
• على مدى ما وعيت من تاريخ الأحداث والأشخاص ، لم أجد رجلاً ينطبق عليه بيت المتنبي الشهير ، في لاميّته الأشهر ، كما ينطبق على الأخ الطيب مصطفى . فمع أن المتنبي أراد ببيته ذاك الرد على خصومه وحدهم ، فإن عبقرية المتنبي اقتضت أن يصلح البيت دفاعاً عن كل عظيم يتنقصه وضيع …
• و كان فيلسوف المعرّة ، أبو العلاء ، رحمه الله ، حين وفد إلى بغداد ، قد قصد مجلس الشريف الرضي ، الذي كان مَجْمعاً لكبار رجال الشعر و الأدب ، فسمع أبو العلاء الشريف الرضي ينتقص المتنبي و يقلل من شأنه ، فقال أبو العلاء معقِّباً : والله لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا (لك يا منازل) لكفاهُ ..
• اندهش شهود المجلس ، حين رأوا وجه الشريف الرضي يتمعَّر ، و يتميز غضباً ، و يصرخ في بعض مواليه : (أخرجوا هذا الأعمى من مجلسي) فقام بعض أولئك بجرِّه جرَّاً ، إلى قارعة الطريق..
• تساءل شهود مجلس الشريف الرضي ، محتارين ، عن سبب غضب الشريف ، و الأعمى لم يقل شيئاً يستوجب هذا الغضب ، إنْ هي إلا كلمة عبَّر بها عن إعجابه بالمتنبي!!..
• قال لهم الشريف الرضي شارحاً : لقد أراد الخبيث أن يذكِّرني ببيت المتنبي الشهير ، في القصيدة التي ذكرها :
و إذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ فهي الشهادةُ لي بأنّي كامِلُ
• و فيلسوف المعرّة نفسه ، رحِمَهُ الله ، كان قد تناول في شعره تلك الظاهرة المربكة ، ظاهرة تطاول الوُضَعاء على الرُّفعاء، فقال أبياتهُ التي احتفلت بها الحكمة :
إذا وصــفَ الطائيَّ بالبُخــلِ مادِرٌ و عـــيَّرَ قسَّـــاً بالفـهاهــــةِ باقِــــلُ
و قالَ السُّـها للشمسِ أنتِ ضئيلةٌ و قال الدُّجـى للصُّبـحِ لونُكَ حائـــلُ
و طاولتِ الأرضُ السّماءَ سـفاهةً وفاخَرَتِ الشُّهبَ الحصى و الجنادِلُ
فيا مــــوتُ زُر، إنَّ الحياةَ ذميمةٌ و يا نفسُ جِدِّي ، إنّ دهـــرَكِ هازِلُ
• أما الأخ الطيب مصطفى ، فقد اختص بانتقاص رجالٍ من أعظم عظماء هذا البلد ، و ذمِّهم و شتمهم كلما ذكرهم ذاكر.
• في فترة من الفترات ، ألزمت نفسي بتتبع السير الذاتية لرجالٍ شتمهم الطيب مصطفى و استتفههم ، و لقد قرأت له – على الأقل – شتماً لثلاثة من أعظم مبدعي هذا البلد ، ما كتب عنهم إلا بعد أن رحلوا عن هذه الفانية، غير أنني اتهمتُ معرفتي بهم ، و قلت لنفسي : (لعل الرجل قد وجد فيهم نقائص حجبتها عني “عين الرضا”)..
• أعدتُ قراءة شاعر الشعب ، الراحل المقيم ، محجوب شريف ، تتبعت سيرة الرجل الذاتية منذ ما قبل مايو 69 حتى رحيله عن هذه الدُّنيا.
• بجانب روائعِ قصائده التي احتفت بها الأمّة السودانية، تحفلُ سيرةُ شاعر الشعب ، الراحل ، محجوب شريف ، بسلسلة من المواقف البطوليّة التي لا يصدرُ مثلها إلا عن رجلٍ شديد الإيمانِ بربِّه ، شديد الاستمساكِ بمكارم الأخلاق.. منذ أن عرف الناس محجوب شريف و حتى لقي ربَّه لم يتخلَّ الرجل عن رفيع أخلاقه ، و انشغاله الدائم بهموم إنسان هذا البلد ، و مناصرة الضعفاء. لولا ضيق المساحة لأوردتُ كفلاً من تلك المواقف.
• لم يُساوِم يوماً ، و ما غيَّرته الغِير ، و ما فتنته الدنيا ، و ما تخلى عن كريم خُلُقه .. ظل حبيباً للمساكين و البسطاء ، وحرباً على الجبابرة الأغبياء ، و ظل شعره تكريساً لمكارم الأخلاق .. ظل عبقرياً في فهمه معاني كالوطن ، الدين ، العدل ، الظلم ، الإخلاص ، و النفاق.. و ظل مع كل ذلك (داعية) ، نعم ، داعيةً من أحذق الدعاة إلى دين الله القويم (و ليس دين المنافقين الغلاظ العابدين شهواتهم).. و انظروا إلى حصافة الدعوة إلى الإسلام الحق ، في بضع كلمات من إحدى قصائده:
أحب الكلمة لو حُرة
أحب السترة لو مُرة
أعاف الشينة لو دُرة
• ( و هي خصال ثلاث ، لو تحققت في فرعون لأصبح مسلماً حسن الإسلام )..
