نزف مع سبق الاصرار

*الحديث عن الختان في السودان ذو شجون ،فالحفاظ على العذريه وشرف البنت والاسرة ،هما السبب الرئيسي للختان ،داخل الاسر التي تمارس نساؤها هذه العادةالمتوارثة ، والتي تغذيها الخرافة ،تحت ستار الدين الاسلامي ،بمسوغ مااورده الرسول صلى الله عليه وسلم ، من حديثه لام عطيه الانصاريه (اخفضي ولا تنهكي ) ، والذي ادرجه العلماء ورجال الدين تحت تصنيف الاحاديث التي دونت باسانيد ضعيفة، ودون دليل علمي او ديني ، وتبع ذلك عددا من الاحاديث الاخرى ، ورغم التصنيف تتهافت الاسر على ختان اناثها ،ما يعني انه عادة توارثتها الاسر واستمرت الى يومنا هذا . وبالبحث في بعض الاوراق القديمه والدراسات ، نجد ان الكتب المقدسه اليهوديه والمسيحيه ،تكرس صفحات طويله ،حول ختان الذكور ،ولكن لا ذكر فيها لختان الاناث .
القرار الاول
*في السودان وفي العام 1946 صدر اول قرار لمنع الخفاض ،وكان ابان الاحتلال البريطاني ، واستمرت المحاولات ،وفي فترات تاريخية متعاقبة ، من قبل مناهضي الختان لمحاربته .وبين عامي 1939-1949 اوردت تري انا بيزلي ،مفتشة تعليم البنات في الخرطوم ، ان اغلب الرجال والنساء، لم يعيروا القانون اهتماما.
سودان للجميع
*في العام 2005 وبعد ان فقدت الطفله انعام عبد الوهاب حياتها ،بسبب الختان الذي اكد الاطباء حينه ان سبب الوفاة ،كان نزف حادا وتسمم، في الدم بسسبب الختان ، تقدمت منظمة فوروارد وسودان للجميع، بمذكرة الى وزير العدل والنائب العام محمد علي المرضي ،بحماية كافة حقوق المرأة،ومكافحة كل اشكال العنف ،وفقا لما ورد في بروتكول 2003،الملحق بالميثاق الافريقي لحقوق الانسان وحقوق الشعوب ،والذي يمنع كافة انواع الختان ،اذ حثت المنظمه ،الحكومة الى ضرورة الانضمام الى الدول الموقعه علي الميثاق .تواثق مناهضو الختان ،في اصرار تام ،على اهمية مراجعة المشروع القومي لختان الاناث ، وتحويله لقانون قومي ينتهي بموجبه عذاب الاناث وتدميرهن ،فالمادة 13 ،والتي تجرم ختان الاناث صراحة،تم رفضها من قبل البرلمان السوداني ، الامر الذي ادخله في جدل كثيف ، بين مؤيد ومعارض للختان ، وحينها تصدى لهم الشيخ عبد الجليل الكاروري— صاحب مؤلف السنه ..ختن البنين وعفو البنات ، اكد فيه ان هذه النتيجه ? اي عفو البنات – تم التوصل اليها ،بعد دراسة بشان الختان ،استنادا الى اصول الدين ، وعلوم الطب ، وشؤون الاجتماع—.،عضو البرلمان ،ورئيس مجمع الفقه السوداني ،وامام مسجد الشهيد ، وهو من الاسلاميين المعروفين ،بمشاركته في مبادرة (سليمه) المناهضه للختان ، ورغم ذلك ظل مكان المادة 13 شاغرا في طيات قانون الطفل 2010، الامر الذي استنهض عددا من المنظمات المدنيه والاحزاب السياسيه لرفع مذكرة لرئاسة الجمهوريه والمجلس الوطني ، والمنظمات الدوليه والاقليمية ، ووكالات الامم المتحدة، قبل عدة سنوات تطالب باعادة النظر ، في قرار مجلس الوزراء بتاريخ 5-2-2009 لسحبه هذه المادة ، 13 ،التي تمنع و تجرم ختان الاناث، والتصريح كذلك باعادة النظر في المادة ، لتضمينها في القانون الجنائي، بعد اباحة نوع من الختان ، لكن الجهات المسؤولة ، والتي رفعت اليها المذكرة ، لم تهتم باتخاذ موقف واضح لمواجهة ختان الاناث ، والذي يمثل انتهاكا واضحا لحق الطفلات . بيد ان اشجع الخطوات كانت من مجلس تشريعي ولاية البحر الاحمر ،الذي اصدر قانونه الشهير بمنع ختان الاناث بكافة اشكاله ، فكانت لفته بارعه ،وشجاعه، اثلجت صدر الناشطات ومناهضات الختان، وانا منهم ،واذكر انني في ذاك الوقت من عام (2011)، كتبت مقالا بصحيفة الصحافه ، بعنوان (ينصر دينك مجلس تشريعي ولاية البحر الاحمر ).
