التقرير الإقتصادي لولاية جنوب دارفور – فن الخدع البصرية

لم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام ، بسرور بالغ قرأت سِفراً أنيقاً مصقول الأوراق يمثل التقرير الإقتصادي لولاية جنوب دارفور للعام 2011 المنقضي ، فرجع بصري خاسئاً حسيراً لأن التقرير يشابه لحدٍ ما أفلام الكوميديا الموجهة لإضحاك المشاهدين و لست أدري ربما أراد منتجو التقرير الغاية ذاتها في ولاية حبلى بالمصائب، ببساطة يستطيع القارىء العادي أن يتبين التقنيات و الحيل التي يتبعها المخرج لإثارة المُشاهد في الأعمال الفنية و الروائية ، دائماً يلجأون -عندما تضعف تقنية الإقناع و التأثير – للمشاهد المبتذلة و التفاصيل الرتيبة و جمال الوجوه و المادة الخام ، لإضافة قيم تعظم العمل و ترفع اعداد المشاهدين ، لا اعقد مقارنة بين الأفلام و هذا التقرير برغم التشابه الكبير في التفاصيل ، و من الملائم التذكير بأغراض كتابة التقارير الرسمية فهي تهدف لتقديم مُلخصات و إيجاز لأمرٍ ما بتجرد و موضوعية ، فلا تصلح مساحيق التجميل على الإطلاق لأن ذلك يقدح في صدقية التقرير ويحوله إلى عمل كوميدي يُضحك القراء ويحفز على التندر .
إن ورقة النقد المزيفة و هي تحمل كل التفاصيل والأوصاف والأرقام للعملة الحقيقية و لكنها لا تصلح للوفاء بإلتزام و لمجرد الإحتفاظ بها تضع حاملها تحت طائلة القانون، أما هذا التقرير (الباهي لونو) يعدل تلك الورقة النقدية المزيفة و لكن الناس لا يأبهون بما فيه من اعلى وأسفل فيستقر به المقام في اضابير المكاتب ، و لا يتحمل أحد مسؤلية ما فيه وفي أفضل الأحوال يتناول القراء الهفوات و يتصيدون مواطن الزلل ، أعلم أن لا مسؤلية قانونية تجاه من ينشىء أو يحتفظ أو يقرأ هكذا تقارير لأنها تضيف قيم دعائية ترفع أقواماً وتحط آخرين حسب زاوية الرؤية الرسمية ، منبع الأسى أنه من إنتاج لجنة وضعت خصيصاً لهذا الغرض في مغالطة صريحة للعنوان الرئيس الذي يشير إلى قسم البحوث و الدراسات بإدارة التخطيط و التنمية بالولاية ، و توقيت صدور التقرير يشير إلى أن هذا القسم مجرد هيكل دعائي يتخلف عاماً و بضع أشهر عن أداء الجهاز الحكومي لينجز تقرير من صلب واجباته ، في مقدمة التقرير إشارة لأهمية المعلومات لتوصيف الحالة الإقتصادية الراهنة للولاية و لكن لا إجابة للكيفية التي تجسر بها هوة العام 2012 !!!
تتعاظم أهمية المعلومات عندما تقدم في الوقت و المكان المناسبين و تقل درجة الأهمية بالتخزين و تتضاءل إلى حد التلاشي كلما طال أمدها و من هنا تأتي قيمة السبق ، فحوى التقرير يمثل ضرباً من التنجيم و الرجم الغيبي و التمويه حتى تنطلي الحيل على القراء وضعت معادلات رياضية لتضيف بُعداً جمالياً يجعل التقرير ذو فائدة و قيمة معرفية (تمومة جرتق) .
يحاط الكثيرون بهالة من التقديس و التبجيل المتوهم كونهم يبرعون في المبارزات اللغوية و إختيار الالفاظ بعناية و تغليفها ثم تقديمها في قوالب تأسر افئدة القراء و تستحوذ على ادمغتهم و معايير النجاح تقاس بالعائد المادي و الثناء الزائف كما تفعل الخدع البصرية في صناعة الأفلام.
ليس مصادفة أن تتقدم صورة الوالي و وزير المالية و المدير العام و مدير التخطيط صدر التقرير لأن الغاية هي البحث عن مرضاة شخوص لا مخاطبة و تنوير الرأي العام ، وضعت هذه الصور بعناية أو غباء لا يهم فالحيز الزماني لهذا التقرير العام قبل الماضي وقتها لم يكن أياً من هؤلاء في موقعه فلو أن وضع الصور الشخصية جائز فمن الأمانة وضع صور آخرين يتحملون وزر الخطأ و اجر الثواب !!
إنه تقرير أداء لمنظومة مؤسسات رسمية فبأي وجه تدبج الصور اللهم إلا إن كان تأليفاً ممولاً من جيوب خاصة.
