مقالات سياسية

الحزب الشيُّوعي السوداني مفارقة الواقع و إعتلاء سرج الثورة المضادة

نضال عبدالوهاب

أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني في بيان وتصريح صحفي لها عن عقدها لإجتماع يومي 30 أغسطس و 1 سبتمبر 2019 درست من خلاله ورقة مقدمة من المكتب السياسي للحزب ( لم يتثني لنا الإطلاع عليها ) وقامت بإجازة هذه الورقة مع إدخال بعض التعديلات بها ومن ثمّ خرجت بعدة قرارات أبرزها رفض الحزب لما تم التوقيع عليه في 17 أغسطس  2019 بإعلان الوثيقة الدستورية .. والتأكيد علي رفض الحزب لقراره السابق بعدم المشاركة في كل مستويات الحكم بما فيها المجلس التشريعي والذي كان من المرجح مشاركتهم فيه عطفاً علي تاريخ الحزب عندما شارك في برلمان ما بعد نيفاشا وحكومة الوحدة الوطنية الإنتقالية في 2005 ممثلين للتجمع الوطني الديموقراطي وكان المبرر وقتها المعارضة من داخل البرلمان .. وكذلك عطفاً علي تصريحات صديق يوسف بإشتراكهم في كل لجان الترشيح لإختيار مجلس السيادة والوزراء وأجهزة السلطة الإنتقالية .. كذلك أكدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي علي مواصلتهم للنضال الجماهيري في الشارع وضمن آليات العمل النقابي حتي تحقيق كل مطالب الثورة والسلطة المدنية الكاملة .. ويعني ذلك ضمنياً إصطفاف الحزب في موقع المعارضة مابعد تشكيل مجلس السيادة وماقبل إعلان حكومة مجلس الوزراء المدنية المتوقع إعلانها في أي لحظة بعد أن شارك الحزب في لجان الترشيح لهما ! ..

