أخبار السودان

اجتماع الأيام الثلاثة … امتحان لا يقبل الإعادة !!!

إبان العهد البائد، وضع النظام العديد من الخطط ابتدرها بما يسمى بالخطة الخمسية ثم أعقبتها بعد سنوات الخطة الاستراتيجية الشاملة التي عقدت لها مؤتمراً للخروج بخطة علمية تحقق النهضة الاقتصادية المنشودة ، لكن يبدو أن النظام الذي دائما ما يضع التوصيات جاهزة في كل المؤتمرات ثم يستصحب قدراً يسيراً من المدولات بعد التصرف في مضامينها إذا كانت لا تناسب رؤى النافذين في السلطة.

ويبدو إن هذا ما حدث في المؤتمر الاقتصادي الموسع حيث جاءت آنذاك توصياته تحمل عبارات إنشائية تعبر عن أمان يوتبية تمد لسانها للواقع حيث كررت في المخرجات عبارات مثل مضاعفة صناعة السكر والنسيح والقمح خمسة أضعاف وغيرها من المضاعفات أي أن المعايير كانت تتكئ على المكاييل الكمية وليست الأرقام المبنية على استقراءات جيدة للواقع المرحلي وصولاً للرؤى الاستراتيجية المنهجية ،وهي رؤية يمكن لأي تاجر كنتين محدود القدرات أن يستخدم تلك المصطلحات في لحظات هائمة في سماوات الخيال وهو يحلق في سقف متجره المتواضع .

ولهذا فشلت تلك الخطة الهلامية التي اعتمدت على الترويج الدعائي للنظام أكثر من كونها آلية جادة يريد بها التغيير الحقيقي .

أما في عهد حكومة ثورة ديسمبر، فقد تم عقد مؤتمر اقتصادي موسع حضره لفيف من الاقتصاديين يمثلون مشارب سياسية مختلفة وبالرغم من أن الجلسة الأولى بدت وكأنها منابر للخطابة السياسية وشابت الجلسة بعض الهتافات والتصفيق مما جعل الكثيرين ينتابهم خيبة الأمل بيد ان الجلسات التالية كانت أكثر منهجية ورزانة علمية وخرج المؤتمر بتوصيات أهمها : ترشيد دعم البنزين والجازولين، والإبقاء على دعم الحكومة للقمح والأدوية والكهرباء وغاز الطهي، وتقديم دعم عيني للعائلات الضعيفة.

كما شملت التوصيات اعتماد سعر الفائدة كأداة لتنفيذ السياسة النقدية وتكلفة الاستدانة وخفض مستويات التضخم العالية للحد من نفوذ السياسات الاقتصادية التي تحفز التضخم، بجانب دعم مدخلات الإنتاج الصناعي والزراعي.

كما تضمنت التوصيات العمل على جذب مدخرات المغتربين، وتشكيل مفوضية لمكافحة الفساد والإصلاح القانوني، وتحقيق ولاية وزارة المالية على المال العام، وخروج الشركات الأمنية من منافسة القطاع الخاص في عمليات الصادر والوارد.

وهي توصيات ليست بعيدة عن سياسات الحكومة الحالية والملاحظ ان التوصيات لم تشر إلى التعامل مع الصناديق الدولية رفضاً أو قبولاً بشكل صريح كما كان تهدف إليه بعض التيارات التي عرفت بعدائها التقليدي للتعامل مع المنظمات الدولية النقدية طوال تاريخها السياسي وفق ايدولوجيتها بصرف النظر عن الظرف المرحلي على الأرض ، كما يلاحظ أن التوصيات أشارت إلى تخفيض الدعم على الوقود وهي إشارة ضوء أخضر مضت فيه الحكومة لاحقاً إلى نهايته .

