أهم الأخبار والمقالات

هكذا تكلم .. حميدتي !! (1-2)

(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)
صدق الله العظيم

د. عمر القراي

هذا المقال تعقيب على أقوال متفرقة، قالها الفريق محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة، وقائد قوات الدعم السريع. وهو تعقيب لا يجنح الى الإساءة، ولا يتعمد السخرية، وإنما يحاول مواجهة الحقائق دون مجاملة. وليس القصد هو التقليل من مكانة السيد حميدتي، وإنما القصد هو مواجهته برأي، يعبر عن آراء الكثير من المواطنين، خاصة وأنه طلب أن يقول له الناس رأيهم، فيما يفعل إن كان خطأ أم صوابا.

قال حميدتي (هل كان في تسعة طويلة زمن البشير؟ وأين الأجهزة التي كانت تحاربهم؟ كل مجموعات تسعة طويلة كشوفاتهم عند الأجهزة معروفين فلان وفلان وفلان ورئيسهم علاني وفلان ممكن يلموهم خلال اسبوع أو يومين نحن تاني ما بنتحمل الموت دا)(اخبار السوداني 3 /5 /2022م). ويفهم من كلام حميدتي، أنه لم يكن هناك تسعة طويلة زمن البشير.. وهو قد قرر ذلك، ولكن لم يذكر لنا السبب في عدم وجود الانفلات الأمني، تحت حكم الاخوان المسلمين المباد.

مع أن السبب واضح، وهو أن مثيري الفتن، والمعتدين الذين لا يتورعون عن القتل، والنهب، قد كانوا على سدة الحكم، ولا يعقل أن يزعزعوا حكمهم بأنفسهم!!

أما حين ابعدوا بثورة ديسمبر المجيدة، زاد حقدهم على الشعب، فوظفوا أموالهم التي نهبوها طوال فترة حكمهم، لشراء ذمم السذج والمحتاجين، يسلحونهم، ويستخدمونهم في الاعتداء على الناس، ليثيروا الفوضى، حتى يضطرب الأمن، ويضيق المواطنون بالحال، فيجدوا الفرصة ليقفزوا الى السلطة مرة أخرى. ولكن حميدتي يخبرنا أن تسعة طويلة معروفين بالاسم لدى أجهزة الأمن، ولو أرادوا لقبضوا عليهم خلال يومين!!

وهو هنا يريد أن يقول إن اجهزة الأمن لم تقبض عليهم، لأنها لم تتلق أوامر من رأس الدولة بذلك.. فهو إذاً يحمل المسؤولية للفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، والقائد الأعلى للقوات النظامية. والبرهان هو رأس الدولة، فإذا تآمر على شعبه، وسلط عليهم الغوغاء يهدرون دماءهم، وينهبون أموالهم، ويغتصبون بناتهم، ولم يراع حرمة الدين والاخلاق، أو سيادة الدستور والقانون، فما هو واجب حميدتي وهو نائب الرئيس، وقائد قوات الدعم السريع؟! لماذا لم يجبر الرئيس على التنحي ويقوم باعتقاله كما فعل مع البشير؟! ألأن حميدتي ضالع معه منذ البداية في نفس المؤامرة؟ أم لأنه يخاف مواجهة الجيش لو تعرض لقائده؟! ثم ما هو واجب حميدتي الديني والاخلاقي والوطني، إذا قصّر البرهان أو غيره في واجبه، ألم يكن في إمكانه أن ينزل قوات الدعم السريع، لتقبض على تسعة طويلة، وتحمي المواطنين منهم؟! لماذا وقف مكتوف الأيدي أمام تسعة طويلة ثم راح يشكو منها؟!

قال حميدتي (التغيير لم يمض بالطريقة الصحيحة لأننا منذ 11 أبريل 2019م لم نجلس سوياً على الأرض لنشخص المرض ونعالج أخطاء الماضي ودخلنا في الخلافات لا حل سوى أن نقبل ببعضنا البعض ونمضي نحو التوافق) (شبكة ايمان الاخبارية 3 /5 /2022م). نعم!! التغيير كما ذكر حميدتي لم يمض بالطريقة الصحيحة.. ولكن لماذا حدث ذلك؟ من الذي ارتكب جريمة منكرة، وخشية من المحاسبة، قرر أن ينفرد بالسلطة؟!