هذا الموقف الواضح والمعلن من الحزب الشيوعي السوداني رُغم ما به من تناقض لحساب وجودهم داخل تحالف قوي إعلان الحرية والتغيير ومشاركتهم في كل خطوات التفاوض بما فيها الإقرار والموافقة علي قسمة( 5+5+1) للمجلس السيادي والتي جعلت من المجلس العسكري شريكاً فيها وعلماً بأن هذا تم ما بعد قبولهم بإستئناف التفاوض عقب فض الإعتصام وما نتج عنه من جرائم وجلوس ممثل الحزب وممثليه في هذا التفاوض .. ولكن لاحقاً تراجع الحزب عن ما سبق وأن أقره بدءً من توقيت التوقيع الأول علي الأتفاق السياسي ثم تبعه بالإعتراض علي ما جاء بالوثيقة الدستورية ورُغم أن بعض البنود التي خرج بيان اللجنة المركزية في 15 يوليو 2019 بعدم تضمينها كالمؤتمر الدستوري موجودة في الوثيقة كذلك البنود المتعلقة بالعدالة الإنتقالية وإعادة هيكلة القوات المسلحة و جهاز الأمن وتحويله لجامع للمعلومات وحتي مسألة القصاص العادل وتكوين لجان تحقيق لكل الجرائم أثناء مرحلة الثورة حتي فض الإعتصام موجودة بالوثيقة الدستورية التي تم رفضها من الحزب كلياً حسب ما جاء بالبيان الاخير الصادر في 2 سبتمبر 2019 .. كل هذا يشير لتناقض  الحزب وموقفه من الاتفاق السياسي والدستوري وتشكيل السلطة المدنية الإنتقالية وما أسفرت عنه حتي الآن مقرون ذلك بإعتبار أن الحزب الشيوعي السوداني جزء أصيل من تحالف قوي إعلان الحرية والتغيير وممثل داخل إحدي أهم الكُتل بداخله ( الإجماع الوطني ) ..
ليس خفياً الثقة الكبيرة التي أولتها جماهير الثورة والشعب السوداني للحزب الشيوعي طوال مراحل الثورة بما فيها مراحل التفاوض المختلفة .. بل أن الجماهير غير المسيسة وحتي جماهير الأحزاب الاخري أصبحت تدافع عن الحزب الشيوعي تجاه الهجمة الشرسة التي كان يشنها عليه رموز وأعضاء وقيادات النظام السابق وأعداء الثورة وإكتسب الحزب وقياداته المشاركين والممثلين داخل التحالف شعبية كبري لذلك وعلي رأسهم المهندس صديق يوسف ( إحترام مستحق ) ..
لكن لتسمح لنا قيادة وعضوية الحزب الشيوعي وعلي رأسهم المكتب السياسي واللجنة المركزية أن موقفهم المعلن هذا وتلك المبررات التي ساقوها حتي بيانهم الأخير هذا قد خصم كثيراً من الحزب الشيوعي السوداني .. بل حتي أن تماديهم في عدم الإستماع للإنتقاد الموضوعي والنصح من الحادبين علي الثورة بل وحتي علي الحزب نفسه من بعض عضويته وإصرارهم علي هذا الموقف الغريب علي تاريخ الحزب نفسه هو بلا شك في رأينا خطأ تاريخي يمكن أن يدفع ثمنه كل الشعب السوداني وثورته طالما لم تستطيع قيادة الحزب قراءة الواقع بشكل جيد وأصرت علي أن تري الحل من زاوية ضيقة جداً ..
لم تقرأ الواقع بشكل جيد لأنها أغفلت طبيعة المؤسسة العسكرية الحالية بجميع قياداتها ورتبها العليا والكثير من الضباط داخلها نتيجة للتشويه والتكسير المتعمد لها طوال الثلاثون عاماً الماضية من عمر نظام (الكيزان) .. لم تقرأ الواقع بوجود مليشيات مجرمة تابعة كانت للنظام السابق ولكن حدث إنشقاق وفك لإرتباط نتيجة صراع داخلي للإسلامين أنفسهم وقيادتهم الأمنية والسياسية هذه المليشيات موجودة داخل الخرطوم وفي معظم المدن والولايات وبأعداد كبيرة .. لم تقرأ الواقع بشكل جيد لوجود حرب أهلية في معظم أرجاء السودان وأطرافه في ولايات كبري كدارفور و جنوب كردفان والنيل الأزرق وهشاشة في النسيج الإجتماعي يمكن أن تقود لحروب أخري .. لم تقرأ الواقع بشكل جيد لوجود حركات مسلحة تحمل قضايا مطلبية جاءت الثورة كي تعطيها لهم ولتحافظ علي هذه الحركات كرصيد وجزء أصيل من هذه الثورة التي هم في الأساس جزء أساسي فيها قادة وجماهير لهذه الحركات .. لم تقرأ الواقع بشكل جيد لوجود كل أركان الدولة العميقة المتربصة بالثورة وجماهير الشعب السوداني من كيزان وأشباههم ومنتفعين من النظام السابق يسعون للفتنة وشق الصف دائماً وإثارة الخلافات وإستثمارها لصالح تلك الفئة وأملاً في العودة للحكم أو علي الأقل الإفلات من المسآلة والعقاب وإفشال الحكومة المدنية الإنتقالية ووضع العراقيل أمامها والعمل بجدية علي ذلك .. فشلت في قراءة الواقع في وجود قوي إقليمية تمتلك المال وتقود الثورة المضادة عبر أذرعها الإستخباراتية داخلياً وخارجياً وتسخر كل قواها للفتك بالثورة وإجهاضها أو إحتواءها ..
كل هذه الأسباب والعوامل لم يضعها الحزب الشيوعي السوداني نصب عينيه وهو يقرر هذا الموقف الضعيف والشائه ! ..
لمصلحة من يُضعف الحزب تحالف قوي الحرية والتغيير .. ولصالح من يشق صف الجماهير بدلاً عن توحيدها وتقويتها .. لمصلحة من يضع الحزب نفسه في خانة المعارضة قبل أن تبدأ الحكومة الإنتقالية التي يُفترض أن يكون هو أول من يدعمها ويقف خلفها لنجاحها للعبور بالسودان والشعب السوداني إلي بر الأمان وإنتشاله من هذا الوضع والدرك وتجنيبه الإنفلات للفوضي والتمزق ! ..
بدلاً أن يعمل الحزب علي تصحيح الأخطاء العديدة التي نُقر أنها حدثت وتحدث داخل التحالف من بعض القوي الأخري والكوادر نتيجة إما لغياب البوصلة أو الثقل القيادي أو قلة الخبرة أو حتي الذاتية ولغة المصلحة الخاصة وتغليبها علي مصلحة البلد .. بدلاً من إختياره هذا الوضع والموقف الم يكن أجدي للحزب العمل مع بقية إخوته في التحالف علي إحتواء الأزمات وحلها وعلي رأسها موقف التحالف من إخوتنا في الجبهة الثورية لصالح عملية السلام وإستقرار البلد ووقف الحرب .. ونحن نعلم بالقدرات التي يمتلكها الحزب وصلاته في سبيل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي بالإضافة للإحترام الذي يتمتع به داخل الحركات المسلحة وجماهيرها ..
ما أنجزته الثورة للوصول لهذه المرحلة التي نحن فيها وعلي أعتابها لم يأتي صدفة ، فقد كانت كما هو معلوم وراءه تضحيات عظيمة وتكلفة باهظة دفعها الشعب السوداني وبناته وأبنائه وشهدائه .. المجازفة بكل هذا الرصيد الثوري لتحقيق موقف لصالح الحزب وليس في صالح الجماهير التي نشأ من أجلها الحزب وعدم الاستماع للإنتقاد الموضوعي والنصح هو خطأ تاريخي لن يغفره التاريخ لمن كانوا وراءه ..
إستكمال الثورة لن يتم من خارجها وبهدمها ولكن يكون من داخلها بتصحيحها وتقويتها والدفاع عنها .. وبعدم قص أجنحة التحالف وتركه حلفاءه للأعداء و حتي لايكون الحزب الشيوعي السوداني من غير أن يدري في صف الثورة المضادة معتلياً سرجها ومعها كتفاً بكتف ! ..
نضال عبدالوهاب ..
[email protected]