• تصوروا أن هذا الرجل ، شتمه الطيب مصطفى قائلاً فيه ((وآخر.. سمَّوه شاعر الشعب وهل يحتفي الشعب السوداني المسلم ويمنح اسمه لشيوعي لا يصلي؟!)!!
• قال ..(شيوعي) و (لا يصلِّي).. و كأن على كل مسلم إذا أراد الصلاة أن يذهب فيؤدي صلاته في بيت الطيب مصطفى حتى يشهد له بالإسلام!!
• و أما الآخران اللذان شتمهما الطيب مصطفى ، فأحدهما الشاعر الشفيف الراحل (عمر الطيب الدوش) الذي هو بحق أحد أعظم المجددين في شعر العامية السودانية ، سمق بها إلى حدود تتصاغر عنها الفصحى ذاتها. و اسمع “الحزن القديم” إن شئت..
• قال الطيب مصطفى ، في معرض شتمه الراحل المقيم (الذي كتب يشتمه بعد وفاته) ، قال إن الرجل قريبه ، فقلت في نفسي (سبحان الذي جعل قرابةً بين التبر و التراب، و بين النحل و الذباب!!)..
• جاء أفضل دفاعٍ عن الراحل الدوش بقلم صديقه الشفيف الراحل محجوب شريف ، في قصيدة لا تقل روعة عن قصيدة المتنبي (لك يا منازل) و بيته الذي كأنما فصل على الطيب مصطفى (و إذا أتتك مذمتي من ناقص..).
قال محجوب شريف ، رضي الله عنه و أرضاه :
منو البسرق عشم ميت
أمام اللهِ والحكمة الإلهية؟؟
يمين اللهِ كاتب حر
نسيج وحده
ومن طبعو الفروسية
وأصدق من ملامح طفلة
وسط اللمة منسية
عصافير الكلام ركت
تحت شهقة غنا الفواح
مع الموجة الصباحية..
• و كان موسيقار أفريقيا الأعظم ، محمد وردي ، أحد الذين شهدت لهم شتائم الطيب مصطفى بالكمال .. و حسبك من وردي أن تسمعه.
• إن أردت أن تعرف العظماء حقاً في هذا البلد ، فتابع كتابات الطيب مصطفى، و انظر أولئك الذين يشتمهم الرجل .. و المس رأسك، تأكَّد من أنّكَ موجود، إن امتدحك الرجُلُ يوماً ..
علي يس
[email protected]
(عن صحيفة المواكب)
الاستاذ علي يس
لك التحية و الاحترام
تعضيداً لما ذهبت إليه
انقل اليكم إقتباساً لموضوع مماثل كتبته عن السيد الطيب مصطفى قبل اسبوعين تقريباً؛ يحمل الفكرة نفسها:
(((٢)
من الناس من يسخره الله تعالى للحق و الفضيلة كما في حال شهداء الثورة و من سار على دربهم لإقامة دولة العدل و السلام و الحرية و منهم من يتركه الرب عز و جل لفاحش القول و الفعل ليغوص فيهما و يتمادى دون أن يتحسب للعمر الذي في طريقه لوداع العقد السادس ، كما هو الحال مع الاخ الطيب مصطفى.
(٣)
أعرف الحق تعرف أهله , لكن إن أردت أن تعرف عن حقيقة سياسي ما على الساحة السودانية عليك أن تعرف موقف الطيب مصطفى من ذلك السياسي ؛ فإن وجدت الطيب مصطفى يكيل له المديح تأكد بأنك في حاجة إلي التريث في التعامل مع ذلك الشخص ؛ أما أن وجدته هدفاً لسهام الطيب مصطفى فأنت امام شخص نبيل .
ذلك ما علمتنا إياه تجارب ما يقارب الثلاث عقود الأخيرة ))).
إنتهي الإقتباس
تحياتي
حامد
بكل آسف لقد آكرمت التافه من حيث لا تقصد بكلمات لا يستحقها فامثاله يجب أن تخاطبهم باللغه التى يستحقونها ويفهموها وتناسبهم الا وهى لغة الشوارع والمواخير او كما نقول (لغة الخدم)
اثقل على السيد/ ياسر عرمان باقذر الالفاظ , وبرغم انى اسلامى الهوى الا ان ياسر عرمان اشرف وافضل لى من الطيب مصطفى بالف مرة .
قرت لياسر مقالات تفخر ب عثمان دقنة , على عبيد , زين العابدين , على عبدالفتاح
ولم اقرء للاخر غير النبذ والشتيم , ولم اعرف عنه غير انه اسهم بشكل او باخر بفصل جنوبى الحبيب
الاخ علي يس . لك التحية والود اين ما حللت . امثال الطيب مصطفي اقل قامة من ان ترد عليهم بهذا الحديث الشفيف . هولاء يرد عليهم بالسباب الوضيع الذي رايتة كثيرا كل ما طل هذ المريض علينا بمقال