أخبار السودان

د. التجاني الطيب يصف القرارات الأخيرة بـ”الجلد بعد السلخ” مؤكداً على أنها “تهزم نفسها بنفسها”

إن أحسنا الظن، وافترضنا فرضاً، ثمة مائدة للغداء مازالت، يجتمع عليها أفراد الأسرة السودانية، كتقليد متوارث ومتعارف عليه فيما سبق؛ فإن أحاديث جل تلك الأسر خلال اليومين الماضيين لن تهمل تأثيرات الحزمة الاقتصادية الأخيرة عليهم، ولن تفارق استقراء العواقب المحتملة جراء سياسات متنزلة عليهم كقدرٍ لا يُرجى الفرار منه. وخارج نطاق الجمع الأسري عاليه؛ سيتعامل الكثيرون مع الحزمة بوصفها “قاسية”، سيما وأن ارتفاعاً راجحاً سيطال أسعار السلع الاستهلاكية والكمالية، جراء قرارات (الخميس). وليس بعيداً عن اتجاهات التناول في فناء الحيشان، أو خارجها؛ في المواصلات ودور الأندية والتجمعات بالأسواق وفي ونسات العصرية بـ(الحلال) و(الفرقان)، كان وزير المالية يحاول خلال شرحه لمفردات الحزمة التبشير بزيادة في الأجور، حددها بـ20% من الراتب الأساسي، بيد أنها بالنسبة لبعض من استنطقناهم “لن تساوي شيئاً”، فـ”الأسواق قمينة بابتلاعها، واحتياجات التموين”.

“غير متوازنة”
حسناً، يؤكد دكتور عبد العظيم المهل، الأستاذ بجامعة السودان، على أن القرارات الأخيرة التي طبقتها وزارة المالية لن تؤدي إلى أي استقرار اقتصادي، “لأنها غير متوازنة”، كما يصفها، علاوة على أن الحكومة سبقت وأن اتخذتها في العام 2013، و”هي تصب في ضغط المواطن السوداني دون الضغط على المنصرفات الأخرى”. ويسخر المهل من حديث وزير المالية عن تخفيض 10% من الإنفاق العام دون النظر إلى الصرف البذخي الذي يتسم به القطاع العام. وأشار إلى أنه إذا كانت المالية جادة في إنفاذ تخفيض الإنفاق العام فعليها تجميد المجلس الوطني والمجلس التشريعي لعدم جدواها وتوفير مصروفاتها لقطاعات أخرى، بجانب إيقاف الكرنفالات والاحتفالات الحكومية واستضافة المؤتمرات الخارجية، كما يوصي.
وانتقد المهل خلال حديثه لـ(اليوم التالي) زيادة الأجور بنسبة 20%، قائلاً إنها “لا تعني شيئاً، نظرا للآثار التضخمية التي ستفرزها القرارات الأخيرة”، مشيراً إلى أن نسبة الزيادة الحقيقية بالتوازن مع نسبة التضخم “ستكون 2% فقط”، إذا سلمنا كما يقول بأن “نسبة التضخم الحقيقية هي 18%”.

“انتظار” و”ضبابية”
لا عليكم فالسياسة المشار إليها ستكون محور نقاشات كثيفة وسط الاقتصاديين وعلماء المجال، لكن دعونا ندلف مباشرة إلى ما نحن بصدده؛ ففي أسواق (السبت) أمس كانت الضبابية سيدة المشهد.. للتفسير أكثر فإن المار يكاد يجزم بأن جل التجار في حالة ترقب وانتظار.. والعنوان الأوفر حضوراً في مخيلة هؤلاء، إن حاولنا النفاذ لسبر أغوار ما تمور به الرؤوس لن يفارق (الأسعار الجديدة). لمن لا زال يحاول الوصول معنا لقلب السوق؛ فقد رفعت الحكومة الدعم -جزئياً ربما- عن الوقود والكهرباء والأدوية، وكذا رفع سعر الصرف الرسمي بما يقارب 150%. إذن ثمة ما هو متوقع.. وبلغة بعض التجار فإن ارتفاعاً متوقعاً سيطال بعض أسعار المنتجات؛ المحلي منها ووارد الخارج.

“صعود وهبوط”
تشي الأسعار التي رصدتها صحف البارحة في عدة قطاعات، لم تهمل المواصلات، بأن فوضى الأسعار ضاربة أطناب السوق. وبالعموم فإن الرؤية ربما كانت غير جلية بالنسبة لبعض التجار، وهو عين ما حاولنا شرحه تحت مسمى (الضبابية). ولكن ليس هذا كل شيء؛ فقد وقفت (اليوم التالي) على عدد من القطاعات المفترض أنها متأثرة بأسواق الخرطوم. غرضنا بالضرورة معرفة الزيادات المتوقعة والحتمية إن كانت ثمة..! كلكم ترقب لجلاء الغموض؟ إذن لن نعدكم، فنحن أيضاً أسرى الحيرة في سوق يراوح صعوداً وهبوطاً حتى الأمس، وعلى كل، هذا جهدنا، وحصيلة جولة الأمس.