‫6 تعليقات

  1. استاذ نضال
    كلام موضوعى واسءلة مشروعة لكن غاب عليك ان الوثيقة التى وقعت السابعة صباحا والعيوب فى الوثيقة الثانية التى تم تعديل بنودها ومازال البحث عن الجانى جاريا هذا فضلا عن السبب الرءيسى الذى جعل الحزب ينسحب تماما من مشهد المشاركة فى المناصب هو مجزرة الابيض التى يحمد للحزب انه الوحيد الذى اعلن موقفه الذى كلفه الابتعاد عن المشاركة
    كان اولى لكم ان تتحدثوا وتتسالو لماذا جمدت قوى الحرية المفاوضات المباشرة لمجزرة الاعتصام و وواصلت بكثافة بعد مجزرة الابيض
    ولك التقدير

  2. كل ما ذكرته يا اخ نضال حول ما يترتب من موقف الحزب على الثورة خاطئ ومجافئ لما اوضحه الحزب الشيوعي، فلن يكون الحزب هادم للثورة ولا يقود انشقاقا داخل قوى الحرية والتغيير (قحت) بموقفه هذا، بل العكس تماما اكد الحزب على وجوده داخل (قحت) وانه يدعم كل خطوة لحكومة حمدوك في اتجاه تحقيق اهداف اعلان الحرية والتغيير ولكنه سيناضل سلميا من اجل اكمال الثورة ووصولها الى غاياتها،،

  3. اعتلاء سرج الثوره المضاده كموقف وسلوك ا
    يختلف تماما وبكل المقاييس شكلا وموضوع عن أن تكون معارضا.
    المدنيه الديموقراطيه التي ننشدها ودفعنا مهرها غاليا من نفوس وأرواح أغلى واعز مايملك السودان شاباتنا وشبابنا زهرة مستقبل أمتنا لايمكن أن تستقيم ويقوي عودها بدون معارضه وطنيه صادقه مخلصه من ملح هذه الأرض.

  4. الكتابة امانة ، مثلما انه يجب عند استعمال الكلمات والتعابير يجب العناية بضبطه ، ان القول ب ( اعتلاء سرج الثورة المضادة ) يعنى بالوضوح تصنيف الحزب الشيوعى مع المؤتمر الوطنى وهذا فهم او مقصد خاطئ تماما ، ففي حين ان الحزب الشيوعى يسعى ، بل يتشدد في تطبيق شعارات الثورة فأن رموز الثورة المضادة ومنهم المؤتمر الوطنى والإسلاميين ومن تبعهم يسعون لهدم شعارات الثورة ، ولذلك من الخطأ تماما القول با، الحزب الشيوعى ( اعتلى سرج الثورة المضادة ) بل الاصح والاحق بأن الحزب الشيوعى قد اعتلى سرج الثورة وغيره من بقية الأحزاب منها من اعتلى هذا السرج بميلان ومنها من حاد عن ظهر فرس الثورة ومنها من أراد ان يهيمن على الثورة بعد ان اشبعها نقدا من شاكلة بخور المرقة ووجع الولادة وغيرها ولما وجد ان الثورة قد ولدت حقيقة اصبح يهاجم في الحزب الشيوعى ويستبطن الهبوط الناعم الذى كان يروج له ويسعى له بقوة

    مالكم كيف لا تحكمون

  5. من مصلحة السودان ان يبتعد الشيوعيون عن الحكومة في الوقت الحاضر الى ان تأتي التنتخابات و يعرفوا حجمهم الحقيقي في الانتخابات. كل العالم الذي جرب الانظمة الشيوعية تخلص منها بعد ان ثبت فشلها. كل اقتصاد روسيا مع جبروتها الان يساوي اقتصاد ولاية واحدة صغيرة مثل نيويورك !

  6. الحزب الشيوعى سعى ويقاتل من احل تحقيق اهداف الثورة واعتراضه على الوثيقة الدستورية هى انها تكرس لسيطرة العساكر على السلطة كما انه الحزب الوحيد الذى طالب بحل موسسات الكيزان من دفاع شعبى وامن وامن شعبى بالاضافة لحل مليشيا الجنجويد وهذه جميعا اهداف الثورة واشواق الثوار وبيان الحزب الشيوعى واضح ماذا يريد واين سيكون وده كلام اسمو منى الدوله العميقة والموازية باقيتان مادام الشيوعى بعيدا عن مؤسسات الدولة وهياكل الفترة الانتقالية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..