مقالات وآراء

مذبحة تفلنق…. ماذا جرى؟ (3-3)

محمد التجاني عمر قش

الغدر والمكر من الصفات الذميمة؛ خاصة إذا كان ذلك في حق الجار الغافل. ومن الواضح أن الجهات المعتدية كانت تخطط لما حدث وتنسق مع أطراف أخرى تسعى للحصول على موطئ قدم في دار الريح بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه المواطن الآمن في تلك المنطقة ولو كان ذلك روحه وأرضه وماله، فهؤلاء عندهم الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت بشعة! وبداية، نود أن نسجل صوت شكر وتقدير لكل من جاء إلينا معزياً ومآزراً من الجيران والأهل ونخص بالشكر الإخوة في قبيلة المجانين والكبابيش والكواهلة وبني جرار، أما أهلنا المعالية والزيادية فهم أبناء عمومة وأهل حارة “بفرجوا الضيم” ولكننا نشكرهم؛ لتكبدهم المشاق فقد قطعوا مسافات بعيدة حتى يعزونا ويقفوا إلى جانبنا في هذا الموقف العصيب الذي راح ضحيته نفر كريم من فرسان دار حامد ونسائها الفضليات.

ما جرى من أحداث مؤسفة بين دار حامد وكتول كان أصلاً بسبب النزاع حول الأرض ومورد الماء الواقع في داخل حدود دار حامد، قرب قرية تفلنق، وكان محدوداً للغاية، ويمكن السيطرة عليه بحل المشكلة بالعرف والقانون. لكن زادت حدة الاختلافات والتوتر بعد دخول الحركات المسلحة في المنطقة وتسليح عدد كبير من شباب كتول، دون أن تكون عليهم رقابة أو ضبط بحكم أنهم تابعون لتلك الحركات! ولهذا فإن الخطوة الأولى نحو الحل يجب أن تكون نزع السلاح من الفئات المتفلتة وتفكيك أماكن التدريب، أو بالأصح المعسكرات، وأماكنها معروفة، مع مساءلة القائمين على أمرها وتمويلها وكل من له صلة بها؛ حتى تكون دار الريح خالية تماماً من الأسلحة الفتاكة. ولابد أن تضطلع بذلك جهات من المركز حتى يحس المواطن أن الحكومة المركزية تقوم بدورها في حمايته وأمنه. ويجب وضع حد لتغلغل الحركات المسلحة في هذه المنطقة مستقبلاً. وهذا يتطلب فرض هيبة الدولة وتحقيق العدالة بالاقتصاص من المعتدين ومن يقف وراءهم.

وبما أن النزاع أصلاً حول حدود الأرض يجب على الجهات المسؤولة في الولاية والمحليات والإدارة الأهلية السعي بأسرع فرصة لترسيم الحدود بين القبائل والمحليات والفصل التام بين الجهات المتنازعة بتوفير موارد مياه لكل جهة منعاً للاحتكاكات التي قد تؤدي لتفاقم الأوضاع وزعزعة الآمنين. وفي هذا الصدد يجب ألا يسند الأمر لأي أشخاص أو لجان أو جهة شعبية غير معترف بها رسمياً مهما كانت المبررات والأسباب، تفادياً لتكرار الحوادث التي ما كانت لتحدث لولا تقاعس المسؤولين عن القيام بالمهام المنوطة بهم؛ خاصة من جانب الإدارة الأهلية.

وبما أن المنطقة تعاني من التهميش وعدم التنمية من الضروري ابتدار مشاريع تنموية وخدمية تعزز الاستقرار والاندماج بين مكونات المجتمع. ونظراً لما حدث في تفلنق فإن المنطقة بحاجة لرتق النسيج الاجتماعي عبر رؤية تستلهم ثوابت المجتمع المحلي وتعزز مبدأ التعايش السلمي وهذا لن يتحقق إلا إذا جرى تقصي للحقائق ومعرفة الدوافع الكامنة وراء ما جرى في تفلنق من قتل غير مبرر إطلاقاً.

ومن المطلوب أيضا تطبيق إجراءات قانونية وعقوبة رادعة على كل من يحاول العبث بأمن دار الريح واستقرارها، بمعنى أن يستند الحل إلى إعمال القانون وإصدار أحكام ناجزة ضد من قام بهذه المذبحة أو خطط لها أو وافق عليها أو مولها أو نفذها أو ساعد فيها ولو بشق كلمة. وبالطبع لا يمكن تطبيق القانون إلا بعد القبض على الجناة الفعليين دون تستر، ومن هنا نطالب الجهات الرسمية والإدارة الأهلية على وجه الخصوص ببذل جهود مقدرة من أجل التوصل إلى كل شخص له صلة بهذا العمل الشنيع والمستهجن.

وفي بيانه الصادر عقب هذه المذبحة طالب تجمع أبناء دار حامد بما يلي: “نطالب الجهات المختصة والأجهزة الرسمية باتخاذ كافة التدابير اللازمة لإخلاء هذه المنطقة من عناصر الحركات المسلحة ونزع جميع الأسلحة وتوفير عدد مناسب من قوات الأمن والشرطة والقوات النظامية الأخرى؛ لحفظ الأمن والمحافظة على أرواح الناس وممتلكاتهم؛ حتى لا تتكرر هذه المذابح البشعة والممارسات غير الأخلاقية التي لم تشهدها دار الريح من قبل. ونطالب الجهات ذات الصلة من إدارات أهلية وحكومات محلية وولائية بالاضطلاع بدورها كاملاً من أجل وضع حد لنزاعات الأراضي وتطبيق القانون والأنظمة بشكل صارم حتى لا يجرؤ شخص أو مجموعة على انتهاك القانون وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق”.

هذا البيان يمثل موقف أبناء دار حامد إزاء هذه الأحداث ويعد وثيقة ينبغي وضعها في الحسبان حال السعي لوضع حل للنزاعات في دار الريح عموماً وفي منطقة تفلنق خصوصاً. ومن الأولى وضع الأمور في نصابها الصحيح؛ ولذلك من المطلوب تنظيم العمل في مناطق التعدين الأهلي حول تفلنق، باعتبار أن ذلك قد كان واحداً من الأسباب المباشرة للحادث المؤسف إذ كان التعدين سبباً في توفر مبالغ ضخمة لدى أحد الأطراف، الأمر الذي مكنه من اقتناء الأسلحة الفتاكة والذخيرة وسيارات الدفع الرباعي غير المرخصة التي استخدمت في الهجوم على تفلنق.

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..