مسرح وليامز السايكولوجي

تمثل مسرحية تماثيل الوحوش الزجاجية للكاتب الأمريكي المسرحي الكبير تينسي وليامز عمق ‏صراع المذاهب النفسية في منتصف القرن العشرين ، لا سيما اتباعه لمدرسة ألفريد آدلر النفسية . ‏ومع ذلك فإن هذه اامسرحية تطرح إلى جانب ذلك قضايا الأنموذج الأمريكي حيث الحلم الأمريكي ‏الذي يتصاعد لدى الفرد المحكوم بسياقات الرأسمالية والتي تعجل بانهيار هذا الحلم بأسرع وتيرة ‏ممكنة . ‏
تنطلق المسرحية من أم هجرها زوجها أماندا متتبعا أحلامه الخاصة تاركا أماندا مع ابن وابنة ‏معاقة بعرج في ساقها . وتنهار أحلام الابن في تحقيق احلامه كشاعر وتصاب الفتاة بعقدة نقص ‏ورهاب اجتماعي فتنهار احلامها بالدراسة والعمل والزواج كما تنهار أحلام الأم المصابة بهوس ‏السيطرة على ابنائها لتجابه بنجاحاتهما التي تتمناها عدوها الأول في هذا العالم وهو الزمن أو ‏الماضي التليد الذي انهار باختيارها لزوجها من بين عشرات الخطاب الذين تقدموا لخطبتها يوما ‏ما. تحاول الأم إيجاد زوج لابنتها العرجاء وتحرض ابنها(توم) على استدراج احد أصدقائه في ‏العمل فتتعرف إليه الفتاة وتبدأ في تجاوز أزمتها بالتخلي عن العابها الزجاجية مقابل حبها للشاب ‏‏(جيم) إلا أن هذه الأحلام تتحطم كما تحطمت العابها بعد ساعات قليلة حينما يكشف لها جيم عن ‏خطبته لفتاة أخرى. وجيم نفسه شاب انهارت أحلامه في الشهرة فجأة كالآخرين. ويبدو أن جميع ‏أبطال المسرحية يعانون من حالات الإنتماء المفقود للواقع وارتباطهم بأحلام تبدو على بساطتها ‏عصية على التحقيق. وتنتهي المسرحية بهروب الإبن توم متتبعا خطى والده في هجران ‏الانتماءات الصغير نحو حلمه الأوسع أو الحلم الأمريكي الذي لم يزل يكنس الإنسان الأمريكي ‏أمامه ليلقيه في مزابل الأوهام . الكل يعيش حلما لا يتحقق حتى النهاية. ومع ذلك فالاستمرار في ‏الحلم هو المزية الوحيدة التي تطبع الإنسان الأمريكي المغلوب على أمره. ‏
ولا تبدو رسالة تنسي واضحة كل الوضوح ؛ ذلك أن المسرحية تبدو متشائمة كل التشاؤم ولعله ‏تشاؤم ساخر يذكرنا بمؤلفات الإجتماعيين الأمريكيين ضد النزعة الفردية في مجتمع صاخب ‏ومتحرك ولكنه بلا ملامح أو أشبه بالوحوش التي لا قطيع لها. ‏
‏ يلعب الظلام دوره الأكبر في مسرحية تماثيل الوحوش الزجاجية مع محاولات فردية لاقتناص قوس ‏قزح من خلال انعكاس قليل من الضوء على هذه الوحوش الدمى . ‏
ولكن .. هل الحلم الأمريكي المتوهم مقصور على الفرد الأمريكي فقط؟ يمكننا الآن أن نرى تلك ‏التراجيديا مسيطرة على كل فرد في هذا العالم الذي اجتاحه طوفان الرأسمالية وثقافة الاستهلاك ‏وليس امريكا فقط. إن مأساة عائلة ونجفيلد هي مأساة الفرد في عالمنا المعاصر. ويقول توم بأن ‏الإعلام هو الوسيلة ليس للثروة فقط ولكنه أيضا وسيلة للديمقراطية أيضا. أي إلى السيطرة ‏السياسية . وهذا ما نراه بعد أكثر من نصف قرن على هذه المسرحية متحققا بلا أدنى شك أو ريب ‏‏. ‏
د.أمل الكردفاني
‏28مايو2014‏
الساعة 2:27‏
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكرا د. أمل
    عرض تقديمي و تعريفي مفيد خاصة من حيث التحليل لما وراء السرد النصي و ربط ذلك بخلفيات التحليل ‏النفسي. أولا إطلاعنا على المسرح العالمي قليل و خاصة بالكاتب تينيسي ويليامز. فنرجو أن تواصل في ‏تعريفنا بالمسرح العالمي و كبار كتاب المسرح العالميين. فكما تعرف السودان تنقصه المجلات المتخصصة ‏في العرض المسرحي و التحليل المسرحيليس للعامة فقط بل حتى للمتخصصين.‏
    لك الشكر

  2. احدي قصصه نالت شهرة عالمية هائلة ويكفي اننا في مدينة صغيرة فيمجاهل افريقيا اتيحت لنا الفرصة لمشاهدتها وهي قصة (عرية اسمها اللذة) اضغي عليها النجم الاسطوري مارلون براندو القا . خرجنا نتجاجل ونحن بعد يفع ثانويين ! هذا خير ما يفعله فيلم او مقال , يا دكتورة مقالك قيم لكن العيب في زماننا هذا او في اهله اللاهثين وراء لقمة العيش اما الثقافة فيا روحي عليها !

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..