أعلن رئيس الوزراء بعد إعلان التشكيل الوزاري خمسة محاور شملت الإصلاح الاقتصادي ورفع الضائقة المعيشية الخانقة على المواطنين واستكمال مسيرة السلام الموقع بجوبا وإصلاح الأجهزة الأمنية وبسط الأمن وتحقيق عملية الانتقال الديمقراطي وصولاً لعقد انتخابات حرة ونزية . اجتماع الأيام الثلاثة عقد مجلس الوزراء الانتقالي برئاسة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك ثلاثة اجتماعات عبر اعتكاف استمر ثلاثة أيام في مبنى أكاديمية الأمن ربما بدوافع التأمين بعيداً عن أي رمزية مستهدفة ، وخرج الاجتماع بقرارات تتعلق بالمحاور الخمسة التي طرحها رئيس الوزراء.

ففي المحور الاقتصادي أمن على سيطرة الدولة على صادر الذهب بتولي بنك السودان المركزي شراءه بأسعار البورصة العالمية وتصديره وإقامة بورصة سودانية للذهب، وتوفير الخدمات الأساسية مياه الشرب ومجانية التعليم العام وتطوير السكة الحديد، وفي مجال الصحة تعهدت المخرجات بتوطين صناعة الدواء لتغطي 60% من الحاجة في العام الأول ودعم برنامج العلاج المجاني ليشمل الأدوية لكافة الأمراض المزمنة والرعاية الصحية الأولية وحالات الحوادث والإصابات والطوارئ بالإضافة لبرامج المراكز القومية.

وأشار الى تمكين النساء في الشأن العام وإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. مع استكمال مشروعات الكهرباء والنفط بنسبة زيادة 50%. والتوسع الأفقي والرأسي في الزراعة المطرية والمروية. وفي محور السلام أمن على ضرورة توفير الموارد اللازمة لتنفيذ اتفاق جوبا للسلام وفقا لمواقيته المتفق عليها مع إقامة مشاريع توفير الأمن وخدمات المياه والصحة والكهرباء والتعليم والاتصالات في المناطق المتأثرة بالحروب، وإعادة اللاجئين والنازحين طوعاً إلى مواطنهم الأصلية.

كما أشارت التوصيات الى استئناف التفاوض مع الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بقيادة عبد العزيز الحلو والتواصل مع حركة تحرير السودان (قيادة عبد الواحد محمد نور) للعملية السلمية. وفي محور الأمن تم الاتفاق على استراتيجية أمن وطني شامل وفق عقيدة وطنية خالصة للدفاع عن الوطن والنظام الدستوري تهدف إلى تكوين جيش قومي مهني محترف وموحد مع إصلاح جهازي المخابرات العامة والشرطة وإنشاء جهاز الأمن الداخلي علاوة على تأمين الحدود ونزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج وحفظ الأمن عبر القوات المشتركة مع محاربة التهريب وحماية المدنيين وغيرها من التوصيات المهمة.

يلاحظ أن التوصيات في المحور الاقتصادي أشارت إلى تطوير السكة الحديد لكنها لم تشر إلى تأهيل وتطوير الناقلين الوطنيين الخطوط الجوية السودانية والخطوط البحرية فهل سيتم إدراجهما في خطة قادمة ، كما لم تشر إلى محور الصناعة ومؤسسات القطاع العام مصانع النسيج ومصانع السكر وحاجتها إلى التأهيل العاجل في ظل تدني انتاجها الذي أفرز ارتفاع أسعار السكر في ظل الاستيراد لهذه السلعة التي يملك السودان مقوماتها . بيد أن التوصيات شملت بنوداً مهمة مثل قيام جهاز للأمن الداخلي وهو امر من شأنه ان يساهم في بسط الأمن الداخلي بعد فترات من التوترات والصراعات القبلية شهدتها أطراف البلاد المختلفة وللحد من التهريب والمضاربة في العملات الحرة واحتكار السلع الاساسية ،

وكذلك من التوصيات المهمة وحدة الجيش الواحد مما يعني ضرورة استكمال عملية الترتيبات الأمنية وعدم ابقاء أي فصيل مسلح مواز للقوات المسلحة وغيرها من التوصيات المهمة هل تنجح الحكومة في الامتحان ؟ يرى المراقبون أن الحكومة وضعت نفسها في اختبار اختياري تحفه العديد من الصعوبات والتحديات فهل تنجح في اجتيازه وهو اختبار بالطبع لا يقبل الإعادة مرة أخرى وتتعذر فيه ملاحق الامتحانات .
الانتباهة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..