غير مقبوله
في قراره رقم 366 اكد المجلس القومي للتخصصات الطبيه —الجهة التي تحاسب الاطباء والعاملين في الحقل الصحي ?تطبيق عقوبات صارمه ، ضد كل قابله او طبيب ،يمارس الختان ،وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور معاويه الصادق حميدة مستشار النساء والتوليد ورئيس تخصص النساء والتوليد بمجلس التخصصات الطبيه ،ونائب رئيس جمعية النساء والتوليد السودانية ،انهم ضد الختان تماما ،فهو عمليه غير مقبوله ، تؤثر على صحة المراة،وتترك اثارا نفسيه وجسديه ،وغير مجديه ابدا، وطالب دكتور حميدة بالتركيز على التوعيه والتعليم والاهتمام بالجوانب الاجتماعيه ، للتخلي عن هذه العادة الضارة .
اين الدليل
تحدثت الى القابله في الحي المجاور ، والتي فضلت حجب اسمها –لان ختان الطفلات يعد مصدر رزقها الرئيسي– ، فاكدت انها لن تتخلى عن ختان الفتيات ،ومهما اصدر المجلس الطبي من عقوبات ،فانها لن تطالها على حد تعبيرها ،لان السودان لم يصدر قانونا يجرم ختان الاناث ، وما اصدره المجلس ليس الا قرارا فقط ،وهي غير ملزمة به .
فرعوني …سنه ..نوافذ مشرعه
*الختان في السودان ينقسم الى سني وفرعوني ، ولكل انصاره ومناهضيه ، ومهما يكن من وجود مبررات ، لممارسة ختان السنه عند بعضهم ، ونبذ الختان الفرعوني ، فان الممارسه واحدة ولاتعني غير تشويه اعضاء الاناث التناسليه ،والذي اوردت تعريفه منظمة الصحة العالميه ،انه عملية تتضمن ازالة اجزاء جزئيه او كليه ،للاعضاء التناسليه الانثويه ، دون سبب طبي ، لذلك ، اذ يمارس تشويه الاعضاء التناسليه الانثويه في اكثر من 29 دوله ، في افريقيا ،ويوجد في اسيا ومناطق الشرق الاوسط وحتى بريطانيا ، والولايات المتحدة . ورغم اعلان السودان للامومه الامنه في العام 1999، كذلك اعلانه موجهات الاستراتيجيه ربع القرنيه 2007-2031 ،والسياسات القوميه للسكان حسب قرار مجلس الوزراء رقم 48 لسنة 2002 ،واستراتيجية وخطة العمل للحد من ختان الاناث بالسودان ، كذلك السياسة القوميه لتمكين المرأة، الصادر عن وزارة الرعايه الاجتماعيه وشؤون المرأة والطفل في مارس 2007 ،والموقعه من قبل رئيس الجمهوريه ، وقرار المجلس الوطني ،رقم 29 بتاريخ 26/6/2007 ،والذي اوصى بسن التشريعات اللازمه لمنع ختان الاناث، الا ان الصراع لايزال قائما بين الناشطات المناهضات للختان وبين جهات الاختصاص والبرلمان ومجلس الوزراء ،لعدم الالتزام الرسمي والفعلي بالمادة 13 التي تجرم الختان ، ما ادى لفتح النوافذ مشرعه امام مؤيدي الختان ،اذ لايذكر هذا الحديث الا ويذكرالبرلماني المثير للجدل حسب الرسول دفع الله ،والطبيبه ست البنات خالد صاحبة مؤلف (الختان رؤية طبية)،فمناهضي الختان في اتهام دائم للحكومه بالتلكؤ والتباطؤ وعدم الالتزام بالاتفاقيات الدوليه والاقليميه التي مهرتها الدوله بمدادها ،وذهبت الى ان الحكومه تعمد الى تعليق حلول حقوق الاناث في العيش تحت مظلة السلامه والمعافاة النفسيه والجسديه .
