من يتعلم..ومن يفهم؟ا

أفق بعيد

فيصل محمد صالح
[email protected]

من يتعلم..ومن يفهم؟

بقدر ما أظهرت موجة الثورات الشعبية في البلاد العربية التي صارت تعرف بـ”الربيع العربي”، حجم التغيرات التي حدثت في المجتمعات العربية، ومدى الديناميكية التي تتسم بها حركة الجماهير، وبالذات الشباب، بقدر ما علمتنا أن ما كنا نعلمه سابقا لم يتغير، وهو أن حكامنا هم..هم، لا يتعلمون ولا يعطون لكل الدنيا والظروف فرصة أن تعلمهم، إلا من رحم ربي من القلة.
تعلمت حركة الجماهير من بعضها ومن التراث الثوري في كل العالم، لدرجة أن هناك توحد في بعض الشعارات، مثل “الشعب يريد اسقاط النظام” التي صارت أهزوجة شعبية يتم ترجمتها للغات الأجنبية، وتراكمت الخبرات والتجارب المتبادلة في مجالات التنظيم والتعبئة وتقديم الخدمات. ومضى الأمر أكثر من ذلك حين نظمت جماهير الثورة في اليمن وسوريا جمعة تظاهر مشتركة تحت اسم “النصر ليمننا وشامنا”، في استدعاء لدلالات تاريخية وحضارية قديمة .
لكن يبدو أن عقول الحكام قد خلقت من صم الحجارة، لا تتعلم ولا تستفيد من تجارب غيرهم من الحكام المخلوعين، بل وكأنهم عمي لا ينظرون. أنظر لما يفعله بشار الأسد من قتل وذبح وقمع لشعبه، وهو يزيد في ذلك كل يوم، ويظن أن ذلك يمكن ان يوقف حركة الجماهير ويدخل الخوف في قلوبها، ويردع من يفكر في الانضمام لها. يفعل بشار الأسد ذلك دون ان يفكر في مآلات ومصير حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي، ومن سبقهم من طغاة الأرض، ودون أن ينظر كيف انكسر بعبع الأمن المركزي المصري في ساعات، وكيف سقط جهاز أمن بن علي الرهيب وتهاوى بين ايدي الجماهير.
ومازال صالح اليمن يظن أن الزمن يلعب لصالحه، يجثم أكثر من 30 عاما على صدر الشعب اليمني، ثم يقسم بالأمس أنه لا يريد السلطة ولا يحبها، وسيتخلى عنها خلال الأيام القادمة، وهذا هو الإعلان الثالث عن التخلي…دون تخلي حقيقي، ولا يعتبر أن الملايين التي تتظاهر منذ شهور في شوارع اليمن، تعني له شيئا، فما الأمر في سوريا واليمن، مثلما كان في مصر وليبيا وتونس، أكثر من مؤامرة أجنبية.
حتى حكومتنا السنية لم تتعلم شيئا، ولا يبدو من خلال تصريحاتها، أنها تريد أو يمكن أن تتعلم. صحيح أن هناك من تحدث عن التغييرات التي حدثت في المنطقة العربية وتأثيراتها على السودان، مثل أمين حسن عمر وغازي صلاح الدين، وربما مضى بعضهم أكثر ليقول إن ذلك يستدعي ان تقوم الحكومة السودانية ببعض التغييرات. أما من بيدهم الأمر الحقيقي فقدق قالوا إن السودان سبق كل العالم العربي وقام بثورته في يونيو 1989 (!)، حين خرجت بعض الدبابات ومنسوبي السلاح الطبي وسلاح الإشارة ومحاسبي الجيش ليقوموا بإنقلاب على النظام الديمقراطي الضعيف أمنيا.
ليس في الأمر رفض لقراءة الواقع، وإنكار لطبيعة التغيرات التي تحدث، بل محاولة للاستهانة بعقول الناس واعتبارها كائنات هلامية غير موجودة، وإن وجدت فهي لا تفهم. ولن يضير هذا الأمر حركة الجماهير التواقة للتغيير والساعية له، بل سيضير من بيدهم الأمر، حين تدور عليهم الدوائر، وتنقلب عليهم الأيام، ولات ساعة مندم.

الاخبار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..