إنه المكون العسكري المسؤول عن فض الإعتصام، وقتل مئات الشباب العزل رمياً بالرصاص، وإلقاء جثثهم في النيل، واغتصاب الشابات، وحرق الخيام، ومسح الرسومات الجدارية.. ثم إنه أنكر فعلته، بدلاً من الاعتراف بها، وطلب العفو والغفران من أسر الشهداء والجرحى والمعاقين.

أما خطأ قوى الحرية والتغيير، فهو أنها قبلت الجلوس مع المكون العسكري، بعد أن ارتكب جريمته الفظيعة..

وسمحت له بالقيام ببعض مهامها، وجعلته يقود مفاوضات السلام، ثم قبلت بل فرحت بالمحاصصات، والتسابق على الكراسي، الذي جاءت به اتفاقية جوبا.. وشاركت فيه بدلاً من أن ترفضه، باعتباره خرقاً واضحاً للوثيقة الدستورية. لقد ضعفت قوى الحرية والتغيير، حتى طمع فيها المكون العسكري، وفضل أن يفلت من المحاسبة بالانقلاب، بدلاً من التعاون معها. هذا هو تشخيص المرض، الذي لا يود حميدتي، أو البرهان، أو كافة اعضاء اللجنة الأمنية لنظام البشير سماعه، ثم هو في نفس الوقت، ما يريد الشعب أن يسمعه لهم، شاءوا أم أبوا.
رغم أن حميدتي قال فيما ذكرنا عنه آنفاً (التغيير لم يمض بالطريقة الصحيحة) فإنه عاد و قال (في تغيير لكن الناس ماراضين بيهو يجب أن يرضوا ويقبلوا به.. لو في خطأ تتم معالجته وحميدتي محلو دا لو فيهو خطأ نشيلو منو “ما متعلم ما عارف أيه” نجيب القوي الأمين مافي مشكلة) (المسار نيوز3 /5 /2022م).

الناس لم يرضوا لأن التغيير تم بصورة غير صحيحة، كما قال حميدتي فلماذا يطلب من الناس أن يرضوا بالخطأ؟! من الذي يعالج هذا الخطأ الذي ذكره حميدتي بالذات، خطأ أن يكون قائد أكبر قوة عسكرية، ورئيس اللجنة الاقتصادية (ما متعلم ما عارف أيه)؟ إن أولى الناس بمعالجة هذا الخطأ، حميدتي نفسه، وذلك بأن يستقيل، ويذكر في استقالته أنه غير متعلم، ولذلك لا يصح أن يلي هذه المناصب الرفيعة، بغير وجه حق، لأن البلد مليئة بالمؤهلين، وهم أجدر منه بهذه المناصب!! هل يستطيع حميدتي أن يقول ذلك؟! فإن كان لن يفعل، فهل يظن أنه يمكن أن يخدع الناس بمثل هذه الأقاويل؟!…

(يتبع)

المصدر: صحيفة الديمقراطي

 

‫26 تعليقات

  1. الحمد لله اللذي جعل فينا من ينطق بالحق في وسط هذه الأبواق العالية الضالة و المضلة للرأي العام …. جزاك الله كل خير و إحسان على وقوفك مع الحق دائما ضد هؤلاء الغوغاء و الجهلاء و الشرذمة اللتي لا تشبه السودان ولا السودانيين.

  2. انتم اس البلاء فلو كنتم بحق على قدر المسؤولية لما وصلنا الى مرحلة اعادة نظام عسكري جديد ولكنم بسوء تقديركم للاوضاع وتصرفات صبيانية تنم عن خلو عقولكم من ذرة حكمة وحنكة فانتم انما مهرجون وسط كورجة من الاطفال جاءوا فقط ليستمتعوا بعرض وتسليةوتقضية بعض الوقت في امر لا يفيدهم فقد اضعتم فرصة لا تتكرر في القريب العاجل فقد اوهمتم الشباب بان الحل في ايديكم ان كل الخطط جاهزة للتنفيذ ولكن للاسف كانت خططكم فقط جاهزة للتفيس اللهم ولي علينا خيارنا وابعد عن شرارنا وقيض للسودان من جلدتهم من يوصل السودان الى بر الامان

