ويسألونك عن الكيزان!!

ويسألونك عن الكيزان!!
*(مَنْ يعدوننا بالجنة لم يعطونا
على الأرض إلا جهنم..).
– كارل بوبر-
مدخل ثان:-
*(يسرقون رغيفك… ثم يعطونك منه
كسرة… ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم.
.. يا لوقاحتهم!..).
– غسان كنفاني-
يا إلهي.. ما الذي يحدث..؟
ما الذي يحدث في بلادنا… ؟
عصفورة في يدَيْ طفلٍ يعذبها
تذوق مرارة الموت والطفل يلعب
فلا الطفل ذو عقلٍ يرقُّ لحالها
ولا الطير مطلوق الجناحين يهرب
.. ويُدمَّر السودان، ويُطلى لونه بالرماد، ويجري تخريب الحياة فوق رأس شعبه، ويحاول كيان الكيزان تدمير النسيج الاجتماعي، وتفكيك سبل التعايش السلمي، وثقافة التسامح، بعد تقسيم البلاد، ومحو التاريخ المشرق، وتُدمَّر دارفور، ويسقط الشهداء نساء وأطفالاً ومسنين، وتُدمر أسباب الحياة الدينية والثقافية والمعاشية وتُحاصر لتُسدَّد إليه الضربة القاضية بالموت جوعاً، و(المتأسمون) يختلفون ويتباهلون ويقتتلون، وأبناء مهيرة وتاجوج يفور الدم في عروقهم ويغلي.
ويستقوي نظام الكيزان ومؤتمرهم الوثني ـ الذي يدعم تنظيم الإخوان الدولي ظالماً ومظلوماً ـ ليعيش هنيّاً رخيّاً كمن يحمل الأفعى في عبِّه من حيث. يدري ولا يدري والشعب يُختم على فمه.
عمائم.. ولحى.. وشيوخ.. يصدرون فتاوى عجيبة غريبة، تحسب وأنت تسمعها أنها بعيدة كل البعد عن تعاليم السماء وحكمة الأنبياء، وأنها قريبة كل القرب من تعاليم الشياطين وأبالسة الأرض.
– هذا الإجراء الذي سوف يطالهم في أقصى عروشهم وأسفلها، هذا الإجراء الذي قاموا به سراً وعلناً لإخضاع الشعب السوداني إن استطاعوا سوف يرتد عليهم يوما شاؤوا أم أبو..!!
– قد يسأل سائل كيف ؟
أقول منذ مطلع الثمانينات قام علماء النفس والإعلام والاجتماع على مستوى العالم بدراسة نظرية جديدة في علم الإعلام معتمدين على الملاحظة والتجريب ألا وهي التغذية الارتدادية أو الراجعة، أي ارتداد المعلومة أو الفكرة أو الفعل الذي يقوم به الفرد أو الجماعة وخصوصا الحكام الى أذهانهم وعقولهم عبر الممارسات التي يقوم بها المتلقون لها والمؤمنون بها لأنها تناغي مشاعرهم ومشاعرهم فقط سواء سلباً أم إيجاباً…!
– يحاول الكيزان وأزلامهم التسيد على السودان وشعبه الأبي بعد تزوير إرادته الحرة وزعزعة أركان حماته الحقيقيين الذين لم يحركوا ساكناً حتى هذه اللحظة حيث أنهم ينتظرون اليوم الموعود في الشرق والغرب والشمال والجنوب وفوق قبة السماء وتحت جحور الأرض …!!
ثار عبد الله بن الزبير على بني أمية وأنشأ خلافة في مكة فأرسل له الخليفةُ الأموي عبد الملك بن مروان الحجاجَ بن يوسف الثقفي بجيش كبير حاصر المسجد الحرام وضربه بالمنجنيق فدمر جانباً من الكعبة واقتحم الحرم وظل ابن الزبير يقاتل حتى قُتل فصلبه الحجاج كي يرهب أعداء بني أمية، وإذا بامرأة طاعنة بالسن هي ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق تتقدم نحو ابنها محنية الظهر تتوكأ على عصاها وترفع رأسها بجبروت قائلة (أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟) إنه جانب من التاريخ الإسلامي الأسود ولكل أمة تاريخها أسود وأبيض ورمادياً بيد أن تاريخنا السوداني المعاصر كله سواد بسواد لا ترى فيه بقعاً براقة إلا على أجهزة الإعلام التي تسبِّح بحمد المسؤول الكيزاني كمن يغطي الشمس بالغربال .
ويستأثر المسؤول وذووه بالمكاسب وأبناء الشعب يبحثون عن فرص للعمل والحياة الحرةِ الكريمة فلا يجدون.