“زيادات مرتقبة”
الوضع مربك وسط توقعات من قبل التجار بارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية خلال الأيام المقبلة، على خلفية زيادة أسعار المحروقات. ويشير علي محمد موسى، صاحب بقالة بأم درمان، الثورة الحارة (13) إلى أن هنالك زيادات مرتقبة في أسعار السلع الاستهلاكية، خصوصا بعد ارتفاع أسعار المحروقات، مؤكداً على أن الزيادات لم تمر على أصحاب البقالات الصغيرة. ويضيف محدثنا أن المواطن البسيط ?أو قال العادي ربما- هو الذي سيتضرر من هذه الزيادات، نسبة لقلة الدخل اليومي.

“التموينية”.. “قائمة أسعار”
حسناً، لن نربككم بإفادات (حصيلة الصادر) و(أحوال السوق الموازي).. دعونا نعود إلى (سوق يعرفنا ونعرفه)، كم شاكلة سوق (التلطاشر) عاليه. ويتوقع الشافع حسن أن ترتفع أسعار السلع خلال الأيام القادمة بعد أن ارتفاع أسعار المحروقات. ويشير محدثنا إلى أن سعر السكر (10) كيلوجرامات بلغ (110) جنيهات، و(60) جنيها لعبوة (5) كيلوجرامات، بينما واحد كيلو صافي يبلغ (15) جنيها. أما الشاي بحسب قائمة أسعار الشافع، فإن الرطل منه بلغ (40) جنيها، ونصف الرطل (20) جنيها، فيما راوح سعر كيلو الأرز (18) جنيها، والحليب كابو ?(2) وربع- ثمنه، كما يسترسل محدثنا، (155) جنيها، فيما الدقيق سعر البكت منه (10) كيلو (70) جنيهاً.

أحوال “الثورة”
وفي مجال الخضروات والفواكه يقول أحمد يوسف، تاجر خضر وفاكهة بسوق الثورة الحارة (29)، إن الخضر والفاكهة لا علاقة لها بارتفاع أسعار المحروقات، حيث تعد سلعاً موسمية؛ “عندما نشرع في سلعة الموسم، تنخفض الأسعار، وفي حال الندرة ترتفع”. أسعار الخضر كيفما يثمنها يوسف تتراوح بين (15) إلى (20) جنيها لكيلو البامية.. (25) جنيها لكيلو الطماطم، (8) جنيهات كيلو البطاطس، أما البامبي فيناهز الـ(8) جنيهات، والليمون (15) جنيها، “بينما نبيع ربطة الجزر بمبلغ (25) جنيها، والخضرة الربطة بـ(40)، والرجلة بين (20) و(25) جنيها”. الفلفلية كما يقول محدثنا الكيلو منها يبلغ سعره (15) جنيها، و”البصل ربع الكيلة بأربعين جنيه”.

“تلاعب في التعرفة”
من جهته يكشف علي عبدالله عبدالقادر، السائق في خط الميناء البري عن ما يسميه “تلاعباً في تعرفة التذاكر من وإلى الميناء البري على امتداد ساعات اليوم”. ويؤكد عبد القادر عدم وجود أي أسعار ثابتة بهذا الخط، وأضاف أن الأسعار بدأت تزداد تدريجياً من (2،5) (3،5) (4،5) جنيهات، متوقعاً أن تصل أسعار هذا الخط إلى أكثر من خمسة جنيهات.
وبالنسبة للطاهر أحمد يعقوب، فيقول كانت هناك زيادات أصلا في أسعار الهايسات، ولكن عبر أصحاب المركبات، وليس عبر الهيئة الفرعية لمواصلات ولاية الخرطوم، ولا أظن أنه ستكون بها زيادة لأن الزيادة التي أقرتها النقابة كانت (3) جنيهات وزادت من (3-5) جنيهات، لذلك سوف تكون الأسعار كما هي”.