    1. انت لم تفهم القراي فهو لم يبرئ الحريه والتغيير من الأخطاء كما أنه لم يقل أنه منهم بل عبر عن رأيه كمتلقي الكلام الذي قاله حميدتي فقط كما قال اولا فكلمه انتوا اس البلاء اذا تقصد بها الحريه والتغيير فيمكن أن يكون ذلك في موضع آخر وانا اتفق معك ومعه أيضا بأنهم اتكبكبوا لنيل المناصب

  3. الله يديك الصحة والعافية يا د. عمر.
    مرض السلطة والهوس الدينى أنهكت هذا الشعب العظيم.
    اللهم أرينا فيهم عجائب قدرتك.
    الصبح قريب باذن الله.

  4. بارك الله فيك دكتور عمر القراى واكثر من امثالك وانتم يقع علي عاتقكم بعد الله سبحانه وتعالى اخراج هذه البلاد
    من التدهور والجهل الذي طال كل البلاد والعباد والله المستعان

  5. دكتور القراي تحدث كثيرا لم يقل شيئا وليته سكت وهو دوما يرجعنا الى اسلوب اركان النقاش في الزمان الماضي
    والحديث فكثيرون مثله مما تص\دروا المشهد بعد الثورة واضاعوها لم ينضحوا بفعل الاسيام والسنون فظلوا كما كانوا ايام طلبهم للعلم الذي لم يستفيدو منه شيئا وهم من اعطوا المبرر وياله من مبرر لحميدتي وغيره لحكم السودان فلةو ظهرت قيادات وطنية حكيمة كفؤة لا ختلف الامر ولسارت الفترة الانتقالية بخير وسلالة كما لو كانت في اطتوبر وابريل وانتهى الامر بحكطومة مدنية ولكن ما شجع حمي\دتي والبرهان هو ظهور امثال خالد سلك والفكي ووجدي والقراي ممن لا يحسنون مخاطبة الشعب ناهيك عن احترام رموز السيادة

    1. إحترام رموز السيادة منو؟ ماف حاجة اسمها رمز سيادة السيد هو المواطن البشير كان رمز سيادة

  6. اها قل قدموا استقالاتهم اللي بستلمها منو ؟ الناس ديل واضح ومنطقي ووطني ومسئول عكس كلامكم اللامسئول واللامنطقي واللامقبول واللاوطني قالوتا بنسلم البلد في حالتين 1/ توافق وطني كامل او 2/ بعد اختيار الشعب وتفويضه لقيادات جديدة في انتخابات حرة نزيهة
    عداهم العيب
    واصلا لو عملوا غير ذلك يكونوا ما عسكر يناط بهم حماية البلد

    1. توافق وطني ؟ بين الشيوعي نزيل المعتقل والدفاع الشعبي العدو ؟
      بين العسكر والجمهوريين ؟ بين الامه والشيوعي ؟ بين حزب البعث والمؤتمر الوطني ؟ اربعه طويله وبني ادم ؟
      العساكر عارفين تمام انه ماف توافق حا يحصل وفي ناس من الثوار عندهم تار يعني كلام اقعدوا اتفاهموا دا يبلوهو ويشربوا مويته من زمن غدروا بخلق الله غدرتين ..
      انتخابات قالوها بعد ضمنو القيادات الاهليه والطرق الصوفيه ..
      يا زول ما بيفكوها هم عارفين انه في مكان ما في حبل مشنقه ما راحيهم واسيادهم ما حا يخلوهم يدوا البلد لزول نضيف يغطس حجر روسيا والامارات والسعوديه ومصر والصهاينه .. الناس ديل يا اما هم الحكام يا اما حرب وحا تتذكر كلامي دا ..