سياسات ….
*اشتملت السياسه القوميه للسكان للعام 2002 ، والمحدثه عام 2011 ،على محور خاص بالاطفال ، ومن اهم اهدافه استكمال وانفاذ اللوائح اللازمة لتفعيل قانون الطفل ، وخفض نسبة ختان الاناث من 65% الى 16 % بحلول عام 2031 ،وذلك بنشر الوعي بمضار الختان الصحيه ،وتم في هذا الاطار ووفق افادة الدكتورة خديجه السعيد مسؤولة المرأة والطفل ،بالمجلس القومي للسكان ، والتي اكدت على تنفيذ مشروع توعوي كبير ،بتمويل من منظمة اليونسيف في كافة ولايات السودان ، حول مخاطر الختان الصحيه والنفسيه ، مبينه على وجود عدد من الحملات ، التي تناولت الجانب القانوني للختان ،من قوانين وتشريعات مختلفه ،كما تم اجراء دراسة حول وفيات الامهات ، والمراضه ،شمل فيها الاستبيان اسئله عن ختان الاناث . وتوضح دكتورة السعيد ان تقرير اهداف الالفيه للتنميه المستدامه ،للعام 2015 والذي اصدرته الامانه العامه للمجلس القومي للسكان وتمت اجازته من مجلس الوزراء ، في نوفمبر الماضي اشار الى بعض الممارسات التقليديه مثل الختان والزواج المبكر ، مع ضرورة محاربتها والقضاء عليها . اما اهداف التنميه المستدامه وهي 17 هدفا ، والتي تبناها العالم في سبتمبر الماضي ،فلقد تناولت قضايا محاربة العادات الضارة بصحة الام والطفل ،ومن ضمنها ختان الاناث ،اذ جاء تركيز الهدف الخامس منها على القضاء ،على جميع اشكال التمييز والعنف ضد النساء والفتيات ،من قبيل زواج الاطفال وتشويه الاعضاء التناسلية للاناث .
تحت مظلة (سليمة)..
*في العام 2008 اطلق المجلس القومي لرعاية الطفوله والامومه ،مبادرة جديدة في مجال التواصل لحماية الفتيات من الختان ،اسماها مبادرة سليمه ،وسليمه تعني طفله كامله ،معافاة جسديا وعقليا ،وعقدت المبادرة ،الكثير من الورش والندوات ،وكان مسك الختام ملتقى سليمه الاقليمي ،بالعاصمه السودانيه الخرطوم ،والذي ضم عددا من الدول الافريقيه ، تواثق الجميع داخل القاعه الرئيسيه على تكثيف الجهود ونشر الوعي ،في المجتمعات المختلفه داخل العواصم وخارجها من اجل ترك الفتاة سليمه ، اذ ارتفع شعار الملتقى عاليا (كل بنت تولد سليمه ..دعوا كل بنت تنمو سليمه )،كان الحضور ثرا ، زينته العديد من النساء اللائي تعهدن بترك بناتهن سليمات وفي هذا الصدد حدثتني الوالدة بثينه عمار التي زرتها في منزلها لتوثيق تجربتها ،في ترك بناتها سليمات ،ان عائلتها ومنذ زمن طويل قد ادركت خطر الختان على طفلاتها، فأمنت لهن السلامه المستقبليه . من جهتها ،. ابانت الدكتورة سميرة امين الخبير الوطني في مجال حماية الطفل والاعراف الاجتماعيه ،ان برنامج سليمه ، يستهدف التغيير خلال الفئه العمريه من (0-14) ،موضحه ان المسح الصحي للعام 2010 اورد ان النسبه 37% ،اما المسح متعدد المؤشرات للعام 2014 ، فقد اوضح ان النسبه 32%،مايؤكد انخفاض 5% خلال اعوام نشاط مبادرة سليمه ، كما برز اهتمام ملحوظ والتزام من 19000 ام لبنت مولودة حديثا،لمبادرةسليمه ،من بين 24000 تلقين خدمات الاستشارات والتوعيه ،في 7 ولايات وو21 مستشفى ، ومركز صحي ،يقدم خدمات النساء والتوليد والتطعيم والتغذيه .
