أحداث جامعة الدلنج

الحادثة المأساوية التي شهدتها جامعة الدلنج، وأدت إلى مقتل طالبة وطالب بواسطة شخص قادم من خارج الجامعة قتلهما وانتحر، تعطي مؤشراً خطيراً للواقع النفسي في المجتمع بتزايد جرائم القتل وحالات الانتحار، وهي بالطبع حادثة مؤسفة .
لكن ردة فعل طلاب الجامعة أنفسهم، وهم يقومون بحرق وتدمير قاعات الجامعة تدميراً كاملاً، ليست هي ردة فعل طبيعية أو متوقعة، بل هو سلوك مريض تظهر فيه عملية إفراغ لسموم نفسية خطيرة، تجعلك تدمر قاعات درسك وأنت طالب جامعي، تعرف تماماً مدى حاجتك أنت شخصياً لهذه القاعة، وتعرف أيضاً أن تعويضها لن يكون أمراً سهلاً أو ممكناً في هذه الظروف، كما أن الرسالة التي تصل للناس من هذا الفعل ليست رسالة إيجابية بالنسبة لك، أو تجعلهم يساندون موقفك وقضيتك أيها الطالب، بل على العكس تماماً، وجد هذا الفعل إدانة اجتماعية واسعة جداً ضده، فهو عمل يسيء لسلوك طلاب هذه الجامعة، بل هذه التصرفات تعكس واقعاً نفسياً مأزوماً في المجتمع الجامعي هناك أو المجتمع ككل، وتعكس مستوى اليأس والإحباط وسيطرة الأفكار والسلوكيات السلبية في أوساط فئات، من المفترض أنها مستنيرة، تجدها تمارس العنف والانفعال الجماعي بغير وعي للنتائج، ومخاطر هذا السلوك الذي لا ينقاد خلف ذهنية أو دماغ يفكر، بل ينقاد خلف حالة فوضى تسيطر وتجتاح جميع هذه العقول، وهي بالطبع حالة مرضية غير طبيعية، وإن كانت جماعية، فهي أيضاً تحتاج إلى تشخيص وعلاج .
لا فرق بين الحالة التي تجعل أحدهم يرتكب جريمة قتل ثم ينتحر، وبين الحالة التي تجعل مجموعة من الطلاب يحرقون قاعة الدرس في جامعتهم بشكل كامل، ويحولونها إلى كوم من الرماد!!
ولا تبرر ذلك بأنه انفعال وغضب ثوري من الطلاب، فحتى الفعل الثوري الطبيعي ? لو رأيناه فعلاً ثورياً ? لا يعني الانقياد خلف حالة اللاوعي المتشنج العقيم ذاك، بل هو فعل يحضر العقل في الكثير من محطاته التوجيهية، إذ لم نسمع بثوار سقطوا في البحر أو حرقوا أنفسهم بالنار تحت سيطرة اللاوعي الثوري.. هذا غير موجود إطلاقاً.. فهناك لحظة وعي تأتي ضمن ذبذبات الفعل الثوري هي التي تضبط وتوجه الثورة إلى هدفها، وهناك عقل يتدخل وهناك حكمة ثورية.. لا شيء اسمه اللاوعي الكامل الذي يجعل طلاباً يدمرون جامعتهم ويحرقونها كرد فعل لحادثة مؤسفة، نعم، لكن لا علاقة لإدارة الجامعة بها.. وليست ذات أبعاد سياسية، بل هي جريمة قتل كان مسرحها هو حرم تلك الجامعة .
صحيح أن الوضع الاقتصادي والمعيشي الراهن والظروف العامة التي تمر بها بلادنا تحدث ضغوطاً كبيرة في نفسية المجتمع، وتزيد من الإحباط والاكتئاب والتوتر، لكن ذلك من المفترض أن لا يؤثر كثيراً في الفئات الأعلى وعياً، والأكثر إدراكاً مثل طلاب الجامعات .
فطالب الجامعة سلاحه الأساسي الذي جاء ليتدرب عليه ويدربه، هو عقله ووعيه، فلو فقدهما يفقد الأهلية لحمل صفة طالب جامعي .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
اليوم التالى