متاعب وهموم صحفية

تمر على الصحفي أحياناً بعض الأحداث التي يصعب عليه جداً تجاوزها والقفز فوقها إلى ما عداها من أحداث أخرى قد تعج بها الساحة، وأكثر حدث يصعب عليه تجاوزه هو ذاك الذي يتصل بمهنته ووسطه، وهذا طبيعي لأن الصحافيين يعلمون قبل غيرهم بحكم المهنة والتخصص أن «القرب الوجداني» هو أحد الخصائص الاخبارية المهمة التي تجعل للأحداث صدًى أكبر، فعندما تكون هذه الأحداث هي الأقرب وجدانياً ومكانياً لجمهور المتلقين فلا شك أنها ستنال منهم الاهتمام الأكبر، ولكن عندما يتعذر على الصحفي أو الكاتب تناول حتى ما يتصل بمهنة الصحافة على النحو الذي يراه، فلا شك أنه سيعايش «حالة صعبة» تماثل تماماً حال صاحبنا ذاك الذي تنسب إليه تلك الطرفة الشهيرة التي يقول فيها «هسي لو اتكلمنا يقولوا مساطيل ولو سكتنا مدني حتغرق»، والطرفة تقول إن «السم الهاري» عندما فعل فعلته بعقل صاحبنا وأذهب عنه الوعي وذهب بكل تفكيره إلى الاتجاه المعاكس، حتى صار يرى كل شيء مقلوباً ومعكوساً رأساً على عقب، فرأى مما يراه من «معكوسات» أن النيل الأزرق الذي كان يجلس عند أحد ضفافه قد غيّر فجأةً اتجاه مساره التاريخي ، فصار يجري من الشمال إلى الجنوب بدلاً من جريانه المعتاد، خاف الرجل على مدينته الأثيرة مدني ورغم أنه كان يجلس وحيداً في عتمة ذاك الليل البهيم هو والنيل والنجم و«السمر»، إلا أنه تلفت في حذر ذات اليمين وذات الشمال ثم قال هامساً كمن يحادث نفسه قولته التي أطبقت الآفاق وسارت بذكرها الركبان «لو اتكلمنا يقولوا مساطيل ولو سكتنا مدني حتغرق».. وهذا بالضبط هو حال بعض الصحافيين مع بعض الأحداث ، يعز عليهم جداً الصمت حيالها وفي نفس الوقت يصعب عليهم جداً التعاطي معها بأي شكل أو أسلوب من أساليب وأشكال الكتابة والتحرير الصحفي، فإن «أتيحت» لهم فرصة معالجتها عبر أحد أشكال المعالجات الصحفية التي يقدسها الصحافيون من حيث تجردها ونزاهتها وتوازنها وصدقيتها مثل الأخبار والتقارير وما شاكلها من معالجات اخبارية، فإنهم لن ينجوا من الاتهام بالغرض والمرض ، لا لأية مشكلة مهنية أو ضعف في الصياغة أو نقص في المعلومة أو عدم صحتها أو لأي «مأخذ» مهني آخر، ولكن فقط لأنها لم تصادف هوًى في نفوس البعض، رغم أنها الحقيقة المجردة التي يضنى ويشقى الصحفي في البحث عنها والحصول عليها ونشرها بلا أدنى «حسابات» أخرى غير حساب الحقيقة والحقيقة فقط، فـ«الاعتبارات الأخرى» قد تخص جهات أخرى ليس من بينها الصحافة الحقيقية الحرة ونكرر الصحافة الحقيقية الحرة تمييزاً لها عن «صحافات» أخرى عديدة، أما إذا «سنحت» لهم فرصة المعالجة عبر منافذ الرأي فلن ينجوا كذلك من الاتهامات ذاتها ، أما ما لا تتاح أو تسنح فيه فرصة للتناول فلا عزاء له إلا أن يهمس مثل صاحب مدني «لو اتكلمنا يقولوا مساطيل ولو سكتنا مدني حتغرق» ..

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..