  7. استغرب جدا لحديث هذا الطاهوي
    مالفرق بين حديث حميدتي واحاديث قادة مايو في وجههم الاحمر الكالح
    فقد ايدتموهم وشددتم من ازرهم وهم يفتكون بمعارضيهم السياسيين
    اين الاستقامة الاخلاقية وحديثكم الممجوج حول الحرية لنا ولسوانا
    استوليتم علي الفترة الانتقالية لتمرروا اجندة حزبية خبيثة وفكر طاهوي مرفوض وملفوط شعبيا ولكن الحمد لله تم كنسكم وابعادكم من الفترة الانتقالية ومؤخرا قرات مقالات الاستاذ عادل عبد العاطي في سودانيز اونلاين فوجته يعريكم ويفضح خبثكم وانتم فعلا اسوأ من الكيزان واضل سبيلا والحمد لله الذي وضع رأس كبيركم الذي علمكم السحر تحت مقصلة النميري الذي ايده ودعمه حتي انقلب السحر علي الساحر

    1. كنا مثلك في يوم من أيام الصبا وقبل النضوج الذي ياتي مع العمر..القراي لا اتفق معه في فكره الجمهوري لكن والله أنظف واطهر من علي كرتي والمتعافي والخضر ..أكل فلوس منوا القراي؟؟ كدي قول لي ..والله أنا في فترة وجودي مع الاخوان كنت أفتكر أي وحد ما أخ معناه الأخ أحسن منه ..لكن عقلنا والحمد لله..عايز “اخوانك” يرجعوا؟ لا سمح الله لا قدر الله..

      1. نعم القراي انطف واطهر من كرتي والمتعافي وبقية الكيزان اللصوص ولكنه طهر من هجرته المعصية فظناها توبة فالاخوان الجمهوريين الذين تم اختبارهم في ميزان السلطة سقطوا فيها ودونك حيدر الصافي وقضاياه في منظمة البيئة اما في سودانيزاونلاين شاهدنا الكذاب النسناس والمدلس ودونك حيدر بدوي صادق
        لايمكن التعميم فكل الاحزاب فيهم الصالح والطالح

  8. تاتور المصلح في انتظار حكم “الرجل”

    ١/ مقدمة:
    دعم الجمهوريون الديكتاتوريات طوال تاريخهم ، ما عدا دكتاتورية الإنقاذ التي لم يؤيدوها . ولم يكن ذلك لتطور فكري أو سياسي جديد أصابهم ، وانما فقط لأنها زعمت تطبيق الشريعة ، بينما هم يرون إن تطبيق الدين والحدود ممكن لهم وحدهم، تحت قيادة ” الرجل” . وان أي شخص غيرهم يتحدث عن دولة دينية محتال .
    ذلك إن الجمهوريين يدعمون الديكتاتوريات ما دامت تتوافق نسبيا مع أفكارهم وتضرب أعداءهم وتسمح لهم بحرية الحركة ولا تتعدى على صلاحياتهم وصلاحيات “الرجل”، فإذا فعلت شيئا من ذلك عارضوها. ولها أثناء توافقهم معها أن تسجن وتعدم وتقتل من غيرهم من تشاء ومتى تشاء. هنا لا مبدئية في المواقف إطلاقاً.