معضلة “توفير النقد الأجنبي”
الزيادات المرتقبة في أسعار السلع الاستهلاكية، التي يقول بها صاحب بقالة الثورة، كنا نحاول استنطاقها من وجهة اقتصادية ذات دراية بنظم وحراك السوق ووقائع المرحلة المقبلة. تقول غرفة المستوردين باتحاد أصحاب العمل إن نجاح القرارات الأخيرة رهين بتوفير النقد الأجنبي في المصارف التجارية عبر حصيلة الصادر، التي قال البنك المركزي إنه سيبيعها للمستوردين. وبحسب مالك جعفر رئيس الشعبة فإن القرارات الخاصة بسياسة الحافز التي أصدرها المركزي تعتبر مكسبا لحركة الاستيراد حال توفرت العملة في المصارف التجارية، وتمكن المستوردون من التعامل مع المصارف بدلا عن السوق الموازي، الذي كانوا يتعاملون معه، ويتحملون خطورته.
ويشير جعفر خلال إفادته التي خص بها (اليوم التالي) إلى أن القرارات المجردة لا تعني لهم كشعبة شيئاً، و”ما يهم هو توفير النقد الأجنبي”، وأكد على خروج ما يساوي نسبة 52% من المستوردين خلال العام الماضي، في ظل عدم استقرار السياسات.

أحوال “فاكهة”
بالنسبة للفاكهة فإن أحمد يوسف يقول بصددها: “أسعارها ارتفعت في الأسبوع المنصرم، وأصبحت مستقرة فيما بعد”. وبحسب محدثنا فقد تراوح سعر البرتقال المحلي ما بين (20) إلى (25) جنيها، والجنوب إفريقي سعر الدستة منه ما بين (45) إلى (50) جنيها. يستدرسك يوسف بالقول إنه “في السابق كان سعر الأخير يتراوح ما بين (30) إلى (35) جنيها. وحالما بذلنا تساؤلنا حول أسعار الأصناف الأخرى كان التاجر أحمد يجيبنا بلسان الخبير في مهنته، وكله حضور: “ارتفعت، وبالأخص اليوسفي، وسعره (بقى) بين (30) و(35) جنيه”. وبحسب يوسف فإن القريب فروت يأتي من الشمالية، وتراوح سعر الدستة منه (40) إلى (50) جنيها، والعنب كان يأتي من مصر، حسبما يفيدنا، و”أصبح من ضمن السلع الممنوع استيرادها”، كما يقول، وقد علمنا أن سعره للكيلو منه بلغ (50) جنيها، أما الجوافة فـ”معدومة”، وبلغ سعر الكيلو منها (20) جنيها، وفي السابق كان يتراوح ما بين (8) و(10) جنيهات.. “كيلو الموز”، يقول محدثنا، “يتراوح ما بين (5) و(6) جنيهات، أما التفاح فسعر الدستة (60) جنيها، وكان في السابق بين (40) و(45)، والبطيخ تختلف أسعاره باختلاف حجمه”؛ للتعمق أكثر وبإفادة أكثر وضوحاً كما طلبناها من أحمد يقول: “يتراوح ما بين (10)، (35)، و(45) جنيها”.

“قطاع تحت الضغط”
وبعكس أسواق الخضر الفاكهة، فقد كان قطاع النقل والمواصلات الأسرع في تطبيق زيادة الأسعار، حيث أصدرت إدارة النقل منشورا يقضي بزيادة تعرفة المواصلات في جميع خطوط المواصلات بولاية الخرطوم.
ويشكو الأمين محمد أحمد، سائق خط الخرطوم بحري، من ارتفاع تكلفة قطاع المواصلات، لافتا إلى (ترخيص العربية بجانب التأمين، ارتفاع أسعار الاسبير، ارتفاع أسعار زيت الغيار) كل هذه التحديات تواجه القطاع ونحن أصحاب المركبات العامة نضغط على أنفسنا لتغطية كل التكاليف، ناهيك عن إيصالات شرطة المرور، التي “ربما تصل في اليوم الواحد إلى (100) جنيه”، كما يقول، و”أي زيادة تطرأ في التعرفة في خطوط ولاية الخرطوم يتحملها السائق أولاً”، و”المواطن ثانياً”، و”نحن ليس لدينا سوى أن نخضع للقرارات التي تصدرها النقابة العامة لمواصلات الولاية على قطاع بحري حتى مصفاة الخرطوم”.

