بعد أن لبّنت لماذا نشرك فيها الآخرين

بعد أن لبّنت لماذا نشرك فيها الآخرين
صالح الشفيع النيل
[email protected]
بعد أيام قليلة سينفض سامر الشراكة بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية بالطلاق البائن بينونة كبرى بعد خمسة سنوات من المشاكسات والمماحكات والجدل البيزنطى وحوار الطرشان بين الطرفين. وكان المؤتمر الوطنى قد آل على نفسه ألاّ يشرك القوى السياسية الأخرى في أى شأن سياسى يخص البلاد والعباد … وذكر ابراهيم السنوسى نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبى في مقابلة له مع قناة ايبونى الفضائية مؤخراً ، أن جماعة الجبهة الاسلامية بعد أن دانت لهم الأمورعام 1989، وفي معرض مداولاتهم حول خيار اشراك بعض القوى السياسية الأخرى- ذكر أنهم قالوا (الآن وقد لبّنت فلماذا نشرك الآخرين فيها )….ويبدو أن هذا هو جوهر تفكيرهم عند الانقلاب على الديمقراطية الثالثة…أى أن دافعهم لحكم السودان لم يكن لدواعى الوطنية المجردة التى تتبعها مسئولية التنمية الأقتصادية والأجتماعية والثقافية وانما ظل السودان في عرفهم وسيظل غنيمة حرب حصلوا عليها بتخطيطهم ومثابرتهم منذ خمسينات القرن الماضى …فركبوا ظهر شريعة الله سبحانه وتعالى ليمارسوا باسمها أبشع أنواع الأستعباد لأهل السودان من جلد و فصل وتشريد وظلم وفساد مالى وادارى وغيره، اضافة الى التعسف واذكاء نارالقبلية والجهوية وممارسة الاستعلاء العرقى والاستعمال المفرط للقوة…واساءة استخدام قانون العقوبات….سيما قانون النظام العام سىء الذكر الذى جلدت وتجلد بموجبه النساء تحت شتى المسميات و المبررات. …وهن اللائى أوصى النبى الأمى صلى الله عليه وسلم بهن خيراَ في خطبة الوداع…يساندهم في ذلك زمرة من أدعياء الفتاوى ومحبى الظهور في الفضائيات….. ولا أدرى أين الرجال الفاسدون المفسدون أصحاب العربات الفارهة والفلل الفاخرة والأموال المكدسة التى يغرون بها الضعاف وأصحاب الحاجة – لا سيما النساء – فى بلد عبر فيه الناس خط الفقر منذ عقدين ونيف من الزمان كما يعبر العداء النشيط خط النهاية …ألم يقبضوا على واحد منهم حتى الآن أم أنه لا يوجد اثبات عليهم كما جرت العادة ؟؟؟؟؟ أم أن رجال ( القدو قدو)- حسب تعبير أحدى الكاتبات- ومن يقف خلفهم ، متخصصون فقط بالتلذذ بصراخ النساء عندما تلهب ظهورهن السياط؟؟؟
أما مشكلة دارفور فحدث ولا حرج..فهى لا زالت تراوح مكانها من أبوجا الى الدوحة الى واق الواق…حتى أصبح الشعب السودانى لا يعرف نهاية لهذه الغلوتية التى أنتجتها حكومة السودان ضد شعوب دارفور المسالمة بحيث استحالت تلك الشعوب من قبائل رعوية وزراعية ، الى قوات مسلحة استطاع بعضها أن يغزو الحكومة في عقر دارها….بل وتدفقت القوات الأممية على بلادنا وأصبحنا حقل تجارب لكل من يريد أن يحاضرنا في الحرب والسلام ، ومنهم من لم يذق طعم الحرية فى حياته…..وتكالبت علينا بنات آوى من الشرق والغرب سعياً وراء مصالحها تحت غطاء انقاذ نساء وأطفال دارفور…..ومازالت الحكومة مصرة على أن منبر الدوحة هو آخر منبر للتفاوض….لماذا…لا أدرى…و اذا لم ينجح منبر الدوحة، فماذا نحن فاعلون…..نحن ننادى بالتفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض…لأنه قطعاً أفضل من الحرب ….ثم أنه يحمل أمل السلام..فلماذا نضع الحدود القاطعة في السياسة التى هى في الأصل آليات مرنة يسند بعضها بعضاً.