    ٢/ الديكتاتور المصلح والخطاب لمحمد نجيب :
    ولقد عبر محمود و الجمهوريون عن دعمهم للنهج الديكتاتوري صراحة ، حيث ايدوا اكبر انقلاب عسكري في المنطقة العربية ، وهو انقلاب ٢٣ يوليو في مصر . يكتب محمود محمد طه في رسالة مؤرخة للقائد المعلن لذلك الانقلاب محمد نجيب في ١٨/٨/١٩٥٢ التالي :
    ( أما بعد فإن مسألة خلع الملك عن العرش، بالطريقة التي تمت بها، توفيق كبير. ولكن ينبغي ألا تحمل أكثر مما تحمل من دلائل النجاح، وإنما يجب أن ينظر إليها على أنها مسألة لها ما بعدها. وسيكون الحكم لها، أو عليها، على ضوء ما يحصل عليه العهد الجديد من نجاح، أو من إخفاق)
    ثم يوصي محمد نجيب بأخذ كل الامر في يديه ، كما كان يفعل هو في تنظيمه ، ويقول له أن يتوفر على “الحزم” و “الفهم” ، حيث يقول عن الحزم:
    (أما الحزم فيقضي بأن تتولى كل أمور مصر بنفسك وأن تكون، في غير مواربة، ولا رياء، المسئول الأول والأخير، أمام الشعب المصري، وأمام العالم أجمع، عن استقرار العهد الجديد في البلاد. وأن تستخدم، من الساسة من شئت، ومن الخبراء، والفنيين، المصريين والأجانب، من استطعت. على أن يكونوا مستشارين، وأعوانا، ومنفذين، مسئولين أمامك أنت، وتحاسب أنت على سيئات أعمالهم، أكثر مما يحاسبون.)
    أما “الفهم” فهو ببساطة أن بتبني محمد نجيب افكار محمود محمد طه ، وأن يطبقها. وإن لم يطرح محمود الأمر بهذا الشكل الواضح ، إلا أنه مضمر في الرسالة والنصائح ، فتجده يقول :
    ( أما الفهم فيقتضي بأن تكون لك “رسالة” تبلغها الشعب، وتأخذه بها، وتجعل كل مرافق الحياة الإقتصادية، والإجتماعية، وسيلة إلى بلوغها. واعلم أن الشعب لا ينصلح بمجرد توفير الرخاء المادي، ذلك بأن الإنسان لا يعيش بالرغيف وحده، كما يظن الشيوعيون. وإنما يعيش بالرغيف وشيء وراءه، أهم منه، هو القيم الروحية التي تطهر القلب، وتصفي الذهن، وتسمو بالأخلاق. وأنت رجل مسلم، من شعب مسلم، قد ضل الطريق إلى المناهل التي ارتوى منها أوائله، فعب من الكدر الآسن ما قعد به عن رحاب الحياة السعيدة. فهل فكرت في رد القطيع الضال إلى المهيع الأفيح من شريعة القرآن، وأخلاق القرآن؟؟ هل فكرت أن تقوم بإنقلاب في مناهج التعليم، ومرافق الصحة، ووسائل التغذية، وأساليب السكن، على هدى الدستور الأزلي، القرآن؟؟.)
    ولا يتورع محمود عن تشجيع الرجل على الديكتاتورية ، ويزعم أن الدكتاتورية ليست سيئة في أصلها ، وانما في أعمالها، ويقول إن الديكتاتورية هي خير وسائل حكم عهود الانقلاب، بل هي خير وسائل الحكومات للشعوب المتأخرة. أنظر إليه يقول :
    ( ولا تخافن اسم ((الدكتاتور))، إن كنت تقدر على أن تكون ((دكتاتورا)) مصلحا. فإن عيب ((الدكتاتورية)) ليس في ذاتها، وإنما هو في أعمالها. فإن أحسنت، فهي خير وسائل حكم عهود الإنقلاب. وهي خير وسائل الحكومات لدى الشعوب المتأخرة، على كل حال.)
    محمود هنا ، لا يختلف عن أي واحد من علماء السلطان الموجودين بكثرة في التراث العربي الإسلامي، المقرين لملك التغلب ، والمؤمنين بفكرة (المستبد العادل) العبيطة، حيث لا عدل ولا اصلاح مع الاستبداد والديكتاتورية.

