارها وهيبتها الاقتصادية، وقال: في حالة إنشاء البورصة يكون قد تحولت الخرطوم إلى سوق عالمي وهذا ما لا تريده الأسواق المنافسة كأسواق الإمارات خاصة سوق دبي، ويرى أن في ظل الأوضاع السياسية غير المستقرة والأجواء غير الآمنة في البلاد وتدهور العملة المحلية بصورة خيالية بالإضافة إلى العوامل الأخرى كل ذلك من الصعوبة بمكان من إنشاء تلك البورضة.
اليوم التالي