FGM/C trends in Sudan
رد عاجل
* (لم اسمع بمبادرة سليمه ،ولو سمعت بها لن اغير فكرتي التي نشات اتمسك بها ) كان هذا رد صديقتي التي تسكن في المملكه العربيه السعوديه ،والتي ختنت ابنتها الوحيدة قبل يومين فقط ،ورغم توسلاتي لها بتركها سليمه الا انها لم تعر اهتمامي اذنا صاغيه ،مؤكدة على اتفاقها مع زوجها على ختان الطفله ، وحتى بعد تذكيري لها بانها في ارض الحرمين وان الطفلات هناك لا يتم ختانهن ، تيقنت تماما انها تتمسك بموروث وخرافه قديمه،تؤمن من خلالها بالعفه من خلال الختان ولامجال للتربيه السليمه وغرس الاخلاق والقيم السمحه في صفحة التنشئه الاجتماعيه السليمه التي تؤّمن للفتاة طريق الامان والعفه المستدامه ،لذا لم تتركها تغدو امرأة كاملة الجسد والدسم .
شكرا ….امي
الطفله ريناد عادل تحدثت الي عن والدها ووالدتها، بسرور ممزوج بالامتنان ،فهي سعيدة بهما، لانها سليمه وكاملة السلامه والصحة ، ورغم حديثها الفرح ،اظهرت ريناد حزنا تخلل سعادتها بوضوح،لان هناك من هن في مثل عمرها الغض، تم ختنهن ،رغم مايجره الختان من مشكلات انيه ومستقبليه نفسيه وصحيه.
*والان …..الامنيات تترى، والاعناق تشرئب ، لتطبيق فعلي للمادة 13 ،لتنعم حواء السودان،بالامان الجسدي والنفسي ،ووقف النزف المستمر للدم والوجع والحزن ، وحتى يتم ذلك فقوافل التوعيه تشق طريقها يوميا الي المجتمعات الريفيه والحضريه ،من اجل طفلة اليوم وام الغد المشرق . هنالك الكثير من المجتمعات ،ابدت رغبتها الاكيدة في التخلي عن الختان فكانت مدينة توتي التي ستحتفل مع تباشير العام 2016 بطي ملف الختان الى غير رجعة .بجانب مجتمعات الميرم والغبشه بولاية غرب كردفان. وولاية النيل الابيض .وكم يثلج صدورنا كناشطات في مجال مناهضة الختان ، الوعي الذي بدأ يسود المجتمعات بمخاطر الختان ،اذ تسرع هذه المجتمعات الان الى الحفاظ على صحة الطفلات وحمايتهن بالتربيه السليمه وغرس المثل والقيم ،وترك العادات الضارة والخرافات المميته . .لكن وبعودة المادة 13 الى مكانها الطبيعي ،ستتحقق الامال والاهداف ،ونغني جميعاانشودة الحياة الامنة. .
[email][email protected][/email]
* مقال ينم عن اهتمام توعوي.
* لقد جري قلم الكاتبة بلفظ “نزف” مرتين, و بذلك قد استخدمت الأستاذة هذه الكلمة استخداما صحسحا فصيحا, علي غير ما يجري اللسان اليوم بالخطأ الشائع “نزيف”؛ إذ “النَزْف” كـ”قَتْل” هو الدم المُنْزَف، و “النزيف” هو الإنسان الذي ينزف، كـ”قتيل”.
* و رغم ذلك فقد زل القلم بـ”نون النسوة”؛ في العبارة:
” فكانت لفته بارعه ،وشجاعه، اثلجت صدر الناشطات ومناهضات الختان،وانا{منهم}”
مقال جميل يستحق القراءة تسلمي يا استاذةاخلاص