من جهة أخرى، و بعد انفصال الجنوب المرجح في قوادم الأيام ، ستواجه البلاد المشكلات التالية المرتبطة عضوياً بترتيبات الانفصال :
· النفط
· الجنسية
· الديون الخارجية
· ترسيم الحدود
· تحديد مصير منطقة أبيى
وتعتبر كل مشكلة من المشاكل أعلاه قنبلة قائمة بذاتها يتطلب علاجها رجالأ ذوو كفاءة اقليمية ودولية وشجاعة مهنية عالية اذ انه في تقديرى لن يقبل الشعب السودانى مزيداً من التنازلات التى ما فتئت الحكومة تقدمها بلا حساب وبلا عائد….ومع تقديرنا الكامل للحركة الشعبية وحقوقها الا أن ذلك ينبغى الا يتم على حساب الآخرين كأهلنا المسيرية تحت دعاوى و مسميات ( الانفصال السلس أو عدم العودة للحرب)…وهلمجرا….
بعد ذلك وفي السودان الشمالى المبتور تظل المشاكل التالية ماثلة للعيان وقابلة للانفجارفى أية لحظة اذا لم تؤخذ بالجدية اللازمة وهى:
· المشورة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق
· نظام الحكم في الشمال
وكما هو معلوم فان المشورة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق هى جزء اصيل من مخرجات نيفاشا على اعتبارأن تقام انتخابات فيهما ومن ثم ينظر في نوعية الآليات السياسية المناسبة لحكم هذين الأقليمين. وبالطبع لم تقم الأنتخابات في جنوب كردفان بينما فاز مالك عقار فى النيل الأزرق على أسنة الرماح…..وشاهدت مؤتمراً صحفياً لأصحاب المشورة الشعبية قبل يومين قال فيه الكوماندر عبد العزيز الحلو نائب الوالى بجنوب كردفان بالحرف الواحد ( أن أى خطوة سياسية تريد الحكومة أن تقوم بها ، ينبغى أن تسشيرنا فيها وان آلية المشورة الشعبية هى الآلية المناسبة لتحقيق السلام والاستقرار في السودان ) . وهذا الأمر يحيلنا الى الخطاب الذى ألقاه السيد رئيس الجمهورية في أعياد الحصاد في القضارف في العشرين من ديسمبر الجارى حيث قال ( أنهم سيطبقون الشريعة الاسلامية ويعتمدون اللغة العربية لغة رسمية للبلاد بعد اتفصال الجنوب ، ولن يكون للحديث المدغمس عن التعددية والتنوع أى مكان في السودان )..وفى رأيى أن الشريعة الأسلامية يجرى تطبيقها حالياً بالشكل الذى نراه ، كما أن اللغة العربية هى اللغة الرسمية للبلاد فما هو الجديد….اللهم الا اذا أريد ارسال رسالة لأصحاب المشورة الشعبية بالغاء التعدد الثقافى و العرقى والأثنى لديهم على سبيل التشفى بعد استنفاد نيفاشا لأغراضها بين الشريكين االكبيرين بصورة سالبة بالنسبة للمؤتمر الوطنى …..وان كان ذلك كذلك ، فان رأس السوط سيلحق القبائل كلها…..ذلك أن خصوصية السودان العربية والأفريقية قائمة في الأساس على هذا التنوع العرقى والقبلى والثقافى غير المسبوق الذى أفرز هذا السودان المميز الذى طغت عليه أطماع أهله فخربوه كما يخرب الطفل الصغير لعبته ثم يبكى عليها….ولا ينبغى أن ننسى في هذا المقام أن دارفور هى منطقة مشورة شعبية ولكن بأسنان حادة رغم أنف نيفاشا.