هنا “الوحدة”
شكرنا أحمد على ثمين وقته الذي أنفقه معنا، قبل أن نودع أم در وثوراتها، حيث أتيحت لنا سانحة استقصائية أخرى في سوق الوحدة، بمنطقة الحاج يوسف، محلية شرق النيل. هنا، في سوق الوحدة، لن يختلف الوضع كثيرا عما يحدث بأسواق منطقة أمدرمان. يؤكد بابكر خميس، التاجر بالسوق، على أن “الأسعار ثابتة حتى الآن كما هي؛ ولا توجد أي زيادات”. ويسترسل: “لا يوجد تاجر لديه بضاعة جديدة بالسعر الجديد، والتاجر لا يمكن أن يزيد من عنده، لأنه لا يعرف حجم الزيادة”. وبحسب خميس في إفادته التي سجلها لـ(اليوم التالي) فإن سعر الصابونة “البروة” (2) جنيه، وصابون السائل(4) جنيه.. “كيلو السكر بقى بي كم؟” يقول بـ(11) جنيها، وزيت صباح كريستال (2) لتر بـ(40) جنيها، والصلصة (13) جنيه”.. كانت أكياس المكرونة، الشعيرية نوبو، عدس الفراشة، ودقيق سيقا تتراص أمامنا في نظام وعندما استفسرناه عن سعرها تباعاً قال: “(4) جنيهات، (8) جنيهات، (7) جنيهات على تواليها”. أما سعر رطل زيت صباح لدى خميس فهو (9) جنيهات، ولبن كابو عبوة (200) جرام فثمنه (15) جنيهاً.

“التزامات كثيرة”
أما هشام علي، السائق بخط الخرطوم الحاج يوسف، فيقول: “نحن السائقون علينا التزامات كثيرة يجب أن نوفيها بصفة يومية؛ صاحب العربة يريد سقفا معينا، والعربية تحتاج عمليات صيانة، ومراجعة الكهرباء وغيار الزيت، بجانب الترخيص والتأمين، خاصة الترخيص، أصبح أكثر من 1000 جنيه، والتأمين تجاوز الـ 4 آلاف جنيه”.. أصلاً، كما يقول محدثنا، “كانت هناك زيادات في أسعار تعرفة المواصلات غير معلنة، فنجد الحافلات الكبيرة كان سعر التذكرة الرسمي، أو بمعنى أصح، إن آخر تعرفة لأسعار تذاكر خط الخرطوم شرق النيل الحافلات الكبيرة (1،5) جنيه، وتمت زيادات غير معلنة من (1،5)، (2)، (3)، (4)، و(4،5) جنيهات، كآخر تعرفة على مناطق محلية شرق النيل المختلفة”.

“ثبات” وزيادة لم تظهر بعد
يؤكد تاجر الفواكه محمد عثمان ثبات الأسعار حتى الآن، وسط توقعات بارتفاعها.. وفيما تقول لافتة أسعاره الافتراضية وغير المكتوبة أن سعر “التفاح الإيراني (250) جنيها، والبرتقال (150) جنيها”، فإن سعر القريب عنده يراوح (220) جنيها، وسبت العنب (80) جنيها. أما عنب الوزن كما يقول فيبلغ (130) جنيها. بالنسبة للزبيب فالكيلو (75) جنيها، و”كيلو الموز (7) جنيهات”. و”مع ارتفاع سعر البترول”، كما يسترسل محدثنا: “من المتوقع ارتفاع كل السلع الاستهلاكية، لكن حتى الآن لم تظهر هذا الزيادة”.
“الجلد بعد السلخ”
ويصف الطيب خلال إفادة خص بها (اليوم التالي) القرارات الأخيرة بـ”الجلد بعد السلخ”، والسلخ بالنسبة لمحدثنا تمثل في القرارات التي صدرت في العام 2013، مؤكداً على أن هذه السياسة “تهزم نفسها بنفسها”، لأنها ?بحسبه- “طبقت في توقيت خاطئ يتزامن مع بداية الموسم الزراعي الشتوي”، مستنكرا أن تكون الدولة بصدد دعم القطاعات الإنتاجية بانتهاجها لمثل هذه السياسات، “علاوة على أن القرارات الجدية لم تعمل على خفض الإنفاق الحكومي”، ويختم دكتور تجاني إفادته المبذولة لـ(اليوم التالي) بالقول: “الدولة بتمد رجلها أكتر من لحافها”، على حساب المشاريع غير التنموية، مؤكداً على أن “القرارات الأخيرة تعمل على تكبيل القطاعات الحقيقية، التي كان من الممكن أن تكون حلا لمشاكل الاقتصاد، بتوفير المنتجات للسوق المحلي والصادر، علاوة على عملها في تقليل ميزان المدفوعات”.

“صندوق النقد بريء”
إلى ذلك برأ دكتور التجاني الطيب، وزير المالية الأسبق، والخبير في البنك الدولي، صندوق النقد الدولي من حزمة الإجراءات الأخيرة، وقال إنها تعمل على تشويه الاقتصاد السوداني. وبحسب الطيب فإن “الصندوق يرفض أن يكون هنالك سعرين لسعر الصرف، كما أنه يرفض الازدواجية في أسعار الصرف وزيادة الأجور، تجنبا للآثار التضخمية

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..