إتبعت لجنة كتابة التقرير ببيانات إحصائية على طريقة القص و اللصق من مصادرها فجمعتها كما هي و أدرجت عدداً من القوانين التي تحسب بها معدلات التضخم و البطالة بجانب المعايير الدولية لقياس الرفاه الإجتماعي ، وضعتها كمقبلات و فاكهة ليصير التقرير غنياً بإيراد أخبار عن الأزمة المالية العالمية وأزمة منطقة اليورو و إسقاطات تلك الأحداث على إقتصادات الدول النامية ، في يقيني تمثل ضرباً من التعالي المعرفي المخل و الضحك في مواطن تسوجب العويل، لا يستقيم عقلاً و منطقاً أن تدفع نفقات و تهدر موارد في تقرير لا يلامس هموم و اشواقه جماهير الولاية و لا يقدم تفسيرات تهدي القراء لمطابخ الإنفاق على الدستوريين و المستخدمين في القطاع العام ، لنستبين من يخدم الآخر الدولة أم المجتمع !!!!! لا يمكن إغفال الحدث الأبرز خروج علاقات الولاية التجارية و الإقتصادية مع جنوب السودان كإقليم و دولة ، و هناك عدد مقدر من ابناء ذلك الإقليم كانوا يعملون في قطاع الزراعة و قدر معقول من منتجات الولاية تذهب في عمليات تبادلية .
اعتمدت اللجنة على إحصاءات مقدمة من هيئات حكومية يستطيع المواطن العادي التشكيك في صدقيتها ، فموقف حالات الاعتداء على المال العام بلغت حسب التقرير في ثمانية و ثلاثون حالة حكمت منها ثلاثة فقط ؟؟ دون إشارة لمصدر هذه المعلومات .
عرج التقرير إلى اداء ديوان الزكاة و نقل المعلومات (خام ) مسقطاً كل محليات ولاية شرق دارفور الحالية و التي كانت آنذاك ضمن حدود ولاية جنوب دارفور !!
افردت مساحة للجهاز المصرفي حوى معلومات مبتورة من شاكلة معدلات نمو الودائع !! و تركيبة موارد البنوك ، و صافي ارباح البنوك و النقد طرف البنك المركزي و المتداول !! طامة كبرى مسكوت عنها هي التحاويل عن طريق شراء ارصدة خدمات الهاتف النقال بعبء مالي على العميل تبلغ 15% في بعض المحليات و هذا تآكل لرساميل المنتجين بعلم الدولة ، ركز التقرير على واردات لسلع كمالية (شبس ، موكيت ) و أهمل موارد ثمينة تمثل صادرات الولاية من الجلود لدول غرب افريقيا لا تساهم كصادرات و لا تعظم مداخيل المنتجين !!
أما الحديث عن شركات الاتصال في الولاية فهو أمر مبالغ فيه لحد كبير فخدماتها تتسم بالبطء و الإنقطاع بجانب عدم تغطيتها للعديد من المناطق الإستراتيجية داخل حاضرة الولاية على سبيل المثال المكتبة الالكترونية لجامعة نيالا.
قناعتي أن الوقت لا يسمح بالرقص على اوتار الإنجازات و منا هنا نستشعر عِظم المسؤلية لأن الحاضر ملك للجميع فلا ندعه بأيدي ثلة من الناس لا يأبهون إلا لذواتهم و يلجمون غيرهم بإختراع وقائع من شكالة التعرض على قداسة الدستوريين الذين يبددون موارد مقدرة و يحملون المواطن تكاليف رفاهم بينما الوقت يمر و تتضاءل فرص النجاح كلما غربت شمس يوم.
أختم بمقولة ذهبية قالها الإمام الشعرواي رحمه الله “إن لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل “.
حسناً فعلت إدارة التخطيط بتبنيها خط تمليك المعلومات للرأي العام و هذه (قولة خير) تستحق الإشادة و أي رِدة تمثل خسارة كبيرة يتحملها مجتمع الولاية.
الفاضل ابراهيم فضيل
[email][email protected][/email]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشكر الاخ كاتب المقال على ما قدم من نقد بناء حول التقرير ونقول له نريد ان تنجب الولاية من امثالك الكثيرين حتى يتثنى لنا تنمية هذه البلاد النهوض بمجتمعنا
التحية للأخ كاتب المقال ، صدقت في الكثير من التفاصيل فالعام 2011 لم يكن حماد اسماعيل و لا آدم محمد آدم و لا حسين عمر و لا محمد دود على مقعد السلطة لكن الموظفين المساكين اعضاء اللجنة لا يقولون إلا ما يطلبه المسؤلون في نفاق مكشوف ، أكرر شكري و إمتناني لهذا الكاتب وفقك الله .
جنوب دارفور مسكينة زي باقي ولايات الإقليم ، قادة الخدمة المدنية يفتقرون للمصداقية يكذبون صباح مساء ليجملو ما يفعلون ، يجب على المستنيرين من ابناء هذه البلاد أن لا يركنوا إلى اليأس و كما قيل لا يستطيع أحد أن يتسلق ظهرك ما لم تنحني ، تمام و في الصميم