التعاليم الدينية بين الفريضة والمثال!!

لماذا يشعر المسلم المنتمي لجماعة دينية ما، بأنه تقي ونقي، وقد وصل درجة الكمال، وأنه من أصحاب الفرقة الناجية، أو من أنصار الله أوأنصار السنة المحمدية، أو من أهل الله، وبالتالي يصبح من واجبه (بوصفه إله صغير) أن يحكم على تدين خلق الله، فتراه يسعى مباشرة بحكم الكمال المُتَوهم إلى الاستيلاء على السلطة، وهنا لا فرق بين السلطة المجتمعية المتمثلة في منابر المساجد والزوايا، أو الاستيلاء على (الجائزة الكبرى) وهي السلطة السياسية، في محاولة لتطبيق وَهْمَ الكمال الذي يُضَخِّم ذاته المريضة!!
يجب أولاً التفريق بين الفريضة الايجابية والفريضة السلبية، فالأولى (إفعل) تختص بالعبادات التوقيفية التي تقيم باطن الفرد للالتزام (بإفعل) الاجتماعية في حدها الأدنى ليصبح الاجتماع البشري ممكناً (أدوا الامانات إلى أهلها)، بينما الفريضة السلبية هي (لا تفعل)، يشمل ذلك السرقة والقتل والزنى وكل ما من شأنه التعدي على حقوق الغير، وقد تواضع الناس مسلمهم وكافرهم وملحدهم على سن قوانين انسانية توفر الحدود الدنيا من قواعد سلوك الناس (إفعل ولا تفعل)، وقد أشار القرآن إلى بعضها على سبيل المثال، فحياة الناس في الواقع تسيِّرها العقوبات التعزيرية (قوانين وضعية) أكثر من النصوص القرآنية لأنها (نموذجية، مثالية) ويصعب استيفاء شروطها، وحيث أن النصوص محدودة والوقائع غير محدودة.
لذلك نجد أن التعاليم الإلهية التي من أجلها بُعث الانبياء والرسل، مُقَّلة جداً في مجال (لا تفعل)، وهي محصورة بقوله تعالى (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)، ووفقها فُهم أن (الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم)، وكذلك مُقِلَّة جداً في ميدان (إفعل) على شاكلة اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وغيرها من الواجبات الشرعية التي حدت بالاعرابي لأن يقول (والله لن أزيد على ذلك، وأمَّن عليه النبي الكريم صلوات ربي عليه بقوله، أفلح إن صدق).
ويبقى مجال الدين الحقيقي في (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وقد تركه تعالى ميداناً رحباً ليتنافس فيه المتنافسون، وهذا هو شرع الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا)، وعمل الصالحات يشمل كل ما هو نافع من شق الطرق وإماطة الأذى عنها والاحسان للناس، واختراع الموبايل والانترنت، وأجهزة الليزر، والرنين المغناطيسي والطائرات التي تحملنا لرحلات العلاج والحج والسياحة، وبلاط الحرم المكي (البااااارد) صنيعة الكفار، بالاضافة إلى (بابور) الكهرباء.
إذن جاء الدين ليَحُض الناس إلى السير في درب الكمال اللامتناهي (المثال)، الذي لا تنص عليه (القوانين الوضعية)، ليصبح الفرد بالتعبير الصوفي (سالك)، وفي ذلك يقول العرفاء (تخلَّقوا بصفات الله)، بمعنى الحث على التَخَلُّق بمقتضى صفات الله وأسمائه (المثال)، فتلك الصفات يستحيل بلوغها، وإنما يتم التدرج والعُرُوج في مقامات بُلوغها من أجل الوصول إلى الكمال الممكن الغير متناهي، لذلك المسلم الحق في حالة (قلق) دائم لأنه لا ينظر إلى الفرائض (إفعل ولا تفعل) فهو بالتالي لايصل أبداً، هو في رهق الارتقاء في مقامات الكمال ولا يظن أبداً أنه قد وصل، ولا يشعر أنه من أهل الله أو من أنصار الشريعة أو أنصار السنة المحدية أوأنصار الله، وإنما هو حالة سعي لبلوغ ذلك، لكي لا يتخشب ويصيبه الشعور بالثبات، فيصبح حاد الطبع لا يقبل من يخالفه ولا يتورع في قتله، لأنه قد نسي أن مقام الثبات لله وحده لا شريك له.
إذن تطبيق شرع الله في تصوري، هو (عمل الصالحات)، هو الأخلاق فيما فوق (إفعل ولا تفعل) في رقيِّها نحو (المثال)، وأسمى مظاهرها أن لا تدفع الشر بالعنف (كما جاء في موعظة الجبل ليسوع عليه السلام)، أن تُحِبَّ من يخالفك (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، أما الوصول للسلطة والحكم وأكل أموال الناس بالباطل وجلد الظهور واغتصاب الأعراض، وانتحال صفات الفرقة الناجية وأنصار الله وأنصار السنة وأهل الله وأنصار الشريعة، فكل ذلك من دعاوى الشياطين ذوي الأنياب الزُرْق، لأن كل القواعد والقوانين الملزمة هي بالضرورة من وضع البشر، بينما (عمل الصالحات) فعل تكاملي وسلوك حر نحو الكمال اللامتناهي (المثال)..
صديق النعمة الطيب
الله يديك العافية..و يزيدك من فضله.
ما شاء الله . علم و فهم
الدين فعل وسلوك حميد فى المجتمع الناس المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين والمسلمات أصحاب مصالح وظهر فى الشعب السودانى