اذن ما هو المطلوب من شمال السودان حال الانفصال علماً بأننا قرأنا بأن نظاماً للأنذار المبكر عبر الأقمار الصناعية قد تم انشاؤه لمراقبة الأمن وحقوق الأنسان فى السودان….ولا نبالغ ان قلنا أن المحكمة الجنائية الدولية بدأت في شحذ سكاكينها منذ الآن …. بعد الحصول على الضوء الأخضر من أمريكا و انسحاب مبعوث أوباما وتحوله الى الجانب الآخر بعد ان أدى مهمته بنجاح يحسد عليه……وسوف تبنى الذرائع والمبررات الحقيقية والوهمية للتدخل في السودان…..اضافة للحراك السياسى الداخلى المغبون من خطل السياسات الآحادية الاقصائية التى أوصلت البلاد الى ما هى علبه . واذا أردنا لبلادنا أن تعدل مسارها الى مسار جديد يجنبها المهالك والمواجهات ، علينا العمل بما يقوله الشعب السودانى ممثلاً في أحزابه وفى منظمات المجتمع المدنى التى تنتظم البلاد من أقصاها الى أقصاها ، وبما يتسق مع المعطيات القانونية والدستورية عقب خروج الجنوبيين من الحكومة وتأسيس دولتهم المستقلة :
· تشكيل حكومة قومية….أو قل حكومة طوارىء تتكون من أفضل الكفاءات الموجودة في البلاد بحيث تستطيع أن تقارع العالم الحجة بالحجة وأن تكون لديها القدرة على التعامل مع عقابيل و بقايا نيفاشا الشائكة. والحكومة القومية ليست مطلباً حزبياً بقدر ماهى مطلباً دستورياً يتطلبه الواقع السياسى سيما وأن نصف أعضاء الحكومة الحالية المنتمون الى الحركة الشعبية ، سيتركون مناصبهم الدستورية المنتخبون اليها أو المعينون فيها بمشورة أحزابهم… وينطبق الوضع على البرلمان أيضاً…ولا يصح ترقيع وتطعيم المؤسسات الدستورية الخالية بأعضاء من المؤتمر الوطنى الا اذا أراد المؤتمر الوطنى أن يعود سيرته الأولى حاكماً منفرداً تيمناً بحقبة التسعينات الحالكة…. وبصورة مبسطة فان الشرعية الأنتخابية التى يدعى المؤتمر الوطنى أنه يستند اليها قد نصت عليها بنود اتفاق السلام الشامل ، والآن وقد انهار اتفاق السلام الشامل على الأقل بالنسبة للشمال ، فمن الطبيعى بل ومن التلقائي والقانونى أن تنتفى هذه الشرعية التى هى أصلاً كانت محل تساؤل كبير.
· صياغة دستور جديد يلبى احتياجات المجتمع السودانى باثنياته المختلفة ويضمن المساواة والحرية وسيادة القانون.
· اجراء انتخابات حرة ونزيهة بعيدة عن الخج واللت والعجن.
· حل مشكلة دارفوربصورة جذرية تعوض هذا الشعب المسكين ما فقده عبر السنون.
· رفع غلاء المعيشة الذى بدأ يعصف بالبلاد ورد الحقوق والمظالم الى أهلها.
أن الشعب السودانى اليوم حزين ومكسور الخاطر تتخاطفه الشائعات والأرهاصات ….ولكن نستطيع أن نقول أن ما ساد قبل ذلك من معطيات ( أيام حكومة الشريكين وما قبلها ) ليس بالامكان أن يسود من جديد لأن المشكلات التى ترزح تحتها البلاد تغيرت في طبيعتها وشكلها ومضمونها المحلى وامتدادها الدولى بحيث أصبحت ثقافة الكرباج تؤذى الحكام أكثر مما تؤذى الرعية….كما ان الظروف الموضوعية الحالية تستدعى تكاتف الجميع للخروج من هذا المستنقع الآسن…لمصلحة الأجيال القادمة..