ويكثر الجياع ويزدادون ويبحثون عن اللقمة السائغة فلا يجدون، يحاولون الشكوى فتوضع الكمامات على أفواههم، يحاولون الاحتجاج فيساقون إلى الظلام بكلمة قالوها أو بنيّة نووها ويصبرون ويصبرون . يُقال إنك إن حاصرتَ هراً أو أرنب في مكان مغلق استلّ مخالبه وانقضّ عليك يمزق وجهك وعنقك ، والشعب ليس هررة وأرانب إنه كالماء ينثال قطرة قطرة ويتجمع على تخوم السدّ، كالسد العالي في مصر، وسد مأرب في اليمن الذي يُحكى أن الفئران نخرته فانهار ، وكان كلُّ شيء مُتَوَقّعاً إلا أن ينهار السد.
نعم… ما الذي يحدث في بلادنا…؟
وقد كنت أتساءل وأنا أرى ما أرى من القتل وسفك الدماء والهمجية والتخريب والاغتصاب والاغتيال وتقطيع الأوصال وبقر البطون والذبح والسلب والنهب التي يمارسها هؤلاء الكيزان في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور:
يمارسون أعمالاً شائنة لم نكن نتصور في يوم من الأيام، أن في بلادنا من هم قادرون على ممارستها دون حياء، ودون أن يحسبون حساباً لرادع ديني أو وازع أخلاقي يجعلهم يشعرون بالخوف أو الوجل مما اقترفوه من آثام تضر بهم وبسمعتهم.
يا لها من مهزلة، يا لها من مصيبة، يا لها من كارثة!
أليست مهزلة حين نهرع إلى التاريخ لنبحث في كتب ديننا الإسلامي الحنيف الذي جاء بالمحبة والسلام والتسامح عما يبرر لنا قتل إخوتنا، وسفك دماء الأبرياء منهم، من الأطفال والنساء والشيوخ، ونحن نعلم أن نبينا محمد بن عبد الله (ص) جاء ليتمم مكارم الأخلاق، وليعلمنا طقوس الرحمة والإيثار والعدل؟!
هل هؤلاء الكيزان هم بشر مثلنا حقاً من لحم ودم…؟ أم أنهم قادمون من كوكب آخر غير الكوكب الذي نعيش عليه..؟
هل يحملون ضمائر ومشاعر وأحاسيس إنسانية كالتي نحملها..؟
هل يأكلون كما نأكل.. ويشربون كما نشرب.. ويعشقون.. ويفرحون.. ويغضبون.. ؟
إلى أن وقع بين يدي منذ أمد غير بعيد كتاب للشاعر ممدوح عدوان تحت عنوان (حيونة الإنسان) فوجدت فيه ضالتي.. وأجوبة عن الأسئلة التي حيرتني.
يقول في مقدمته: إن عالم القمع الذي يعيشه إنسان هذا العصر هو عالم لا يصلح للإنسان ولا لنمو إنسانيته، بل هو عالم يعمل على حيونة الإنسان (أي تحويله إلى حيوان). ثم يقول: ما دام عالم القمع والاستغلال والإذلال قائماً ومستمراً، فسينتهي بنا إلى أن نصبح مخلوقات من نوع آخر، كان اسمه (الإنسان)، أو كان يطمح إلى أن يكون إنساناً، ومن دون أن يعني هذا بالضرورة تغييراً في شكله، إن التغيير الأكثر خطورة هو التغيير الذي جرى في بنيته العقلية والنفسية. ثم يستشهد بعبارة من كتاب (تأصيلاً لكيان) لمحمود المسعدي: (يتردد الإنسان متأرجحاً بين منازل مختلفة، فمن الناس من لا يختلف كثيراً عن الحيوان، ومنهم من يبقى طوال حياته يتخبط في البهيمية إحساساً وشعوراً وتصوراً وحياة ومسؤولية، ومنهم من يرتفع عن ذلك درجة أو درجات، ومنهم من قد يصل في الارتفاع إلى أن يشرف على أفق عالم الملائكة).
فكيف لك أن تسوغ طعاماً أو ينفتح قلبك لنأمة فرح وأنت ترى أنك هجين في الحياة لقيط وكأن أمك ليست أمك ، وأباك ليس أباك . ويحرق قلبك أن ترى الناس نياماً تغطيهم غطرسة الكوز المقدود.. ويسألونك عن الكيزان، قلُ أنه غضبٌ من ربي، أفكٌ وابتلاءٌ عظيم!!.. ومن حيث لا أشعر وجدتني أتذكر قصيدة الشاعر العراقي الكبير: محمد مهدي الجواهري (1899ـ 1997) الذي التقيته في دمشق خلال التسعينات
نامي جياع الشعب نامي حرستك آلهة الطعام
نامي فان لم تشبعي من يقظة فمن المنام
نامي على زبد الوعود يداف في عسل الكلام
وتغازلي والناعمات الزاحفات من الهوام
واستفرشي صم الحصا وتلحفي ظلل الغمام.
[email][email protected][/email]
لك الشكر على المقال والتحليل الوافي. انها بالفعل حيونة الانسان وتدميره على يد هؤلاء الاوغاد
دين امك الا ليت قومي يسمعون