    ٣/ الحزب الجمهوري والخطاب لعبد الناصر:
    أما في الخطاب لعيد الناصر، والمكتوب في أغسطس ١٩٥٨ باسم الحزب الجمهوري، والذي غالباً ما كتبه محمود، فإن جل نصه موجه لاثناء عبد الناصر عن التحالف مع الشيوعيين ، ومن الغريب أن الحزب يشير لقتل الانقلاب الناصري للسياسيين (من شيوعيين واخوان مسلمين) في أول أيامه ولا يستنكره، بل تراه يكاد يدعمه . أقرأ له يكتب في ذلك الخطاب:
    (وقد كنا نريد للثورة أن تسلك بالتأميم سبيلا يستخلص لمصر حقوقها في أرضها من غير أن يعطي الفرصة للشيوعية الدولية أن تظهر بمظهر المدافع عن المستضعفين المغلوبين مما خدع العرب عنها ومكن لها في ديارهم تمكينا . ولقد كان هذا السبيل ممكنا وميسورا . وهو سبيل معروف لدى الثورة وليس غريبا عليها وقد سلكته مرة ودافعت عن سلوكه وقتلت من عارضوها في ذلك كل مقتل. ولكن قد كان ذلك قبل أن يكيد الشيوعيون كيدهم ويغدقوا على الثورة من السلاح والعتاد والعطف ما أنساها نفسها وغرّها عن حقيقتها وأعجلها عن اصطناع الأناة وأغراها بمواقف المسرحيات والبطولات شأن كل الدكتاتوريات)
    وفي هذا الخطاب يواصل محمود والجمهوريين وصف انقلاب عبد الناصر بالثورة ، وهو وصف كانوا قد استخدموه في خطابهم لنجيب. كما هم يخاطبون عبد الناصر ويدعون له بالتوفيق والهداية، وكأن الدول تقوم على الأفراد وعلى الاماني والدعوات.
    الشي الخطير الملاحظ في الخطابين أنهما يخلوان من اي دعوة لتفعيل الديمقراطية واستعادة الحكم النيابي ، مما يوضح كفر محمود بالديمقراطية تماما ، وتبنيه منهج الديكتاتور المصلح أو المستبد العادل، حتى يأتي زمن ‘الرجل”.
    هذا الموقف يتناقض مع زعم الجمهوريين بدعوتهم للحرية الفردية الكاملة، فالحرية الفردية لا تتحقق تحت ظل اي ديكتاتور، ولا تقوم دون الحريات السياسية وحق الناس في اختيار من يحكمهم وكيف يحكمهم ، أي دون الديمقراطية الليبرالية ، التي داسها كل من عبد الناصر ومحمد نجيب ومرغاها في التراب ، وكذلك فعل بها عبود والنميري، ولكنك لن تجد اي دفاع عنها، أي الديمقراطية الليبرالية، من محمود والجمهوريين، و الذين كانوا طوال الوقت أبواق تبرير وتطبيل لتلك الانقلابات وتسميتها بالثورات ، كما رأينا أعلاه وكما سنرى لاحقا.

    ٤/ مفهوم الوصاية وجذور مواقف الجمهوريين الفكرية :
    وفي الحقيقة فان محمودا والجمهوربين كانوا يعرفون جيدا خطر الديكتاتوريات العسكرية. انظر الى قول محمود مثلا في كتاب (مشكلة الشرق الأوسط ) :
    ( ومع إن أسلوب الحكم الدكتاتوري أسلوبٌ سئ، من حيث هو، فإن أسوأه ما كان منه دكتاتورياً مسيطراً عليه الجيش.)
    كما كان محمود يعلم بأضرار الحكم الفردي وتحكم فرد في حياة الناس وحرياتهم ، وقد عبر عن ذلك أكثر من مرة . كتب مثلا في كتاب (الرسالة الثانية من الاسلام ) التالي :
    (ومن هذا نأخذ أنه ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين . وأن ثمن الحرية الفردية هو دوام السهر الفردي عليها)
    كيف تفسر بعد هذا دعم محمود والجمهوريين للديكتاتوريات والديكتاتوريبن؟! هذا ينبع من أن محمود يؤمن في نفس الوقت بمبدأ الوصاية على الناس ، وأن الناس قاصرون بالطبيعة ويجب الأخذ بيدهم من قبل الأوصياء، حتى يبلغوا الرشد . هذا مبدأ ديني ودنيوي عند محمود ، انظر إليه يقول بعد العبارة الجميلة أعلاه مباشرة :
    ( ولما كان مجتمع المؤمنين قاصرا عن الارتفاع إلى ممارسة الحرية الفردية في الاختيار والعمل، فقد جعل النبي وصيا عليهم ليعدهم لتحمل مسئولية الحرية الفردية المطلقة ، وهو أثناء وصايته عليهم يصر على إعطائهم حق الخطأ ، كلما وسعه ذلك ، من غير أن يشق عليهم أو يعنتهم. فهو بذلك إنما يعدهم لممارسة الديمقراطية حين يقوى عودهم، ويستحصد عقلهم )
    ومن هذه الوصاية الدينية ينتقل محمود للوصاية السياسية، حيث يكتب محمود والجمهوريون عن سبب اختيارهم للنظام الرئاسي في مشروع دستورهم للسودان أنه نظام وصاية، حيث يقولون :
    ( ثم إننا نعتبر النظام الرئاسي نظاما مرحليا يعد الشعب لممارسة النظام الأكثر ديمقراطية وهو النظام البرلماني الذي يكون توزيع السلطات فيه أكثر شمولا مما هو في النظام الرئاسي فكأن النظام الرئاسي عندنا نظام وصاية، ولكنه أقرب نظم الوصاية إلى الديمقراطية، بل هو في الحقيقة ديمقراطي تماما)
    ويقول في نفس كتاب (مشكلة الشرق الأوسط) الذي أشرنا إليه أعلاه التالي:
    ( والشعوب العربية، بين هؤلاء وأولئك، مفروضة عليها الوصاية، من قادة قصّر، هم، في أنفسهم، بحاجة إلى أوصياء.)

