مقالات سياسية

التطبيع بين لا ونعم

من محاسن الديمقراطية أنها توفر فرصة الإستماع للآراء المختلفة وتمحيصها قبل إتخاذ القرار. إلا أن الدولة، بشقّيها المدني والعسكري، لم تستفد من ديمقراطية ما بعد ثورة ديسمبر لتطرح موضوع التطبيع بصورة رسمية يتباحث فيها أبناء الوطن ويستمع فيها المواطن لوجهات النظر المختلفة، كما يحدث في مناظرات الرئاسة الامريكية بين الرئيس ترامب ومنافسه بايدن هذه الأيام.

من المؤكّد أنه ليس من واجب الشعب السوداني أن يكون رأس الرمح في الدفاع عن حقوق الشعوب الأخرى، وإن كان من ميثاق شرفه الأخلاقي أن يقف مع حقوق الشعوب المضطهدة قدر المستطاع، وهو هنا لا يتعدي “فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” لبلد مسحوق بالجوع والمسغبة والفقر والمرض والجهل.

لكن ليس كل من يقف ضد التطبيع يفعل ذلك من أجل عيون فلسطين. كلا … فهناك من يتخوف من أطماع الآخرين في السودان، ويتخوّف من أن يصبح السودان بؤرة إستخباراتية تنشط فيها مخابرات الدول الأخرى فتجنّد العملاء وتبدأ مسلسلات الإنفجارات والنزاعات الإثنية والقبلية والدينية وغيرها ويدخل السودان في متاهات التشظي والتفتت كما هو الحال في بعض البلدان العربية اليوم، مثل ليبيا وسوريا والعراق.

من حق هؤلاء أن نستمع إليهم لانهم يفتحون أعيننا على المحاذير التي يجب أن نتخذها لحماية الوطن قبل الإنسياق بالعواطف ويوفوريا التطبيع والانتصار  على المختلف معنا. ومن واجبنا أن نستمع إليهم حتى لا يصبح السودان مطيّة لتحقيق مآرب الآخرين على حسابه.

إذن ليس من حق أحد أن يتّهم هـؤلاء بأنهم أصحاب آيدلوجيا عفا عليها الزمن. ففي كل فكرة درجة من الصحة ودرجة من الخطأ، وما علينا إلا أن نعطي الفرصة لأنفسنا للإستماع إليهم دون تسفيه لآرائهم.

كذلك، وبنفس المنطق،  ليس من حق من يرفض التطبيع أن يتهم الآخرين بالخيانة والعمالة.

لكن في كل الأحوال، من المؤسف أن عملية التطبيع قد حدثت دون إتاحة الفرصة للمواطنين لإبداء آرائهم، وتمت بطريقة لا يمكن أن توصف بأقل من أنها رضوخ لإبتزاز لا مِراء فيه.

لكن، لولا تشظي الحاضنة السياسية المتمثلة في قحت وتجمع المهنيين لما انفتح الباب واسعاً للمكوّن العسكري لملئ الفراغ حول حمدوك ودفعه لإنخاذ القرار دون الرجوع إليها.

وماذا كانت تنتظر قحت بعد أن سكبت لبنها بكلتا يديها، ولن تستنقذ بياناتها ولا مؤتمراتها ما سلبه العسكر منها بالتوقيع على التطبيع.

أما الان وقد حدث ما حدث، فإن المهمة التي أمامنا هي الاستفادة القصوى من التطبيع مع التحلّي باليقظة لحماية بلدنا من أطماع الآخرين وحماية أرضنا من أن تكون منطلقاً لإلحاق الضرر بالآخرين.

25 أكتوبر 2020
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..