    ٥/ الوصي الاخير / الرجل / المسيح المحمدي:
    هذا كله أدى إلى فكرة بروز رجل كامل يكون وصياً على الدين والدنيا، على السودان والعالم، ليقود الكرة الأرضية كلها من الخرطوم ويرجع الناس من الجاهلية إلى الإسلام ، ومن الحروب إلى السلام، ومن الخوف إلى الامان, ويعطي للناس الحرية الفردية الكاملة، ويحقق العدالة الاجتماعية الشاملة الخ الخ .
    إن القارئ المتابع لكتب الجمهوريين يلاحظ فوق حديثهم عن الاصيل الواحد والإنسان الكامل والمسيح الثاني وصاحب المقام المحمدي الخ ، اشارتهم لهذا الوصي الاخير (والتعبير من عندي لا من عندهم) الذي يسمونه مرات ب”الرجل”.
    هذا الرجل هو من تمت الإشارة إليه في إهداء كتاب محمد محمد طه الأهم، ( الرسالة الثانية من الاسلام) ، حين يكتب عنه محمود في أثناء مخاطبته للإنسانية :
    ( إلي الإنسانية ! بشرى .. وتحية . بشرى بأن الله ادخر لها من كمال حياة الفكر، وحياة الشعور، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وتحية للرجل وهو يمتخض ، اليوم ، في أحشائها ، وقد اشتد بها الطلـق ، وتنفس صبح الميلاد .)
    هذا الرجل هو محمود نفسه ، كما شرحنا في سلسلة (صورة محمود عن نفسه وصورة الجمهوريين عنه) ، إذ هو نفس “الرجل” الذي بشر به الجمهوريون في زعمهم بعودة المسيح المحمدي في القرن العشرين في السودان ليحكم السودان والعالم بالرسالة الثانية ، و لكي يسوق الناس تحت وصايته الدينية والسياسية حتى يبلغوا الرشد.
    انظر الى وصفهم لهذا “الرجل” و تنظيرهم لماذا يحتاج العالم إلىه، في كتاب (عودة المسيح)، حيث يكتبون التالي :
    (البشرية تحتاج إلى رجل يقدم من نفسه، نموذجا للكمالات الإنسانية التي يشير، إلى حتميتها وإمكانيتها، رأس سهم التطور البشري منذ الأزل. وهي الكمالات المتمثلة في كمال الحرية الداخلية من الخوف والجهل، وهما مصدر كل نقائص الحياة البشرية.
    البشرية محتاجة إلى رجل استطاع أن يتواءم مع البيئة البشرية، والطبيعية، والحضارية الجديدة، فيتحدث بلغة العصر، وهي السلام، ويملك المفتاح لحل معضلات المشاكل العالمية المستعصية، بالمنهاج العلمي.
    البشرية تحتاج إلى رجل يقيم المدنية الجديدة التي تؤلف بين القيم الروحية ومظاهر الوجود المادي، بحيث تضع القيمة المادية في مكانها الطبيعي كوسيلة، فحسب، ولكنها لا غنى عنها، للقيمة الأخلاقية.. كما قال محمد: ((الدنيا مطية الآخرة)).. وكما قال المسيح: ((ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان)).
    البشرية محتاجة لرجل يبرهن بكمال فكره، وكمال شعوره، على جدوى ممارسة المنهاج الديني، في العبادة، والمعاملة، وعلى مقدرة الدين التي لا تنفد على استيعاب تطور الحياة مهما تشعب، فيقدم الدين في المستوى العلمي الذي ينفخ الروح في هيكل الحضارة المادية، ويوحد بين الأديان، فيجمع البشرية على دين واحد– وعلى فكرة واحدة. فينفتح، بذلك، دورة جديدة للحياة البشرية لم تشهدها البشرية من قبل.
    البشرية محتاجة إلى رجل يطبق قوانين العدالة الاجتماعية الشاملة، في الرسالة الثانية من الإسلام، والتي تعين كل فرد على تحقيق فرديته، ويبرز منهاج (الفردية) عند النبي محمد، بحيث يرتفق به كل فرد ليبلغ به فرديته الخاصة. البشرية تحتاج إلى الإنسان الكامل. المسيح. المخلِّص، في هذا المستوى العلمي الرفيع) .
    فإذا لم “يتجل” هذا الرجل لسبب أو لآخر ، كانت الوصاية السياسية للديكتاتوريين والديكتاتويات ، شرط أن يسمحوا للجمهوريين بالعمل، وألا يسلكوا في ممارستهم السياسية مسالكا تقف بصورة واضحة ضد أفكار الجمهوريين، وان يضربوا لهم أعداءهم ، والا يتعدوا على صلاحيات “الرجل” الحالية والمستقبلية.
    هذا النهج الذي سماه البعض بالانتهازية السياسية، وما نسميه نحن ب”الهوس الديني المقرون بالعمى السياسي”، هو ما سنتناوله بالتوثيق والإثبات في الحلقة القادمة من هذه السلسلة.

    عادل عبد العاطي
    ١٨ اغسطس ٢٠٢١م

  9. كنا مثلك في يوم من أيام الصبا وقبل النضوج الذي ياتي مع العمر..القراي لا اتفق معه في فكره الجمهوري لكن والله أنظف واطهر من علي كرتي والمتعافي والخضر ..أكل فلوس منوا القراي؟؟ كدي قول لي ..والله أنا في فترة وجودي مع الاخوان كنت أفتكر أي وحد ما أخ معناه الأخ أحسن منه ..لكن عقلنا والحمد لله..عايز “اخوانك” يرجعوا؟ لا سمح الله لا قدر الله..

  10. السلام عليكم يا دكتور ، نرجوا تسليط بعض الضوء على وثيقة فض الإعتصام والأطراف الموقعه عليها ؟ مقالك أعلاه يشير إلى إبراء ذمة قحت أيضا من دماء الشهداء ، وهذا أمر غير مقبول البته

  11. وعمر القراي دا قولوا ليهو ربنا امرنا ناخذ باحسن ما في الواح موسى بنص القران .. تاني وصيه انك ما تصنع تمثال ولا صوره .. انتو بتتكلموا في الدين كيف قبل ما تعرفوا انتو شنو

  12. و “هكذا تكلم حميدتي” !!”هكذا تكلم زرادشت”
    يا للمفارقة حين المقارنة بين العبارة التي عنونت لإحدى اعمق حكم الإنسانية وبينما ما يجري الان في بلد مأزوم بطغمة منفلته من أبنائه .. العنوان واسقاطاته يساوي عشرات المقالات .. كفيت ووفيت ولا أزيد ..

  13. ههههههه والله سبحان الله كلما يتكلم الجمهوريون تقوم القيامة والنار تولع والحبن يتاور الكيزان…. أي كلام تاني الكيزان ممكن يتداهنو ويلفو ويدوروا معاه لكن بس الجمهوريين ديل كلامهم زي الشطة القبانيت ما بحملوه أبدا..اعتقد انو السبب الجمهوريين نضاف وتاريخهم ناصع…. وزي ده ما بنفع معاهم طبعا

    1. اين التاريخ الناصع
      تاريخ كبيرهم الذي استخدم العصا لخلافه مع التني في حادثة موثقة
      ام تاريخهم المذل في تاييد الديكتاتورية
      ام تاريخهم المذل في الانكسار والتوبة امام محاكم مايو
      ام تاريخهم المذل في مشاركة الانقاذ كعوض الكريم موسي مثالا
      الجمهوريون اسوأ من الكيزان في نظرتهم الضيقة للدين وظنهم الخاطئ بانهم الفرقة الناجية كما صرح الدالي في قناة صاحب الالوان
      الجمهوريون فئة ضالة ومضلة

  14. عمر القراي احد الذين اضاعوا الثورة و ألب الشعب علي حكومة قحت باثارتة لمواضيع حساسة تمس العقيدة و محاولتة ادخال الفكر الجمهوري في المناهج –

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..